الثلاثاء ، ١٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٢٩ مساءً

لماذا تصاعدت إحتجاجات جامعة صنعاء!!!

د . عبد الملك الضرعي
الاربعاء ، ٢٨ مارس ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
بالعودة إلى شهر يناير2011م يجد المتابع أن سؤ إدارة جامعة صنعاء للإحتجاجات الطلابية البسيطة كانت السبب لخروج تلك الإحتجاجات الطلابية إلى جولة الجامعة ثم تصاعدت الإحتجاجات لتتحول من إجتجاجات طلابية ضد رئاسة الجامعة إلى إحتجاجات ضد رئاسة الدولة ، ثم أتسعت لتتحول إلى إحتجاجات شملت مختلف محافظات الجمهورية ، وتنتهي بتحويل علي عبدالله صالح إلى الرئيس السابق أو كما يطلق عليه البعض (المخلوع)، والوصول إلى تلك النتيجة جاء بعد أن دفع اليمنيون الألاف من فلذات الأكباد بين شهيد وجريح وخسائر بمليارات الدولارات ، ولكن على الرغم من ذلك لم تدرك السلطة سابقاً أو لاحقاً سبب الشرارة الأولى لثورة الشباب الشعبية السلمية ، لذلك ظلت قيادة جامعة صنعاء ممسكة بزمام الأموروكأن شيءً لم يحدث!!!كما أن المتابع يتذكر الإحتجاجات التي خرج بها أعضاء هيئة التدريس عام 2010م إلى جوار النصب التذكاري للحكمة يمانية ، والتي إنتهت بالتزام رئاسة الجامعة بتنفيذ عدد من المطالب الشخصية والعامة في مقدمتها الإلتزام بتنفيذ قانون الجامعات اليمنية ، وعلى الرغم من ذلك الإلتزام الممهور بضمان وزير التعليم العالي ورئيس الوزراء حينها، ولم تنفذ بنود ذلك الإتفاق واستمرت
تجاوزات قانون الجامعات اليمنية ، ومن المؤسف صمت نقابة أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم عن تلك التجاوزات على الرغم من توجيهات وزير التعليم العالي السابق التي شملت عودة الدراسة إلى الحرم الجامعي للفصل التعويضي وتشكيل لجنة للتحقيق في الخروقات والمخالفات التي تمت بعد اتفاق النقابة ورئاسة الجامعة عام 2010م ، ولكن من المؤسف حتى تواجيهات الوزير باصرة تلك لم يرى منتسبوا جامعة صنعاء لها أثراً بل أن التجاوزات القانونية لازالت مستمرة حتى الآن!!!

لقد حافظ أعضاء هيئة التدريس على إكتمال الفصل الدراسي التعويضي ، وبعد أن فكروا في الإحتجاج على الأوضاع المتردية في الجامعة قيل لهم يجب الإنتظار حتى الإنتخابات الرئاسية مرعاة لحالة التوافق السياسي ، وعلى الرغم من أن قضية الجامعة قضية أكاديمية وإدارية وليست سياسية فقد وافق أعضاء هيئة التدريس على ذلك ، ولكن وبعد أن تمت الإنتخابات الرئاسية إستمر الوضع على ماهو عليه ، وفي نفس الوقت لم تتبنى النقابة أي موقف يعزز من إحترام قانون الجامعات اليمنية ، وظلت تراوح مكانها مبررة هذا الركود لموقفها بمتابعة الحقوق الشخصية لأعضاء هيئة التدريس ، ومع تقديرأعضاء هيئة التدريس لجهود النقابة في المطالبة بالحقوق المالية والتأمين الصحي والأرض السكنية ، إلاَّ أن ذلك لايتعارض مطلقاً مع المطالبة بالحق الوطني العام المتعلق بتكريس النظام والقانون وحماية الجامعة من الإنهيار الأكاديمي ، فماذا تفيد الإمتيازات المادية في ظل إنهيار القيم الأكاديمية.

إن إحتجات أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم وطلاب الجامعة والموظفين بنسختها الحالية تحاول التذكير بالمطالب الوطنية من التعليم قبل المطالب الشخصية ، فالطالب اليوم يتخرج جاهلاً بأبسط القواعد المعرفية في تخصصه ، ولكنه لايتحمل مسئولية ذلك لوحده بل آليات القبول والتعليم هي المسئولة بشكل أساسي عن ذلك ، كما نجد أن عضواً لهيئة التدريس ربما عين بوساطة (س أوص) من النافذين وهو لايمتلك لأبسط مقومات الأستاذ الجامعي جانباً من تلك الأسباب، أما المبني الجامعي وتجهيزاته فنجده يفتقد إلى أبسط التجهيزات الفنية المساعدة على نجاح العملية التعليمية مثل المعامل والمقاعد الكافية ووسائل العرض...إلخ ، حتى وصل الأمر بأحد عمداء الكليات العلمية إلى توجيه الأقسام بتدريس المواد العملية نظري لعدم توفر إمكانية لشراء أدوات معملية!!!

إن الإعتراض على رئاسة جامعة صنعاء له مبرراته القانونية والوطنية ، فتجاوزات قانون الجامعات اليمنية في جانب التعيينات الأكاديمية على سبيل المثال نتج عنه إهدار مئات الدرجات الأكاديمية وهذه سوف تكلف موازنة الدولة مئات الملايين من الريالات ، لأن تلك التعيينات لم تأتي وفق الإحتياجات الفعلية للأقسام بل وفق قوة الوسطاء ومراكز نفوذهم ، حتى أن بعض الأقسام أصبح فيها بعض أعضاء هيئة التدريس يتقاسمون مقرر دراسي واحد مدته ثلاث ساعات أسبوعياً خلال العام الدراسي ، وبالتالي أصبحت تلك الأقسام مشبعة بالبطالة المقنعة وعلى الرغم من ذلك لازالت التعيينات مستمرة فيها ، فهل اليمن غنية إلى درجة توزيع درجات أكاديمية تكلف الدولة رواتب شهرية تصل مئات الألاف شهرياً لكل درجة دون إحتياج!!! إن كل درجة أكاديمية يمكن أن تشغّل أربعة من حملة البكالريوس العاطلين عن العمل ، والغريب أن تلك التعيينات تتم في بعض الأقسام بينما أقسام أخرى في أمس الحاجة لأعضاء هيئة تدريس لايحالفها الحظ في إعتماد درجات أكاديمية لها ، وإن أعتمدت لها بعض الدرجات يتم الإعلان عنها لفترة قصيرة نهاية السنة المالية وذلك قد لايتيح للمستوفين للشروط معرفة الإعلان والتقدم للدرجة في
الوقت المناسب!!!

إذا كانت التعيينات الأكاديمية بدون إعلان أو مفاضلة هي الصفة السائدة في السنوات الأخيرة على الرغم من النص القانوني الواضح(ويحظر التعيين مطلقاً خارج نطاق الإعلان والمفاضلة)،فإن قضايا أخرى تمس العملية التعليمية بشكل مباشر ففي بعض الكليات يدرِّس بعض الخريجين زملاء لهم لاتفصلهم عنهم أحياناً سوى سنة دراسية ، والأمر لايقف عند مرحلة البكالريوس ، بل تعداه إلى برامج الدرسات العليا(كالماجستير والدكتوراه) وعلينا أن نتخيل في بعض الكليات التي يوجد فيها برنامج الدكتوراه أن بعض أساتذة برناج الدكتوراة لازالوا أساتذة مساعدين(أي لم يحصوا على أي ترقية بعد الدكتوراة)وهؤلاء لايفصلهم عن طلابهم سوى أعوام معدودة ، وكأن حكاية تدريس الخريج لزملاءه تتكرر في برنامج الدكتوراه ، فهل يعقل أن جامعة صنعاء العريقة عاجزة عن توفير أساتذة متخصصين لبرنامج الدكتوراه ، كان الأحرى أن لا يتم فتح برنامج الدكتوراة أو الماجستير مادامت الكليات لاتملك الكفاءات التدريسية لهذه المرحلة ، وإن كان لابد من فتح هذه المرحلة فلماذا لايتم التعاقد مع كبار الأساتذة من بعض الدول الشقيقة ، وذلك ممكن إلى حد بعيد وبتكاليف معقولة ووفق برنامج زمني مناسب ، ويستمر ذلك حتى تكو
ين كفاءات محلية تناسب برامج الدراسات العليا، من المؤسف أن تدار العملية التعليمية في جامعاتنا الحكومية بعشوائية تفتقد إلى أبسط القواعد والأعراف الأكاديمية.

إن جامعة صنعاء تعاني من مشكلات أكاديمية وإدارية مزمنة تراكمت نتيجة غياب مبدأ التدوير الوظيفي والمركزية الشديد لرئاسة الجامعة ، وتدخل مراكز النفوذ الاجتماعية والسياسية والأمنية في الشئون الأكاديمية والإدارية للجامعة ، وبالتالي من الصعب على الإدارة الحالية إحداث أي تغيير إيجابي لإرتباطها منذ سنوات ببعض مراكز النفوذ التي تؤثر في قرار رئاسة الجامعة ، ومن ثم فإن تغيير إدارة الجامعة بالدرجة الأولى في مصلحة تلك القيادات وحماية من سطوة مراكز النفوذ التي ألفت تنفيذ توجيهاتها المخالفة للقانون من قبل هذه القيادات ، كما أنه من الصعب رفض تلك التوجيهات بسبب طبيعة العلاقة التي نشأت بين قيادة الجامعة وتلك الأطراف خلال سنوات وربما عقود ، لذلك فالسعي لتغيير قيادة الجامعة يصب في صالح تلك القيادة ويمثل في نفس الوقت حماية للجامعة من استمرار التجاوزات القانونية والفوضى الإدارية.

إن أعضاء هيئة التدريس والطلاب والإداريين المنضوين في حركة الإحتجاجات الحالية ، تتلخص مطالبهم بشكل واضح في وجود قيادة جامعة تدرك وتحترم قانون الجامعات اليمنية الحالي ، وتسيِّر الجامعة وفق الأصول الأكاديمية والإدراية المتعارف عليها في مختلف جامعات العالم ، فالطالب اليمني من حقه أن يحصل على تعليم متميز يتيح له المنافسة في سوق العمل المحلي أو الدولي ، أما أن نعلم لنخرج أشباه متعلمين بشهادات جامعية أو شهادات دراسات عليا دون المحتوى العلمي الضروري فذلك مالا يقره عاقل.

إن طموح أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم والطلاب والإداريين أن تحتل جامعة صنعاء وبقية الجامعات اليمنية مراتب متقدمة بين جامعات العالم ، أما أن يستمر الحال على ماهو عليه فسوف تستمر الجامعات اليمنية كما هو الحال الآن خارج إطار أي تصيف عالمي.

أخيراً ما يود المحتجون التأكيد عليه أن مطالبهم لاتتركز في تغيير الأشخاص فقط فهم زملاء في كيان الجامعة الوظيفي ، بل ما يوده المحتجون تفعيل النظام والقانون وحماية الأصول والأعراف الأكاديمية ، وإذا لم تتحقق تلك المطالب فسوف تستمر الإحتجاجات في حال تغير الأشخاص ولم تتغير الممارسات المخالفة للقوانيين والأعراف الأكاديمية النافذة.