الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٠١ مساءً

شكرا لـ " الجزيرة ".. ولكن

طارق الحميد
الاربعاء ، ٢٨ مارس ٢٠١٢ الساعة ٠٦:٤٠ مساءً
بالطبع لا بد من قول «شكرا» لقناة «الجزيرة» القطرية، التي أعلنت بالأمس أنها لن تقوم ببث صور التقطها الإرهابي محمد مراح لجرائمه الإرهابية التي ارتكبها بمدينة تولوز الفرنسية، وكان من ضمنها قتل أطفال صغار. لكن الشكر بالطبع ليس بالمطلق، حيث لا بد من وقفة حيال هذا الموضوع، وهو بث صور القتل، وكيفية التعامل الإعلامي مع الإرهاب.

فقناة «الجزيرة» القطرية، بحسب ما نقلت عنها وكالة الأنباء الألمانية، تقول إنها قررت عدم بث مقاطع فيديو للجرائم المرتكبة في هجوم المدرسة اليهودية من قبل الإرهابي محمد مراح في مدينة تولوز الفرنسية، نظرا لأن المقاطع لا تضيف أي معلومات جديدة، كما أنها لا تتماشى مع المعايير الأخلاقية للقناة. والحقيقة هذا أمر غير دقيق!.. وهنا دليل بسيط، فبينما كنت أبحث بموقع «الجزيرة» الإلكتروني عن بيانها الصادر بعدم بث صور إرهابي فرنسا، بعد مطالبة الرئيس الفرنسي المحطات بعدم نشر تلك الصور، وجدت، وبالصدفة، بيانا سابقا لـ«الجزيرة» على موقعها الإلكتروني تحت زاوية «بيانات»، معنون بكلمة «تنويه» ومن دون تاريخ، يقول نصه: «أذاعت (الجزيرة) يوم الخميس الماضي خبرا مصورا عن عمليات إعدام مزعومة في مدينة كربلاء في العراق. وقد تبين لنا أن الصور لم تكن صحيحة، و(الجزيرة) توضح أن الخبر كان غير صحيح، إذ تبين لنا أن الصور التي رافقت الخبر لم تكن لصور إعدامات في كربلاء أو في العراق كله. وتجدر الإشارة إلى أن (الجزيرة) أوقفت إذاعة الخبر بعد بثه مرتين فقط، وبعد أن تبين لها أن الصور مغلوطة. وعليه فقد اقتضى التنويه».. انتهى الاقتباس!

القصة ليست قصة تصيد، كما أنها ليست «المعايير الأخلاقية»، كما يقول بيان «الجزيرة».. القصة هي أن التساهل مع الإرهابيين، وكل مستخدمي العنف، إعلاميا من شأنه أن يؤثر على أمن الناس والأوطان، فلا يمــــــكن لمحطـــــــة تلفزيونية، أو أي وســيلة إعلامية، أن تخدم أهداف الإرهاب، تحت أي مبرر، لأن لذلك تبعات.

أبسط مثال هو التساهل القديم مع العمليات الانتحارية بفلسطين، حتى انتهى بنا الحال إلى وصول العمليات الانتحارية لمدننا العربية، والإسلامية، والأمر نفسه ينطبق على التغطية الإعلامية لإرهاب «القاعدة»، وتحديدا منذ بث عرس ابن أسامة بن لادن بأفغانســــــتان، وحتى أعوام قريبـــــــة. فترويج الإرهاب إعلاميــــــا، وتحت أي مـــبررات، أمر ستكون له آثار مدمرة، ولذا فإن الحرية مسؤولية، والإعلام كذلك مسؤولية.

صحيح أن في الإعلام ضرورات تبيح المحظورات، مثل كشف جرائم نظام ضد شعب أعزل، مثل سوريا، أو كشف جرائم الاحتلال، مثل ما يحدث بحق الفلسطينيين، أو حتى كشف جرائم بعيدة عن أعين العدالة، لكن يجب ألا تصبح وسائل إعلامنا مسرحا للإرهاب والإرهابيين، فلا بد أن يكون للإعلام موقف أخلاقي وإلا لتحول إلى معول هدم.

ولذا نقول لـ«الجزيرة» شكرا، لكن ماذا لو كانت هذه هي سياستها منذ قرابة عشر سنوات؟ بالتأكيد كانت ستتغير أمور كثيرة.