الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٠٨ مساءً

السعودية في اليمن والدور المشبوه..

صالح السندي
الخميس ، ٢٩ مارس ٢٠١٢ الساعة ١٠:٤٠ مساءً
لعبت الأجندة السعودية الخاصة في اليمن و على مدى عقود طويلة ادوارا سلبية ومشبوهه وقوية في عمق السياسة والواقع اليمني المعاصر, والقت بظلالها وتأثيراتها على مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسيه والاقتصادية , وكانت غالبا ضد الإرادة الشعبية و طموحات الشعب اليمني بالتغيير, والبحث عن واقع افضل وحياة كريمة , والمتابع لخط سير الاحداث في اليمن والتأريخ اليمني المعاصر , يجد ان المملكة كان لها اليد الطولى الأولى والمنفذة في إحداث تغييرات جذريه قوية وملموسة في خضم التحولات المعاصرة التي تمر بها الجمهورية اليمنية.

تأريخ العلاقات المتوترة الحذرة بين المملكة واليمن , خولت للأولى صلاحيات وقدرات إستثنائية في رسم السياسات الداخلية والمسيطرة على الجمهورية اليمنية عبر شراء الذمم وصرف الاموال الطائلة وتجنيد شيوخ القبائل والساسه ومراكز صنع القرار خدمة لمطامعها الدائمة في خيرات الوطن ومكتسباته , لن تكون ظروف و ملابسات ترسيم الحدود المصطنعه اولها ولا تعيينات شخصيات بعينها ودمجها في مراكز القرار والنفوذ ومقاليد الحكم آخرها , الجارة الكبرى ابتعلت اليمن سياسيا كما ابتعلتها جغرافيا , والتهمت تأريخها الثقافي والانساني كما سيطرت على موروثها السياسي والشعبي والوطني بطريقة فذة , واصبحت اليمن مرمية ومرتهنه طوعيا في احضان المملكة الام العابثه بمصير الإبنة الصغرى , القابعه تحت طائلة العقاب احيانا , واحيانا اخرى تجود عليها بالفتات , وتحرمها من الانطلاق الى فضاء الحرية والتغيير .

استخدمت المملكة عوامل الحاجة والعوز لدى اليمن لفرض سياسات القهر والحرمان والعقاب الجماعي , خاصه بعد تباين السياسات المنتجة إبان حرب الخليج الثانية وغزو الكويت وموقف اليمن حينها من رفض تدخل القوات الامريكية والأجنبية في الحرب ضد العراق , والدعوه حينها الى الحل سلميا عربيا , وبدا الدور السعودي مكشوفا وفاضحا اكثر من ذي قبل خلال الثورة الشعبية الشبابية التي عانت الأمرين , من تدخلات المملكة وتسلط الاسرة الحاكمة , التي هي اساسا رهن اشارة الاسرة الحاكمة في السعودية وامتدادا لها ويدها المؤثرة في اليمن , واستعانت المملكة خلال حملاتها التآمرية ومخططاتها الإجرامية على الوطن بثالوث الشر المتمثل في الأيادي القبلية الواقعه تحت السيطرة والمال السياسي والأيادي السياسية المتنفذة في عمق السياسة اليمنية , والتي لم تأل جهداً في تنفيذ مشاريع المملكة و تسيير مناهجها السياسية والفكرية , وتهيئة الاجواء المناسبة لتدخل المملكة عبر سفارتها في الشأن الداخلي اليمني , وتجسد التدخل في المبادرة الخليجية وتبعاتها السياسيه من حكومة الوفاق الوطني وتسلسل التغييرات السياسية التآمرية والانتخابات الرئاسية , التي لوثت صورة الوطن وجعلته قطعه من لوحة ممزوجة الالوان , لم ينعتق كليا من سيطرة الجارة الكبرى , وحتى عبر الثورة التي ثار لاجل الحرية والتحرر والتغيير , اذن مالذي تريدة المملكة في اليمن وتهدف الية من حماية النظام الأسري والدفاع المستميت عنه , والحفاظ على رموزة في الحكم ومراكز القرار.

1- اولا الحفاظ على الاتفاقيات المشبوهه التي ابرمت في عهد النظام البائد , و تلافي عدم الطعن في شرعيتها وصحتها مستقبلا في حال قدوم حكومة وطنية مخلصة , وبذا السيطرة الممكنه على اكثر الاراضي اليمنية الواقعه تحت سترة المملكة وفي لواءها .

2- الحد من توسع انتشار ثورات الربيع العربي ورياح التغيير القادمة جنوبا من اليمن والممتدة الى بعض المحافظات الشرقية في المملكة , وخنق الانتفاضات الشعبية قبل ولوجها في الوسط السعودي بما تساهم مستقبلا باسقاط النظام الملكي الحاكم , وبذا الانتشار تباعا في الوسط الخليجي الغارق في الرفاهية وتعكير صفو اجواء الامن والاستقرار.

3- حفاظا على المصالح الامريكية والاستثمارات الاجنبية في اليمن والامعان في نهب خيرات الوطن عبر استثمارات مشبوهه كما حصل في ميناء عدن عبر اتفاقية شركة موانئ دبي وصفقات النفط المشبوهه وغيرها من الاستثمارات التجارية الكبرى التي تلعب المملكة فيها دورا خفيا ومؤثرا وفعالا .
4-الحد من توسع خطر القاعدة وانتشارة شمالا الى المملكة , رغم ان القاعدة عمليا هي سعودية الأصل والمنشأ , ومنها برزت اكثر القيادات القاعدية حيوية وفاعلية في افغانستان واليمن , وتعتبر السعودية المصدر والمغذي الفكري الاول للقاعدة ومنها انتشر الفكر الديني المتطرف والمتشدد الضارب في عمق الامة الاسلامية ووحدة الصف والعقيدة.
5-تصفية حسابات تأريخية قديمة , لما تمتعت به اليمن وعلى مدى عقود وازمان طويله من تأريخ حضاري وامجاد وبطولات اسلامية وحضاره ضاربه في عمق التأريخ البشري , طغت بصورة او باخرى على نجد والحجاز, وفي العصور الوسطي ابان انتشار التجارة العالمية لعبت حينها اليمن دورا بارزا ومركزا رئيسيا في تسيير الرحلات والتجارة والنهضة الثقافية والعمرانية والإسلامية ونشر الاسلام , كانت اليمن موقعا استراتيجيا مهما ومؤثرا في صميم التغيير العالمي , فكان لابد لوقف هذا الجموح الطائر في اعالي البحار , وكبت الطموح المتصاعد في افق الانسانية , لذا انتهجت المملكة ومنذ تأسيسها على اذلال اليمن واستعبادة تحت بند ’’فرق تسد’’ , وكانت نصائح الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود بعبارته التاريخية الشهيره وهو ينصح ابناءة بان’’ خيركم وشركم من اليمن ’’ ترسم فصول سياسة جديدة ومتقدمة و تضع صورة جلية و واضحة المعالم لما ستكون عليه مستقبل العلاقة بين اليمن والمملكة , ويبدو ان الابناء والاحفاد طبقوا هذه القاعدة الذهبيه بحذافيرها وسعوا لخنق اليمن سياسيا واقتصاديا , وإخضاعه تحت رحمة العباءة السعودية والتاج الملكي , وفرض سياسات مجحفة تلبي طموحات المملكة في اليمن.

لم يكن خافيا على احد مدى التدخل السعودي في الشؤون اليمنية , ولعب دور الوصي الاقليمي , فلم يكن للمملكة موقفا ثابتا محددا ومنهجا سياسيا واضحا تجاه السياسه اليمنية , فكان رسم هذه السياسات يتم تغييره تباعا حسب الرؤى والتصورات والمصالح المطروحة والمتغيرات القائمة التي في الأخير تخدم التوجة السعودي في المنطقة , استغلت المملكة توتر الأجواء الأمنية الوطنية والحرب الذي انتهجها النظام السابق ضد الحوثيين في صعدة , فاخترقت واستباحت الأجواء اليمنية لمقاتلاتها الحربية وترسانتها العسكريه المرافقة وقصفت السكان الابرياء العزل , ووقع بسبب تلك الضربات العنيفة سقوط عدد كبير من القتلى والضحايا في مسلسل الخزي والعار للعلاقه بين البلدين الجارين , بل وتوغلت المملكة الى ابعد من هذا في عمق الاراضي اليمنية , واوعزت ببناء جدار فاصل يتماشي مع جدار العزل العنصري الاسرائيلي , ونفذت له الاموال والدراسات والمتخصصين في هذا الشأن.

على غفلة من التأريخ لن يتسامح الإنسان اليمني عن هذه الانتهاكات الصارخة للسيادة الوطنية , وقائمة العار طويلة جدا في الانتهاكات وسوء الجوار والمعاملة السيئة من الجاره الكبرى , ومدى الامتهان بالمواطن اليمني وكرامتة والزج به الى المعتقلات السعودية , وعدد السجناء الذي وصل الى ألآلاف من الضحايا دون محاكمة او تحقيق , واحيانا اخرى تحت وطأة العقاب والتعذيب في سجون المملكة , في ظل غياب الدوله اليمنية ومطالبتها بالتحقيق والافراج الفوري عن هؤلاء السجناء ,وليس ببعيد ضحايا هولوكوست خميس مشيط – التي يصادف وقوعها هذا التأريخ من شهر مارس 2008 - يسطرون معاناة وطن باكملة عن تلك الحادثة البشعة التي لن تكون غائبه عن التأريخ الاسود للعلاقة بين البلدين , والتي تم السكوت عليها واخفائها خلف كواليس المجامله السياسية و مزاعم المصلحة الوطنية العليا , والتي تعتبر بحد ذاتها جريمة يندى لها الجبين الانساني والعربي المسلم , حين يتم احراق مجموعة كبيرة من المهاجرين اليمنيين الفارين من جحيم الاوضاع الى نار المملكة ويتم حرقهم بطريقه بشعه جدا , في غياب المنظمات الحقوقية والانسانية الصادقة لتتبع شؤون المغتربين اليمنيين واحوالهم في الخارج , ولعبت السعودية دورا مشبوها وخطيرا ضد النظام الجمهوري اليمني ابان حرب صيف 94 بسبب ظروف وملابسات مختلفة أدت الى ان تقف السعودية موقفا سلبيا فبدلا من النأي جانبا وعدم التدخل والحيادية, سعت على دعم طرف من الأطراف عسكريا وماليا , وبذا ساهمت بصورة مباشرة في حرب الاخوه الأشقاء , واشعال فتيل نار الوطن واراقة الدم اليمني وزيادة حدة الخلافات بين أبنآء الوطن الواحد نعاني منها جميعا حتى الان .

لعبت المملكة ايضا دورا مشبوها في الاقتصاد الوطني وتسلسل الإمعان في خنق الوطن اقتصاديا ومعيشيا , ففي مسلسل التدخلات المفرط عانى الوطن كثيرا من حدة الصراعات والحروب والانقسام والاختلاف , وكان الدور السعودي حينها يساهم بتأجيج الاوضاع ودعم طرف ضد الآخر , وموقفها من ثورة 26 سبتمبر ودفاعها المستميت عن الملكية بالمال والسلاح , يستمر ليظهر جليا في دعم الاسرة الحاكمة المتنفذة الان مناقضة بذلك الخيارات والإرادة الشعبية بالتغيير , وتحديا سافرا للشعب اليمني وطموحاته , التراكم المزمن للتدخلات المستمرة اعاق عجلة التنمية والتطور , واصاب الاقتصاد الوطني بجمود و انهيارات متلاحقة, لجأ الوطن حينها مرغما الى المملكة لتعويض النقص في مكتسباته الوطنية وعدم قدرتة على العيش الكريم في وطنة , ليستمر مسلسل الذل والامتهان في اراضي المملكة من نظام الكفيل وعدم المعامله الحسنة وفقدان المواطنة المتكافئة .

ووقفت المملكة حجرا عثرة -بعد انهيار مجلس التعاون العربي- عن عدم انضمام اليمن الى مجلس التعاون الخليجي بحكم موقعة الجغرافي والتأريخي في الجزيرة العربية وضمن النسيج الخليجي المتكامل والممتد الى بحر العرب جنوبا , وبذا خلقت عزلة تأريخية وسياسيه واقتصادية للوطن اليمني , وبذا اصبح محصورا جغرافيا و اسيرا للمملكة وتحت رحمتها وامرتها , وبدلا عن ذلك توجهت السعودية ودول الخليج شمالا للبحث عن شريك من المغرب و الاردن وكلاهما نظامين ملكيين متجاهلة بذلك الجارة الصغرى , وموجهة بذلك صفعة قوية لحسن الجوار و للنظام اليمني المتعثر في عباءة المملكة وقيادتها , ومترجمة النوايا المستقبلية تجاه اليمن من التهميش والاقصاء.

إذن التأريخ الدرامي المأساوي الطويل بين البلدين الجارين لن ينته او يتوقف عند حدود الزمان والجغرافيا , بل ربما سيطول ويطول كثيرا الى ابعد من كونهما نظامين متناقضين ظاهريا , اذا لم تحسن اليمن اختيار قيادات حكيمة ومستقلة ترعى حرمة الارض والتراب الوطني , وتحافظ على كرامة الانسان اليمني من الارتهان للجوار والخارج ,و تحافظ على مكتسبات الوطن واستقلاله وكامل سيادته على اراضية وسياساته , ستهوى اليمن الى هاوية الارتهان والانهيار الحتمي والفشل السياسي الكلي , اذا لم تكن هناك ارادات حرة قوية ومستقلة تنهض بالوطن وتعيد له امجادة وتأريخة العظيم, وتمضي به قدما الى ركب التطور والازدهار .