الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٢٩ مساءً

حياك الله ... أنت منهوب !

د . أشرف الكبسي
السبت ، ٣١ مارس ٢٠١٢ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
في اليمن فقط وليس في غيرها يمكن أن تعيش حالة دراماتيكية ومتناقضة كهذه ، عندما يستوقفك حاجز أمني لتفتيش سيارتك بحثاً عن سلاح شخصي أو ما شابه ، تتخطى الحاجز وأنت تشعر بالأمان لحضور الدولة وأجهزتها الأمنية ، ولكن وبعيد مئات الأمتار فقط يبدأ ذلك الشعور بالتلاشي حين يعترضك عدد من المسلحين القبليين ، يتوجهون إليك بطلب هويتك الشخصية ، ولسوء حظك العاثر فإنها تشير إلى انتمائك – المفترض- إلى منطقة أو قبيلة تكون هي بعينها المستهدفة من ذلك (القطاع) ، يطالبك أولئك الرجال بتسليمهم سيارتك ، قائلين وبنبرة قبلية لا تخلو من شهامة: حياك الله... أنت منهوب !

لا تجدي نفعاً كل جهودك ومهاراتك التفاوضية لإقناعهم بالتراجع عن القرار القبلي الصادر ظلماً وعدواناً بحقك ، تنهار مستسلماً للأمر الواقع ، وتبدأ بالركض عائداً نحو حاجز التفتيش العسكري مستنجداً ومطالباً بالقبض على الجناة ، فيرمقك الجند بنظرات الازدراء الممزوج بشيء من الشفقة واللامبالاة ، ثم يواصلون بصمت تفتيش السيارات من السلاح ...!

بعد أن تصيبك خيبة أمل بحجم الوطن ، تجد نفسك مطرقاً رأسك إلى نافذة إحدى الشاحنات العائدة باتجاه المدينة ، مذهولاً تتساءل في صمت: أين هي الدولة وهيبتها ، أين الحكومة ومسؤولياتها ، أليس من حق المواطن البسيط أن يحظى بالأمن والعدل ، وهل هذه هي الدولة المدنية الحديثة التي كنا ومازلنا ننشدها !

تواصل علامات الاستفهام غزو رأسك الحائر: ألسنا بلد الإيمان والحكمة ؟ ألسنا نعتز بشهامة وشجاعة القبيلة ورفضها للحيف ومسارعتها إلى نجدة الملهوف عدى عن امتيازها بالكرم وحسن الضيافة ؟ وإذا كان الحال كذلك فكيف تسمح القبيلة لنفسها بأن تتحول إلى قاطع للطريق وناهب للممتلكات ، بحجة استعادة الحقوق ؟ وإذا سلمنا جدلاً بغياب الدولة والقانون ، وسيادة منطق قوة القبيلة ، فهل من مقتضيات الشجاعة أن يتربص أولئك (المسلحون) وفي ديارهم بعابر سبيل أعزل مسالم ، حتى وإن كان ألد الخصوم..!!

تعود بك الذاكرة سنوات إلى الوراء ، إلى ذلك اليوم الذي وهبت فيه كل مدخراتك من مال وممتلكات – حتى مجوهرات زوجتك- لقاء شراء قطعة أرض صغيرة ، علك تبني عليها بيت احلامك المتواضع ، وما هي إلا ايام قلائل حتى أقدمت مجموعة من المسلحين (القبليين) على اغتصاب ارضك (البسط عليها) ، لم تسعفك حينها نيابة ولا قضاء، لتذهب احلامك ادراج الرياح ، ولسان حال عصابات ناهبي الأراضي يقول لك : حياك الله ... أنت منهوب !

بعد أن ضاقت أرض أبائك بك وبأحلامك ، قررت السفر والاغتراب في دولة خليجية شقيقة ، عل عطار الغربة يصلح ما أفسده دهر الوطن ، ولكن وبعد سنوات من الكد والعناء ، هاهو (الكفيل) يتنكر لك ولحقوقك ، بل ويقتادك إلى الشرطة بتهمة انتمائك إلى مذهب ديني غير مرخص ، ليتم إذلالك وترحيلك مكبلاً حافي القدمين ، ولسان حالهم يقول : حياك الله يابويمن... أنت منهوب!

تقترب بك رحلة العودة من منزلك المظلم ، فأبراج الكهرباء قد تعرضت مجدداً لقصف مسلحين (قبليين) ، ترى على جدران الحي أثار باهتة لكلمات (ارحل ، الشعب يريد اسقاط النظام ، ...) ، تتسارع إلى مخيلتك صور شهداء جمعة الكرامة ، وهتافات الشباب الثورية ، فتتساءل مجدداً : إذا كانت الثورة قد نجحت فعلاً، فلماذا علت اصوات الساسة وخياراتهم على صوت الشعب وإرادته ، ولماذا توارى الشباب وآمالهم وتقدمت الأحزاب ورجالاتهم ، وأخيراً ... هل سلمت ثورتنا بحق الوصاية للأشقاء والأصدقاء على بلد المؤمنين والحكماء ؟

يرمقك بعض المارة بنظرات تتهمك بالجنون حينما تتساءل وبصوت عال هذه المرة: إذا كانت الثورة قد نجحت فمن سيعيد لي سيارتي المنهوبة ، وأرضي المنهوبة ، وحياتي المنهوبة ، ومواطنتي المنهوبة ؟

ختاماً ...ترتسم على محياك ابتسامة حزينة وماكرة، وكأنك قد وجدت عزاءً لنفسك ، فتتمتم وبصوت خافت : حياك الله يا وطني ... أنت أيضاً منهوب !!