الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:١٢ مساءً

عاصمة الخيام

منى صفوان
الجمعة ، ١٣ ابريل ٢٠١٢ الساعة ٠٦:٤٠ مساءً
"القوي سيدهس الضعيف" هذا هاجس المرحلة، غير أن شيئاً ما يحدث يرجح ما هو غير مرجح، فالثورة نفسها كانت غير متوقعة.

إن التفتنا إلى قوة النظام لوجدناه يفتت نفسه، وبيده يتخلص من بقاياه، ولا يحتاج لأي تيار خارج النظام أن يهتم بهذا الموضوع "فالآلة تدمر نفسها".

الصراع بين أجنحة النظام، اشتعل منذ سنوات، وأخرج شطراً من القبيلة لتقود المعارضة في العام 2006. ثم قسم الجيش، مع بدء الحرب في صعدة، وشكل قوة ردع، أضيف هذا المشهد الدرامي بعد ذلك إلى رصيد الثورة، فاستفادت الثورة الشعبية من رصيد النظام بانضمام مراكز القوى، والآن بقدرتهم على تقليم أظافر النظام وإنهاء سيطرته.

الضغط الشعبي أصبح وتداً في الخيمة السياسية، بعد الثورة، لذا فإن أول تغيير سياسي كان يستهدف هذا الضغط، وجاءت الانتخابات لإعطاء الشرعية الشعبية للجزء المنشق من النظام، شرعية يستطيع بها الجزء المنشق القضاء على الجزء الخاص بعلي عبد الله صالح، فتنتهي مرحلة من تاريخ الصراع السياسي، كلفت اليمنيين ثمنا باهظاً، لكن يستمر العراك بين القوى المسيطرة وقوى جديدة، وهذا يعني تغيير خارطة الصراع السياسي .

حداثيون... ! كلا .. حوثييون
خلال هذا الوقت البلد في حالة انهيار اقتصادي، يعيش بلا دولة، لكن الساحة برغم ذلك مستمرة في إفراز قوى جديدة، فالصراع هو الشيء الوحيد المتجدد في اليمن.

واستمرار اهتمام اليمنيين بالصراع يعني مزيدا من الإرهاق الاقتصادي لهم، لقد انهار اقتصاد الناس، وبقيت رؤوس الأموال دون تأثر، وهذا دليل على خلل اقتصادي قاتل يحتاج لإعادة صياغة النفوذ السياسي، وتوازن القوى الجديدة. هذا يعني أن الساحة الآن مؤهلة تماماً لاستقبال قوى سياسية جديدة.

الكل كان ينتظر الحداثيين، كأن يعلن حزب من ساحة الثورة، أو حركة سياسية مدنية، لكن المفاجأة كانت أن "الحوثيين". مجموعة منظمة استطاعت أن تنال الاعتراف بأهمية تواجدها في الخارطة الوطنية، سواء بالرفض أو القبول، فمجرد الهجوم على الحوثيين هو اعتراف بتواجدهم وتأثيرهم، لقد شارك الجميع في تدشين تحول الحوثيين إلى حركة سياسية. وهم يتعلمون الآن فن الخطاب الإعلامي والسياسي.

ففكرة المجتمع المدني، تحتاج إلى توازن القوى السياسية، وليس العسكرية، والمجتمع الديمقراطي، مجتمع حاضن للأحزاب والحركات السياسية، والحوثيون المبتدئون، يتعلمون الدرس المدني بطريقتهم، ويدفعون ثمن هذا التحول.

فالقوى الأخرى " كالإسلاميين" تراهم بعين المتربص، لكنهم يفرضون أنفسهم مع الوقت، كجزء من لعبة التوازنات السياسية.

الحوثيون لفترة طويلة كانوا خارج دائرة الضغط السياسي، وربما ظلموا سياسيا، مثلهم مثل قوى أخرى كالحداثيين.

لكنهم استفادوا من الخارطة التي يمثلونها، وأوجدوا لأنفسهم قوة، في حين لا توجد قوة حداثية موحدة، لدرجة يصعب القول فيه إن هناك مجتمعاً حداثياً في البلد التقليدي.

قد يوجد أفراد لكنهم خارج دائرة التأثير السياسي، والأصوات المبعثرة لا تقول شيئاً.

وفي أبجديات المنافسة السياسية، إن لم يستطع القوي إزالة الخصم المحتمل الذي يأخذ نفوذاً جديداً، فإنه يسعى بعد ذلك للتحالف معه، فمن المتوقع بعد سنوات، إن استطاع الحوثيون التحول إلى حركة سياسية ناضجة، ومتوازنة، قد تتحالف معها القوى المؤثرة وقتها.

والأهم أن السنوات المقبلة قد تشهد تحولاً في الخارطة السياسية اليمنية، تخرج اليمن من دائرة الصراع العسكري، في حال تحول كل القوى السياسية إلى حركات سياسية مدنية، هذا يعني أن الوعي المدني سيشكله أناس لم يكن الرهان عليهم.

وقد تعقد تحالفات سياسية غير متوقعة، فليس في السياسة أصدقاء أو أعداء، فمن كان يتوقع أن يكون الإصلاح والاشتراكي في مربع سياسي واحد.

هذه التحالفات إن حدثت ستوفر بيئة سياسية للنهوض، وتشعل المنافسة الحضارية، وستعيد لليمن اسمه.

لا توجد قوى غير تقليدية
ببساطة، اليمن يحتاج أن يتحول من مجتمع " تقليدي" إلى مجتمع غير تقليدي. ولن يفعل ذلك إلا القوى السياسية الموجودة على الأرض، أما غير المرئيين فسيبقون غير مرئيين. وطبعاً لا توجد قوى تقليدية وأخرى غير تقليدية، فاليمن لحد الآن جله تقليدي.

في الأرض توجد قوى تفرض نفسها، كالإسلاميين والحوثيين، لكن هناك تيار الشباب غير المنتمي أيديولوجيا، ولكنه أصبح يثق بنفسه ككيان مستقل، فإما أن يتم استيعابه في القوى الموجودة في طريق تحولها المدني، أو يجد الشباب داعماً سياسياً للبقاء كقوة مستقلة.

وفي الأرض تشتعل الخيام بالمواجهات، فضريبة التحول المدني مكلفة، ولا يدفع قيمتها إلا من يؤسسونها. والنار توقد فكرة وتشعل موقفاً، وتجعل التراجع مستحيلاً. والكل سيحتاج بعد فترة أن يتكيف مع الآخر ويقبله، وعندها سيكون في اليمن فكر سياسي مختلف عما رسخه النظام، فالنظام هو من أسس لفكرة هجوم طرف على آخر، وكان ضد التعايش السياسي.

هذه القوى بمختلف توجهها شرقاً وغرباً، هي وحدها المكلفة بتحويل اليمن إلى مجتمع مدني، لأنها تدفع التكلفة من دمائها الحرة، أما من يقبع خارج الدائرة فلا يعول عليه.