الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٣٢ صباحاً

وداعاً للمجاهد بن بلة...

د . محمد حسين النظاري
السبت ، ١٤ ابريل ٢٠١٢ الساعة ٠٢:٣٣ صباحاً
ودعنا كما الجزائريين ومعهم جميع احرار العالم المجاهد الكبير احمد بن عبد المجيد بن بلة، أول رئيس للجزائر الحرة المستقلة، الجزائر التي نفضت عنها وحل الاحتلال الفرنسي، بفضل المجاهدين الجزائريين الذين طردوا الغاصب الفرنسي الى غير رجعة.

عندما نقول وداعا لبن بن بلة، فإننا نودع الجبل الذي ظل شامخاً فخوراً بدينه معتزاً بعروبته مناضلاً من اجل تحرير بلاده، مستوعباً محيطها المغاربي وارتباطها بأفريقيا، وقضاياهما العادلة ضد قوى الهيمنة الامبريالية والديكتاتورية، وقوى استعباد البشرية.

لقد كان لأصيل مدينة مغنية - غرب مدينة وهران بالغربي الجزائري- دور فعال في استقلال الجزائر، فقد سجن مرات عديدة في معتقلات المحتل الفرنسي ليقاسي ما يقاسيه بقية الجزائريين، ولم يزده ذلك -كما هم - إلا اصراراً على اخراج الغاصب من ارض ظل جاثماً عليها 132 عاماً، ذاق خلالها الجزائريون ألواناً شتى من العذاب الجسدي والمعنوي، حتى صادر الفرنسيون حرية العبادة، والتعليم، والمواطنة الحسنة، والانكى من ذلك انهم راحوا ينهبون خيرات الجزائر الكبيرة، ويسوقوها الى فرنسا، فيما يحرم الجزائريون من خيرات بلادهم.

في 15 سبتمبر 1963 انتخب بن بلة -يرحمه الله- كأول رئيس للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، ورغم الفترة القصيرة التي ظل فيها رئيساً، والتي استمرت حتى 19 يونيو 1965، حين تسلم الراحل هواري بو مدين رئاسة البلاد، عوضاً عنه، ورغم اعتقاله لسنوات إلا انه بقي وفياً لبلاده معتزاً بها يفاخر بها اينما ذهب وأرتحل، مؤمناً بقضية تطور الديمقراطية فيها، وهذا ما دعاه الى تأسيس الحركة الديمقراطية بالجزائر، ومارس من خلالها العديد من الانشطة التي ابقته حاضراً في المشهد السياسي حتى غيبه الموت عنا في 11 ابريل 2012، عن عمر ناهز 96 عاماً، كانت خالصة في خدمة الجزائر والعرب والأفارقة.

المجاهد بن بلة-يرحمه الله- لم يكن سياساً فقط بل كان كاتباً، فله العديد من المؤلفات منها: (خطاب التوجيه 1984م ،حديث معرفي شامل 1987م-حول الاسلام والنظام العالمي الجديد 1989م، -أي دور للإسلام في ولادة العالم الجديد 1989م،-الاسلام والثورة الجزائرية 1989م نسل ملعون 1989م، -حوار الشمال –جنوب 1994م حول الاقتصاد الحر 1994م -أي علم لدول الجنوب تعاون أم تصادم 1994م)، كما كان مداوماً -يرحمه الله- على تلاوة القرآن الكريم حتى انه قال: "لم يكن سواه رفيقي في كل الفترات التي قضيتها في السجون، إنه القرآن الكريم" وقيل انه اتم حفظه في تلك الأثناء، ليضرب لنا اروع مثل في الارتباط بالقرآن عند الشدائد والمحن، وليلغي الصورة النمطية للرئيس العربي الكامن حول الكرسي فقط.

لقد فُجع الجزائريون بنبأ وفاته، بالرغم من تقدمه في العمر لإيقانهم انه كان تاريخاً يتحرك من حولهم، فقد ظل يرحمه الله حتى آخر ايام حياته حاضراً في احتفالات الجزائر بأعياد استقلالها، وان كان رحل عنها قبل ان يشارك في اهمها على الإطلاق، إنه العيد الذهبي بمرور 50 عام على الاستقلال، ولكن سيبقى الغائب الحاضر في وجدان الأمة، كيف لا وجل الجزائريين لم يعايشوه حاكماً، إلا انهم فقدوا المجاهد الذي ساهم في تحرير بلدهم.

رحم الله بن بلة، فقد ذرفت الدموع عليه، لأنه من الرؤساء القلائل الذين تركوا تاريخاً حافلاً بالعطاء، ومشرفاً لأحرار العالم التوّاقين لبناء الانسان وتعمير الأوطان، والاهتمام بالعلم، فرغم ما عاناه لم يقل يوما انه قد ظُلم، وهكذا شيم العمالقة من فرسان العالم، وهو منهم، ولو لم يكن عربياً ومسلماً وجزائرياً، لبكى عليه العالم الذي يسمي نفسه متحضراً، والذي يعامل الناس على دياناتهم وجنسياتهم، لا على ما قدموه لشعوبهم وللبشرية، وان نسوك فإنك ستبقى موجوداً في قلب كل حر شريف.

رحم الله بن بلة، فقد كانت جنازته مهيبة كتاريخه، ومن الله علينا في الجزائر يومها وقبلها بأمطار غزيرة دلالة خير على قدر ومنزلة الرجل، ولم تحل الامطار بين أن يشارك الناس في الطرقات رئيسهم الاول، ويلقون عليه النظرة الأخيرة، وهو يجول الشوارع وخلفه جموع المشيعين يتقدمهم رفيق دربه المجاهد عبد العزيز بو تفليقة.

عكست برقية التعزية التي بعث بها الرئيس عبد ربه منصور هادي -رئيس الجمهورية- إلى الرئيس عبدالعزيز بو تفليقة رئيس الجمهورية الجزائرية ومن خلاله للحكومة والشعب الجزائري، احساس الشعب اليمني بمصاب اخوتهم بالجزائر، كما مثلّت مشاركة الاستاذ جمال عوض ناصر -سعادة سفير اليمن بالجزائر- في مراسم التشييع مشاركة كل اليمنيين في توديع زعيم عربي كبير بحجم المجاهد احمد بن بلة يرحمه الله.

وداعاً يا من سكنت قلوب الأحرار، يا من قاومت الاستعمار، يا من ترفعت على آلامك، يا من صنعت تاريخاً مشرقاً ومشرفاً ليس للجزائريين فحسب، ولكن للمغاربة والعرب والأفارقة، ومعهم كل من يقدس الحرية، ويكره الجبروت، فنم هنيئاً قرير العين، ونسأل الله العلي القدير ان يتغمدك بواسع رحمته وان يجعل مثواك الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وان يلهم اهلك ومحبيك والجزائريين والعرب والمسلمين الصبر والسلوان.. انا لله وإنا اليه راجعون.. وعاش العرب احراراً كما أرادهم بن بلة.