الثلاثاء ، ١٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٢٠ صباحاً

كيف يمكن إنقاذ الثورة ؟

اسكندر شاهر
الأحد ، ١٥ ابريل ٢٠١٢ الساعة ٠١:٣٤ صباحاً
سؤال فلسفي و مشروع كينونة يؤرق بالي منذ وقت طويل زادت وتيرته مع تخرجي بكلية الفلسفة والإلهيات / اللاهوت بالمصطلح الغربي ، وحصولي من بيروت على درجة الماجستير في مسألة وحدة الوجود قبل سنوات .. كيف يمكن أن نُسهم في تثقيف الشارع اليمني والعربي إذ يحضر السؤال حول الوعي والوجود .. الجهل والفناء .. ولماذا نبقى رهناً للأفكار الوافدة ؟! ..

الثقافة لاتزال حكراً على النخبة هذا أمر عادي قياساً بالنظر إلى أن نسبة الأمية في بلادنا مخيفة ومستوى الوعي مُرعب .. وبموازاة ذلك فإن احتكار الثقافة لا يقل خطورة عن ارتفاع نسبة الأمية ، فأمية المثقف أصعب من أمية البسطاء ..
دوماً كنت أجد أن الثقافة والثورة صنوان ، على أن المسألة كانت في معظمها افتراضية لاسيما وان انقلاب 26 سبتمبر 1962م جثم على صدورنا ، ولم نحقق شيئاً من الأهداف الستة بل حققناها بأرقام سلبية ومستويات صفرية ، وعندما قامت ثورة 11 فبراير الشبابية الشعبية السلمية من مسقط الرأس مدينة "تعز" التي رسمت في جدار الحياة لوناً جديداً وفجرت طاقات وإبداعات شباب اليمن ، ولفتت الأنظار إلى شعبنا بصورة مختلفة عن الماضي نساءًا ورجالاً وأطفالاً وشيوخاً .. أدركتُ أن الثقافة والثورة صنوان حقاً .. وتذكرت في الوقت ذاته كم هُضم الحراك الجنوبي السلمي الذي سبق الجميع ولم تمنحه الأقدار (مواطن بوعزيزي) شهير محظوظ بالموت أكثر من حظه بالحياة ولم تمنحه الأقدار قائداً واحداً مُحنكاً ..

المشكلة التي أفرزتها الثورة الشبابية اليمنية في عامها الأول ومع بلوغنا العام الثاني هو أن الثورة شبابية شعبية فعلاً لكنّ الثقافة ظلت حكراً على النخبة التي لا تستشعر مسؤوليتها .. بعضها يعيش وسط أبراج عاجية والبعض الآخر يخدم مصالح أطراف لا علاقة لها لا بالثورة ولا بالثقافة ولا بالوطن .. فكانت الانتكاسة هو أن الثورة انفصلت عن الثقافة على المستوى الشعبي وحتى النخبة لم تعش الثقافة والثورة في آن معاً بطريقة إيجابية ..

هذه إحدى الهموم الكبرى التي قرأتها من تجربة العام الماضي من الثورة ، وبعد أن قرّرتُ – شخصياً- أنّ كل قصور كان مردّه ثقافي جاءت فرصة المشروع الثقافي المؤجل فكان إشهار (المجمع الوطني للصحوة والتنوير) في 11 فبراير 2012م ، أي في الذكرى الأولى للثورة لندشن عاماً ثورياً جديداً نحاول فيه أن نكرس ثقافة ثورية لبلوغ ثورة ثقافية .. أو لنجعل من الثقافة شعبية ووطنية ، وأن لا تبقى حكراً على نُخب ضالة .. هكذا لتمضي الثقافة في خط مواز للثورة التي هي شعبية فعلاً والتي نتوقع أن تطول مديداً .. ولا شك أن "المجمع" لن يضطلع بهذه المسؤولية واحداً وحيداً ، ولكنه بمثابة إشعال شرارة يعول عليها لفت الأنظار إلى حقيقة المأزق ومكمن الخلل ليعمل الكثير ومعاً في هذا الاتجاه .. فاليد الواحدة لا تصفق ..

التجربة في بلد كاليمن ليست هيّنة ليس لأن الشباب والشارع لا يتقبل الأفكار الجديدة والمشاريع الجدّية بل لأن بعض نخبنا مع الأسف تظن أن العمل المؤسسي هو لعبة فتح دكاكين وتظن أن أحداً من النخب لا يمكنه في أحسن الأحوال إلا أن يفتح دكاناً سياسياً أو ثقافياً أو حقوقياً ويبتاع ويشتري فيه ومنه وعلى حساب شعب وثورة .. حاضر ومستقبل أمة ..

وهذا ما أعبر عنه دوماً بـ (الأزمة الأخلاقية) كأحد أهم وأخطر مخرجات نظام علي عبد الله صالح الأحمر ..

منذ وقت طويل نؤكد على أن القصور السياسي والفشل الإجرائي الذي صاحب يوميات الثورة اليمنية و أوصلنا إلى الوضع الراهن بكل تعقيداته وأعبائه ومخاطره المتوقعة مرده قصور ثقافي بالرغم مما أكسبت الثورة شارعها من ارتفاع نسبي في مستوى الوعي إلا أن آلة تزييف الوعي كانت قوية لأن الثورة المضادة تقف وراءها قوى عظمى .. وسنبقى نؤكد هذه الحقيقة مهما تجاهلها من نسوا الله فأنساهم أنفسهم ..

إن عقلية الاستئثار الثوري أسوأ من الاستئثار السياسي وأي تفكير من هذا النوع - وهو حاصل فعلاً - من خلال تعدد الدكاكين الثورية وعدم القبول بتوسعة فضائها ولملمة شتاتها يؤكد ما نذهب إليه من أهمية الثقافة الثورية وضرورة تعميمها لتصبح شعبية ونتخلص من ربقة هذه النخب الوصائية التي تريد لنا أن ننسى الثورة وننشغل بمتوالية هندسية من المعارضات الهزيلة ..

إيماءة ...
إن لم تفهم النخب الضالة المُضلة والمضلّلة الآن هذه الحقيقة ومن يقف وراءها فإن المستقبل هو فقط لـ (جبهة المقاومة) التي ستتشكل بلا ريب إذا ما استمر بعضهم في غيّهم يعمهون ، وهذه الجبهة نريدها عريضة لا نحيفة وواسعة لا ضيقة وممتلئة لا فارغة و شعبية لا نخبوية بقيادات شابة وخلاقة تماماً كالثورة التي انطلقت شبابية والثقافة التي نسعى لأن تصبح ملكاً للشعب .. لا حكراً على عُشّاق السفارات ، فالاستعمار ليس هيمنة سياسية واقتصادية فقط وإنما تسلط ثقافي وحضاري يهدف إلى إنتاج سدنة وعبيد لطمس الهوية والثقافة الوطنية وخلخلتها من الداخل وهذا أساس كل هيمنة أخرى .. فهل ندرك اليوم أسبقية العمل الثقافي على العمل السياسي وأهمية الثقافة الثورية لإنقاذ الثورة حتى بلوغ أهدافها ... ؟! .