الثلاثاء ، ١٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٣٠ صباحاً

ثورة وليست أزمة ..!

حبيب العزي
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
منذ اندلاع الثورة اليمنية المباركة ، ونزول الشباب إلى ساحات وميادين التغيير قبل ما يقرب من ثلاثة أشهر ، ونظام صالح " فاقد الشرعية " يحاول جاهداً التعاطي مع الثورة وكأنها أزمة عابرة ، بل ويستميت في إقناع نفسه وإقناع العالم من حوله بأنها مجرد أزمة سياسية أو حركة احتجاج شبابية ذات طابع مطلبي لا غير، وبالتالي فإن حلها - من وجهة نظره - يجب إن يكون سياسياً من خلال الحوار والمبادرات .

ومما يُؤسف له حقيقة أن النظام " فاقد الشرعية " يبدوا وكأنه نجح في إقناع أمراء الخليج - الذين تأخروا كثيراً في مبادرتهم أصلاً – بتفصيل مبادرة تتناسب ومقاسه ، وبالشكل الذي يريده هو ، متجاهلين بذلك المطلب الأساسي للشعب والمتمثل في إسقاط النظام والرحيل الفوري للرئيس وأبناءه وأقاربه ، بل ومحاكمتهم أيضاً ، وهذا يعني أن الإخوة قادة مجلس التعاون الخليجي قد وقعوا – بقصد منهم أو بدون قصد – في فخ الرئيس صالح ، وتعاملوا فعلاً مع الوضع في اليمن على أنه أزمة سياسية بين طرفين سلطة ومعارضة ، بل وشرعوا في توجيه دعوات للطرفين للذهاب إلى الرياض للبحث عن حلول للأزمة هناك ، وهذا – برأيي - خطأ جوهري قد نسف المبادرة من أساسها ، بل وأفقدها قيمتها .

أرى أن أي مبادرة – أكانت خليجية أو غير خليجية – لا تنطلق من مبدأ أن ما يجري في اليمن هو " ثورة شعب " حقيقية وبكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى ، وليست "أزمة سياسية " كما يشتهي الرئيس صالح ونظامه ، فإن هذه المبادرة ستجهض حتماً قبل ولادتها ، وستقابل بالرفض المطلق من قبل جماهير الشعب ، لأنها ببساطة لم تستوعب - أو أنها لا تريد استيعاب - ما يجري في اليمن على أنه ثورة شعب يجب على العالم دعمها والتعاطي معها على هذا الأساس ، وسيبدو كل من يحاول طرح مثل تلك المبادرات - أمام الشعب - وكأنه منحاز إلى صف الرئيس ونظامه ، وبالتالي سيفقد الثقة والمصداقية "كمبادر" للحل يفترض أنه جاء فعلاً لمساعدة الشعب اليمني ويتحتم عليه الوقوف مع مطالبه المشروعة .

إن المبادرة الخليجية في صيغتها الأخيرة لم تقدم – بتقديري - أي دعم للشباب في ساحات التغيير المختلفة ، ولم تلبي الحد الأدنى من طموحاته في التغيير، وكذا نداءاته المتكررة في كل يوم والمطالبة برحيل الرئيس وإسقاط نظامه ، بل على العكس من ذلك هي قدمت كل الضمانات اللازمة لحمايته ونظامه من الملاحقات القانونية ، الأمر الذي شجعه وبلاطجة نظامه على التمادي في سفك مزيد من دماء الأبرياء ، كما شجعته على المزيد من المراوغة المعروفة عنه كسباً للوقت ، ثم إنها منحته الوقت الكافي للبحث عن اساليب جديدة أقل ما يقال عنها أنها رخيصة ودنيئة ، بغرض مواجهة الشباب المعتصمين في الساحات ، ظناً منه أنها ستساعده في إطالة أمد بقائه في كرسي السلطة ، والإفلات من العقاب والملاحقة ، من تلك الأساليب - على سبيل المثال - حديثه عن الاختلاط في ساحات التغيير ، الأمر الذي يُعد قذفاً صريحاً منه لنساء وحرائر وثائرات اليمن ، وكذلك تجنيده لأنصاره في بث الشائعات الكاذبة والمضللة في أوساط البسطاء والسذج من الناس ، ثم محاولاته الحثيثة واليائسة لشق صفوف الثوار وتفريقهم في الساحات من خلال إرسال بلاطجة نظامه إلى الساحات للعمل كجواسيس ترصد تحركات الشباب وتحاول بث الشائعات التي " يتوهم " أنها ستضعف من عزائم الثوار .. وغيرها من الأساليب التي يفضحها الشباب قبل أن تبدأ .

ومن أغرب وأعجب الأوراق التي استخدمها صالح ونظامه فيما عُرف بـ " الثورة المضادة " لثورة الشباب ، والتي عكست مدى السخف والاستخفاف بعقول البسطاء من الناس هي استخدامه ورقة الوظائف التي أعطى توجيهاته للخدمة المدنية بإنزالها في الجرائد الرسمية والتي وصلت إلى " 60.000 " ستون ألف درجة وظيفية ، في الوقت الذي كان لا يستطيع الحصول عليها إلا المقربون وأبناء أصحاب النفوذ داخل النظام الفاسد ، وهنا كان يجب على المواطن البسيط أن يطرح على نفسه سؤالاً بسيطاً وساذجاً وهو : لماذا يا تُرى نزلت كل هذه الوظائف دفعة واحدة في هذا التوقيت بالذات ؟! ولماذا لم تنزل مثلاً في العام الماضي أو الذي قبله ؟! خصوصاً وكلنا يعلم أن هناك طلبات توظيف تقدم بها أصحابها للخدمة المدنية منذ أعوام سحيقة ولم تلق أي استجابة ! ، ثم ضمن أي خطة أو آلية منطقية "هطلت" كل هذه الوظائف هكذا فجأة ، أليست الوظائف " في كل بلاد الله" تأتي وفق آلية ومنهجية قائمة على الدراسة العلمية والتخطيط السليم ، الموائم بين مخرجات التعليم ومتطلبات التنمية في أي مجتمع !

نبئوني بربكم .. أليست كل هذه التساؤلات بريئة وساذجة ، يجب أن يسألها لنفسه كل من فرح "وزغرد " لمجرد رؤية اسمه قد نزل حبراً على ورق في هذه الصحيفة الرسمية أو تلك ، وخُيل إليه أنه قد أصبح موظف دولة محترم " لابس بدلة رسمي وكرفته " من العيار الثقيل ، ونسي أنه بدون " صبوح " من وطأة " الحِراف " الملازم له كظله .

وحتى لو كانت تلك الوظائف حقيقية وصحيحة ، ألم يكن حرياً بهذا المواطن أو ذاك أن يتسم بقدر بسيط من الوعي والذكاء الفطري ليدرك من تلقاء نفسه بأن الوظائف ليست "شوالات" زلط ، أو هبات يمنحها صالح لمن يشاء في الوقت الذي يشاء ، وأن نزولها بهذا التوقيت لا يعدوا عن كونها ورقة خاسرة يضحك بها على البسطاء والسذج من الناس ، ظناً منه أنها ستجعل بعض الشباب يغادرون الساحات .. ولكن هيهات .

كاتب – ومستشار للتحرير بمجلة المرأة والتنمية الصادرة عن الاتحاد النسائي العربي واتحاد نساء اليمن