الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٢٢ مساءً

الإرهاب بين القمة والقاعدة .!

د . أشرف الكبسي
الاثنين ، ١٦ ابريل ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٥٠ صباحاً
إذا كان البعض يعتقد أن قاعدة الإرهاب والتطرف في العالم الإسلامي فإن قمته قطعاً في العالم الغربي ، فنشوء القاعدة ومثيلاتها ، كان نتاجاً لتطرف آخر مقابل مارسته وتمارسه قوى (القمة) والاستكبار والتسلط ، من خلال سياساتها القائمة على تركيع الشعوب واستبدادها ، واستغلال ثرواتها وحتى ثوراتها ، سياسات قسمت العالم إلى غالبية من الصغار وقلة من الكبار، وحتى يظل الصغار صغاراً والكبار كباراً ، تركزت الثروة والقوة والقرار في أيادي الكبار، فلهم حق الفيتو، ولهم حلف النيتو... وفي عالم متطرف كهذا قمته الاحتيال والاحتلال كان لابد أن يتضاءل في قاعدته كل اعتدال..!

ولما كان الدين المشوه يضيق صدره بكل شيء حوله حتى بنفسه – على خلاف الدين الحق الذي يتسع صدره لكل شيء حوله حتى مخالفيه - بدأت حلقات التطرف الجهادي تضيق شيئاً فشيئا ، ولاسيما في ظل عدم قدرته على توجيه ضرباته نحو الأهداف الأصلية القوية والبعيدة، فخلق لنفسه اهدافاً ممكنة جديدة ، كبديل هش يشن عليها جهاده المقدس ، فكنا نحن وإياكم ضمن هذه الأهداف ، وهكذا ألفينا انفسنا بين مطرقة (القاعدة) وإرهابها وسندان (القمة) واستكبارها.!

واليوم ونحن نحلق على بساط رياح الأمل في التغيير والحرية ، ونتلمس طريقنا في حدائق الربيع العربي ، هاهو الإرهاب والتطرف يفسد علينا أمالنا مجدداً ، وهاهي السياسات الامريكية تقول لنا (بلسان الحال) : سندعم الربيع على أن نحصد الخريف ، مما يتطلب صحوتنا من احلام اليقظة ، والتخلي عن سخف خلافاتنا المذهبية والطائفية والحزبية ، وبدلاً عن التكرار اللاواعي لما رددته ومارسته الأنظمة المخلوعة الفاسدة ، علينا أن نقف بجدية وموضوعية أمام حقيقة ومضامين توجهاتنا الوطنية وشراكتنا الدولية في ما يسمى بالحرب على الإرهاب... فإذا كنا نرفض القاعدة وإرهابها ، فإننا بالمقابل نرفض ارهاب من يرهبنا بإرهابها ممارساً هيمنته وتسلطه علينا !

نحن وبلا شك ندين إرهاب وتطرف القاعدة ، لكننا ايضاً وبنفس القدر- بل وأكثر- ندين إرهاب إسرائيل (العنصري) في فلسطين ، وتطرف أمريكا وشركاؤها في افغانستان والعراق ... وكما اسمعنا اصواتنا الرافضة لظلم واستبداد انظمة الحكم القمعية ، علينا أيضاً أن نرفع صوتنا عالياً رفضاً للظلم والاستبداد العالمي ، وليعلم (شركائنا) أن عليهم الكف عن ممارسة ارهابهم كشرط اساسي لاستمرار شراكتنا معهم..!

وإذا كان البعض قد تقبل واقع تقسيم العالم إلى صغار وكبار ، فإننا قطعاً نرفض تصنيف دماء وأرواح البشر إلى متقدمة ونامية ، فمن حيث المبدأ الإنساني الحر، لا يتوجب أن يكون هناك فرق في إدانة المجتمع الدولي ومؤسساته لعمل ارهابي نتج عنه سقوط مواطن امريكي في نيويورك أو مواطن يمني في ابين أو صعدة ..!

شعار الحرب على الإرهاب يجب أن لا يعني بحال الامتثال والخضوع المذل لسياسات الهيمنة الغربية والأمريكية ، وشراكتنا فيها لا تعني مطلقاً أن تستباح ارضنا والسماء ، وتنتهك سيادتنا الوطنية بلا استحياء، كما لا يعني قبولنا الدعم والتمويل المالي والعسكري أن نصبح جميعاً وفي مقدمتنا جيشنا الوطني ادوات (مرتزقة) تخوض حرباً بالنيابة ، حرباً عبثية لا نهاية لها كما هو الحال في تجربة وسيناريو العم سام في دول عدة كالعراق وأفغانستان وباكستان ...!

وإذا كنا اليوم نحارب تلك الجماعات الاسلامية تحت مبرر تطرفها ، فإنه حريا بنا أن لا نتطرف بالمقابل ، فنصبح – بلا وعي- نسخة مغايرة متطرفة تحارب التطرف ، فإذا كانت ابين – على سبيل المثال- قد سقطت تحت سيطرة القاعدة ، فهذا لا يعني مطلقاً أن كل ما عليها من انسان وحجر وشجر صار هدفا مشروعاً للقصف والدمار ...

علينا جميعاً أن ندرك أن التطرف يفرغ أي قضية من محتواها حتى وإن كانت عادلة ، وأن معادلة التعايش السلمي الجمعي على هذا الوطن تقوم على مبدأ اعتراف الجميع بحق الجميع في المواطنة المتساوية والعيش العادل والكريم ، وليكن نبذ العنف ومحاربة الإرهاب والتطرف نابع من قيمنا الإنسانية وقناعاتنا الفكرية وإرادتنا الوطنية الحرة ، عندها فقط سننتصر في حربنا على التطرف والإرهاب سواءً جاءنا من القريب أو البعيد ، من القمة أو القاعدة ..!