الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٥٢ مساءً

بنت اليمن في أبوظبي

أحمد إبراهيم
الثلاثاء ، ١٧ ابريل ٢٠١٢ الساعة ٠١:١٠ صباحاً
بنت اليمن ليس فقط اتذكر يومها الأول معي لانني كنت يومذاك إبن السابعة، بل ايضا –وأوّلا- لانه كانت بجوار سبعيني كهل صارم كان يترقبني بعيون حاذقة من وراء نظارته السوداء كلما فكرتُ يومذاك مداعبتها بنت اليمن، اوملاطفتها بشفايفي، او حتى مغازلتها بكلماتي .. وما أن لاحظها العجوز نواجذي كادت تلامسها بنت اليمن خلسة، إقترب من آذاني هامسا، وهو يخفي عن الملأ إبتسامة صفراء: "بعدك صغير يا إبنى، لاتتسرّع، إنها قد تضرّ فحولتك في شبابك..!" (إنتهى كلام العجوز).

وعلمتني الحياة فيما بعد يكون فيه ذلك العجوز قد دُفن وتحلّلت عظامه في التراب، إذ علمتُ في أواخر العقد الثاني من عمري ولم اكن متزوجا بعد، عندما إلتقيت ببنت اليمن مرة أخرى وانا في الثامنة والعشرين من عمري، بأنها لم تكن تترصد لي انا فقط منذ السابعة من عمري، ولم تكن لوحدها تترصد الرجال وإنما معها أختاها التوأمتان (بنت الشفه وبنت الحان)، وهن ثلاث بنات التوابل يترصدن الذكور في المجتمع قبل الإناث، يستعبدنهم من الطفولة للكهولة، يتحايلن عليهم بأسماء مستعارة، وإكتشفت الاسم الحقيقي لبنت الشفه هو (الكلمة) التي تنجبها الشفتان منذ النطق ولن نتركها قبل ان يُقبض الروح، وبنت الحان المنكر هى (الخمرة) وعاقروها في الحانات، ولها أخوات من الرضاعة (كا السيجارة والشيشة وأخواتها)، لايفارقوها مدمنوها قبل ان يفارقوا الحياة.

اما بنت اليمن بينهنّ، فهى أنجح بنات التوابل في جلب الرجال نحوها، والاحتفاظ بشملهم حولها، بدءا من محافل الأفراح الى سرادقات المآتم والعزاء، وتلكم البنت المدلّلة التي قيل عنها الكثير، قيل عنها اخيرا انها كانت هنا في أبوظبي، وحولها الخليجيون واليمنيون غير مختلفين على إبقاء بنت اليمن في الإستقبال، والواجهة والوسط وكما في المقدمة وفي مسك الختام..!

اليوم أعلنت اليمن قبول المبادرة الخليجيية، قبل يومين كان قد هلّل اليمنيون والخليجيون على رشفات من بنت اليمن (القهوة العربية) للمبادرة الخليجية في أبوظبي كما قبلها بأيام في الرياض، مؤكدين ان الجرح العربي لايُضمّده الا الجرّاح العربي، ويندمل ذلك الجرح بالمرهم العربي، كما ان الخمول والكسل والتباطؤ العربي تُنشّطه القهوة العربية (بنت اليمن).

إن وجدنا الرياض وأبوظبي تقفان بفناجين الرثاء خوفا على الصنعاء وعدن على مائدة خليجية يمنية، ولم نجد كرملين بموسكو تتباهى او تتباكى على صنعاء وعدن بترنيمة الشيوعية الإشتراكية القديمة في زجاجات الويسكي والشامبين، فليس ذلك لان الشيوعية إفتقدت بريقها كأكسير الحياة فتُحبّذ اليوم موسكو الصمت على الحديث، وإنما ايضا الصمت ضروري لموسكو وللمعسكر الشيوعي اينما وجد فلوله، خوفا من لوحات (إرحل) في شوارعها على أمتداد موسكو الى شيشان، إرحل لا للفقر والمجاعة، إرحل لا للماركسية والشيوعية والإشتراكية العظمى، إرحلوا عن قصور موسكو، كما رحل من رحل قبلكم من كرملين بسقوط تمثال لينين، ومن ألمانيا بإسقاط جدار كرملين.

صنعاءُ يا حبيبتي، يا وليدة بنت اليمن وهديتها لكل العواصم العربية، لاموسكو وباريس ولندن، ولا فرانفكورت ونيويورك وغيرها من العواصم الأجنبية واقفةٌ لك بضمّادات بنت الحان من الويسكي والشامبيان، وعواصم تبكيك اليوم بحرارة هى التي لك ببنت اليمن من الرياض عاصمة خادم الحرمين، وبالقهوة الإمارتية من أبوظبي دار أبو الإتحاد زايد المرحوم الذي كان الذي كان احد فرسان الوحدة اليمنية في حياته، فترنّمت لك عاصمته اليوم بعد مماته، الوحدة اليمنية المرجوة بين شطريها كانت حُلم زايد قبل ثلاثين عاما، وكأنه كان قد ترنّم بها المرحوم على رشفات من القهوة الإماراتية التي كان يحتسيها بين أبوظبي وسدّ مأرب، آملا في قهوة نحتسيها في صنعاء، فتأتينا نكهتها من عدن، وهذا ما حصل عندما سقط البرلين اليمني الشمالي والجنوبي في اليمن الشقيقة.

الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الذي رحّب بالمبادرة الخليجية بتلكؤ، لو كان يأمل في قرارة نفسه من عواصم أجنبية وغربية غير هذه المبادرة .. فإنها ستكون بعيدة كل البعد عن المائدة المستديرة للقهوة الخليجية اليمنية، فإن الحلول غير العربية التي قد تصله في صناديق جميلة لو قرأها بعناية، لأكتشف انهم أعطوه صندوقا لامعا برّاقا لايختلف في إناقته عن صندوق بابا نويل للأطفال لما فتحوه وجدوه خاليا، وإنه لو عاد وفتحه ذلك الصندوق امام الشعب اليمني ووجدوه خاليا يكون قد فاته الأوان، وإن أراد بعد ذلك ان يعود الى الصندوق الخليجي الذي كان قد غُلّف له في أبوظبي على مائدة القهوة العربية يكون ايضا قد فاته الأوان.