الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٣٩ مساءً

الصحافه الصفراء والخطوط الحمراء ..

صالح السندي
السبت ، ٢١ ابريل ٢٠١٢ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
إنتشرت في اليمن في الآونة الأخيرة ومع إنتشار الشبكة العنكبوتية وكثرة إستخدامها في مختلف نواحي الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة , الصحافه الصفراء , تلك الصحافه الالكترونية والمطبوعة التى تسعى جاهدة الى قلب الحقائق واثارة الفضائح والجرائم والسعي لنشر الفتنه كما يحلو لها ولمتنفذيها والقائمين عليها , وفي غثاء السيل قلّما تجد الصحافة الحرة النزيهه الصادقة التي تتحلى بالمصداقية والموضوعية في طرح الاخبار والمقالات والأراء بما يتناسب مع الاوضاع الراهنه التي تمر بها اليمن , وبما تخدم التوجهات الوطنية والشعبية للرقي بالوطن ورفعته والاسهام الفعّال في حل جميع قضاياة وازماتة المتعددة , ولعبت الصحافة اليمنية بشقيها الالكتروني والمطبوع والموال والمعارض , ادوارا متباينه ومتناقضة خلال الثورة الشبابية الشعبية , وفي مختلف المراحل التي تمر بها اليمن من مختلف الازمات وصنوف التدهور والانقسام والصراعات المتأجّجه في مختلف المناطق سواءً السياسية منها او الطائفية او الدينية.

وفي حقيقة الأمر لعبت الصحافة الصفراء الدور السلبي في تأجيج الصراعات وزيادة حدة الانقسامات والإختلافات بين ابناء الوطن الواحد , فحينما يكون الخبر -على سبيل الحصر لا التعميم- صغيرا او خاليا من الأهمية والتأثير تروّج لها الصحف المحسوبة سواء على احزاب معينة او توجهات فكرية و دينية لتجعل منها في وقت قياسي العناوين الرئيسية للاخبار وتصب الزيت على النار, فتخرج من عباءة هذه الصحافة مختلف التيارات الفكرية والدينية والسياسية , وسلاحها الوحيد القاتل هو المادة الاعلامية والرواج الاخباري للضرب على وتر العنصرية والمذهبية وتحريك اراء الجمهور والشارع بما يتوافق واطماع اسياد ومالكي الصحافه لخدمة توجهات معينة وفرض اجنده خاصة , وبعيدا عن التسميات والمسمّيات لهذه السلة المهملة من الصحافة الصفراء البالية , نجدها معروفة للقاصي والداني , فمجرد قراءة موقع الكتروني معين او تصفح صحيفة معينة يتبادر للذهن من الوهلة الاولى ومع قراءة السطور الاولى في اي واد وعالم اعلامي انت تغوص , افتقدت الصحافه اليمنية عموما الى الاهداف الوطنية العليا والغايات النبيلة التي تخدم التوجهات الشعبية وتجعل سقف الوطن هو الاساس للنشر والتثقيف والتعامل مع المواد الاخبارية ونشر محتواها الاعلامي وتحليلها حسب ما يخدم امن وسلامة الوطن ونموة واستقرارة.

السلاح الاعلامي الفعّال المرئي والمسموع والمقروء لعب دورا محوريا وفاصلا في تناقض المسيرة الوطنية وتخبطها بين مختلف التيارات والاحزاب والتوجهات , وعاني الوطن والمواطن الأمرّين من هذا التراوح الاعلامي بين الحقيقة واللاحقيقة وبين المصداقية والتزييف , ودفع الوطن اليمني من اقصاه الى اقصاة ثمنا باهظا من وحدته وسلامة اراضية نظرا للمتاجرة بالمبادئ , وعدم طرح الموضوعات الهامة والشائكة بمصداقية ودون تزييف او تزوير او تحيز , فلم تكن الخطوط الحمراء ولا الصفراء ولا الزرقاء وطنية بامتياز هي الرادع الاعلامي لمختلف المواقع الالكترونية الرسمية والشعبية , بل حسب توجهات اصحاب المال والنفوذ والسيطرة , وشراء الاقلام والذمم والمتاجره بالمبادئ والقيم والثوابت , فلم يكن الوطن وقداسته يوما ما خطاً أحمراً امام اكثر المواقع الصحفية الالكترونية والمطبوعة ,لكي تقف اكثر الاقلام والمواد الاخبارية والاعلامية عند حدود الثوابت الوطنية و وحدة الصف وسلامة الوطن , وبث روح الوحدة والانسجام بدلا من بث روح الفرقة والاختلاف والتناحر الفكري والمذهبي والسياسي بين ابناء الوطن الواحد , وبدا ذلك جليا خلال اندلاع الثورة الشبابية الشعبية , كيف لعبت الصحافه اليمنية الرسمية والشعبية في الاغلب ادوارا هابطة مشبوهه من التمترس خلف الرسالة والأمانة الاعلامية بلا مسؤولية وطنية ولا رادع ووزاع اخلاقي أو ديني , والسعي في جرّ الوطن الى حافة الهاوية والانهيار , ووصلت الامور باليمن الى ماهي عليه الان من التهاوي والانحدار في مستنقع و وحل التآمر والتدخل الاجنبي, وفشلت الثورة الشعبية فشلا ذريعا في إحقاق العدالة الثورية وتحقيق الاهداف العليا , والتهبت مناطق الصراع في ابين والمحافظات الجنوبية الشرقية وارحب وصعدة وحجة , بفعل السحر الاعلامي و وباء مرض طاعون العصر السياسي المتملق من الافتراء والكذب الممنهج ضد الجماهير اليمنية , وهنا لا يجد المواطن اليمني حيلة له او بداً من المتابعه بحيرة لما ستؤول الية الاحوال الوطنية الملتهبة تحت قدر السياسة ووقودها ونارها الصحافه الالكترونية والمطبوعة.

الأمانة الاعلامية في النشر والتحقيق والتحليل تفتقدها اكثر المواقع الالكترونية الاخبارية اليمنية , رغم النهضة الاعلامية والادبية الرائدة و الكبيرة التي انتجتها الثورة الشبابية , وثورات الربيع العربي , ساهمت مع انتشار الانترنت وتكنلوجيا العصر في افراز وإنتاج المواهب والابداعات الأدبية والفكرية والقصصية بدرجة كبيرة , أثرت الساحة الاعلامية والوطنية بنخبة من الشباب لعبوا دورا هاما في التعبير عن الارءا اليمنية بمتخلف توجهاتها واطيافها , ولكن الجانب السلبي والخفي الذي لا يكاد يراة الاغلبية ان اكثر هذه الاقلام الحرة والفتية وان كانت صادقة ووطنية في الطرح والموضوعية تنجر دون شعور الى حبال الفتنة وتبحر في بحر الاعلام الظلامي الخفي لقوى الشر واباطرة الاعلام , الذين يديرون اللعبة بدهاء ومن وراء ستار ومن خلف الكواليس , ولا تكاد تراهم ولكنك تشعر بادوارهم الخفية وتأثيراتهم الكبيرة على سير العجلة الوطنية للتغيير , وصرنا دون شعور ضحايا الاعلام وحسن النوايا , ونبحر مع التيار الاعلامي والسياسي المتجاذب دون شعور , وهناك على حافة اول منعطف قد ينكسر المركب الاعلامي وتغرق السفينة الاعلامية الوطنية بكل اقلامها وارآءها واحرارها ومفكريها دون شعور وتغرق معها اليمن الى عالم المجهول , اذا لم تتلافها الايادي الامينة الصادقة الحرة , والاقلام الوطنية التوعوية الجسورة , فلو كلُ أدّى المسؤولية بكل أمانة واقتدار , وسعى الى نشر الحقائق الاعلامية كماهي دون رتوش او تزوير ودون تحويل او تلوين يخدم التوجة السياسي المتقلب , لوجدت الوطن اليمني الان ينعم في رخاء واستقرار وامان.

ومن تحت عباءة هذه الصحافه الصفراء وما اكثرها في اليمن , انطلقت في فضاء اليمن فضائيات اعلامية خاصة امتداداً لهذه الصحافة المترنحة تحت طائلة المال الحرام المنقادة بواسطة مافيا الاعلام و تجار المبادئ وتدور في فلك العصبة الحاكمة ورؤوس الفساد واصحاب المصالح الضيقة , وصار المواطن اليمني أسيرا و محصورا بين الفضاء الاعلامي جوا والصحافة الصفراء ارضا , تائة بين تقلبات الحقيقة وتلونها واختلاف تقاسيمها , وحين كان لا بد من الاعتذار الطويل والمتكرر للشعب اليمني عن هذه الهالة الاعلامية الزائفة التي تبنت انعدام الضمير والإنحلال المهني والإعلامي , عن الكذب المتكرر والزج بالوطن في اتون نار مستعرة عبر اسطوانة مشروخة من الادعاءات الاعلامية الزائفه والمتكررة , فحين يصور النعيم بانه الجحيم وحين يصور الجحيم بانه الجنه , يصبح المواطن تائها غير مدركا ومستوعبا للحقيقة , حتى وان ناله الجهد الكبير في البحث عنها , فالاعتذار الاعلامي لا ينتج الا عن مصداقية عالية , وان حدث سهوا او خطأ ما فمعالجته بالاعتذار الرسمي والنشر على صفحات المواقع تلك او الصحف دليلا قاطعا على مصداقية الصحيفه او الموقع , ناهيك عن التمادي في مسلسل الكذب والافتراءات ,
وصنع اصناما جديده وانتصارات وهمية زائفة , والتغني بقرارات واوامر رئاسية لم تنفذ على ارض الواقع ولم تبصر النور بعد , بل والتحدث عن الانجازات العظيمة لحكومة الوفاق من التغييرات والتحولات في ميزان مراكز القوى , هو ما يعتبر في حد ذاته نصرا اكيدا لاصحاب النفوذ والسلطة على حساب معاناة المواطنين والعامة , فالمواطن هو الخاسر الاكبر والوحيد في دوامة الاعلام وتفاعلات الصحافة , ولم يتوقف هذا التلاعب الاعلامي بالحوادث والاخبار عند حدود ترجمة هذه الوقائع لصالح فئات او تيارات معينة , بل تم الذهاب الى اكثر من ذلك من البطش الاعلامي المستفحل والادعاء بالملكية الفكرية والاعلامية والاحتفاظ بالمصدر, المجهول غالبا , توّجت الى حرب اعلامية خفية واحيانا ظاهرية , وصارت الصحافة اليمنية ساحة حرب اعلامية هوجاء , سلاحها الاقلام المأجورة , ووقودها المال الحرام , تخدم افكارا وتوجهات معينه , ساهمت في اطالة عمر النظام وتمادية والاستمرار في مسلسل العناد والتغطرس , على حساب الوطن وتقدمة وازدهارة , ولأن الخطوط الحمراء لتلك الصحف والمواقع غير وطنية , تجدها تنشر ما يحلو لأصحاب الشأن وأولي الأمر و ماتملية المصالح الضيقة تضع الوطن فوق صفيح ساخن من الصراعات والازمات التي لا تنتهي , تفتقد الى بعد النظر والتطلع الى المستقبل بروية وحكمة , والكفّ عن المتاجرة الصحفية والأدبية , والالتفاف الى القضايا الوطنية والعربية والاسلامية بروح حيادية عالية وايجابية كبيرة , فتحجم اكثر المواقع عن الحديث عن وحدة الصف والوطن , ويقف معه الانسان حائرا امام مفترق الطرق , فلا يتم نشر الا ما يسعى للفرقة والاختلاف والتنازع الفكري والسياسي , في حدودة الادبية الغير مشروعة , خارج اطار النقد البناء والحوار الجاد المثمر , فحرية الرأي والرأي الآخر تكاد تكون مفقودة او متلاشية تماما في قاموس الصحافة اليمنية الصفراء , ولن تسمو لخدمة الوطن بقدر ما تسعى الى الاستمرار والحفاظ على توجة الداعم الرئيسي والممول الاول لمسيرتها الاعلامية , وحيث ان الصحافه اليمنية غزيرة وثرية بمختلف الصحف والمواقع المختلفة والعديدة , فحين تكون وجهات نظر معينة ضد احزاب اللقاء المشترك مثلا ستجد من ينشرها عن طيب خاطر, وحين تكون افكارا انفصالية بحتة ستجد من يساعد على الانفصال وبكل سرور وينشرتلك الأرآء دون تردد , وحتى وان وجدت اوهاما تعشق الماضي وحماة الشرعية الزائفة ممثلة بالرئيس السابق ونظامة ستجد لها ارضا خصبة ومرتعا شاسعا تحرث فيه وتسقي وتزرع كما يحلو لها, فلا حدود ولا خطوط حمراء وطنية خالصة تحول دون انتشارها وتوسعها , وان كانت افكارا اصولية من دعاة التكفير والتظليل والفتنة ستجدلها آذنا صاغية وابوابا مفتوحة تسرح وتمرح فيها وتروج لها دون رقيب او حسيب , اما ان كانت آرآءاً وطنية خالصة تدعو لوحدة الصف فستجد جميع الابواب -الا فيما ندر- مغلقة في وجهها , اذا لم نتلافي هذا المشكلة المتفاقمة جميعا بوعي وثبات وقوة إدراك , سيتستمر المسلسل الاعلامي يلعب ادوارا مشبوهة وخانقة في التظليل وبث روح الفرقة والاختلاف بين ابناء اليمن والوطن الواحد , اذا لم نواجة الصحافه الصفراء بحزم ومسؤولية , واتباع مبدأ الثواب والعقاب والتقيد بالقوانين الاعلامية والصحفية والمؤسسية , في النشر والاعلام وتوخي الحقيقة , وترجمت آمال وألآم المواطنين الى حقيقة مقروءة واقعية , ونشر مبادئ التلاحم والتآخي بين ابناء الوطن , والمساهمة في اثراء الساحة الادبية والصحفية والثقافية اليمنية من مناهل العلوم والمعرفة بمصداقية عالية, سنتوقع فيما دون ذلك الظلام والسوداوية الإعلامية التي ستجر اليمن الى المجهول ..