الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٥٣ صباحاً

الحرية بين السيادة والإنعتاق

مجاهد الشميري
الأحد ، ٢٢ ابريل ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٤٠ مساءً
ماهي الحرية ؟ وهل هناك أسباب تؤدي إلى سيادتها أو موتها لا قدر الله ؟

لا مناص من التساؤل ، مهما بدا العالم مثقلاً ومكتظ باليقين ، وبأسئلة الشك (( فالتساؤل هو تقوى الفكر )) على مايبين هايدغر ، وهو فاتحة الكشف عما تحجبه القوة من حقائق وتساؤلات وكل تساؤل ينطوي على نقد ،وكل نقد شك في ما يسأل فيه ،وما يطوق بعلامات الاستفهام ،إن الفضيحة التي يمارسها النقد ضرورية للتيقن مما تخفيه الحرية وما تتستر عليه . فالتكلم عن الحرية ضرورية بنسبة أكبر لأنها تضع الكلمات البريئة في قفص الاتهام ، وأصحابها في مربع التعذيب أو القتل .

ففي رحاب الحرية تتأسس حقيقة نهضة الشعوب وتنمو الكلمات والظواهر ويصعب على النقد أن ينجو بسهولة من سطوته وسحره , فهي تنزع عن عقلية الحاكم مسألة أن الشعوب تكون كائناً متلقياً , موالياً , فلا تبقى من إرادة الحاكم في هذه الحالة سوى ما تمنحه له الغريزة من مفاهيم جديدة , وما تمنح له روحه وهواه ومصلحته العليا ...

فالحرية كلمة تحمل رسالة سامية تدوي في سماء الأفق البعيد لنشق بها القيود المعلقة حول الرقاب.

والحرية بدورها تحتاج إلى عزيمة وإصرار يضمن ويحفظ لها سيادتها ويؤمن لها سيرورة بقائها واستمرارها أطول أمد ممكن,والبحث عنها فيه انتصار للشعوب في ميدان التغيير وللكرامة في ميدان الاخلاق,ولمبدأ لا توريث الخاصة بأسرة حاكمة,وللديمقراطية في ميادين الحياة السياسية.

والحرية بمعناها الواسع وأفكارها تشكل ما يشبه بلادا شاسعة متنوعة الى ما لانهاية,ومجزأة الى عدد كبير من المناطق,فهي فضاء يتسع لكل نقاش وحوار لذلك تجدها في كل نص ممتلى بالشغف...

وتبتدئ الرغبة في نيل الحرية من فكرة حب الوطن,وحين يسعى أصحابها الى حملها على محمل الجد والاصرار فإنهم بذلك يجعلونها تصبح عاملاً مكوناًًً فعالاً في مجتمع ما,فالصورة التي أثارتها ولا تزال تثيرها تحتمل شكل ولون وفهم كطريقة تقدم كنمط سلمي,ثم لم تلبث بأن تخرج بريئة لم تمسهأ يد سوء لأنها تقوم بكشف الحقيقة من دون مواربة أو خداع,وتتوسل كل كلام جذاب لتهيمن وتسود وتتسلط,كما أنها تدعوا الحكام أو من هم في الطبقات العليا إلى لإيمان بقيمها وشعائرها,وهي ترفض أن يظن المرء أن يتمكن ذات يوم من ممارسة فعل السيطرة على الأفراد أو الجماعات , وكلما كانت الحرية مثالية أكثر كان لها تأثير أكبر , لذلك فهي تحتاج أن تنتصر إلى نية خالصة , وقوة صافية , ووعي ثقافي , وقناعات جماعية ...

وهي تثير في النفوس صوراً مجيدة رائعة قوية يزيد من قوتها السحرية قوى كامنة تبعث في نفوس حامليها الشعور بحياة مليئة بالسعادة والإرادة والأمل على تحقيق كل ما يصبو إليه الفرد والمجتمع , ولا تزال الحرية تحلق الآن في سماء منخفض أما أطيافها فتمكث في ما يحب المرء ويرغب فيه , وقوة الكلمات كما يبين ( غوستاف لوبون ) مرتبطة بالصور التي تثيرها , والكلمات التي يصعب تحديد معانيا بشكل دقيق هي التي تمتلك أحيانا أكبر قدرة على التأثير والفعل. فمثلاً الكلمات التالية :ديمقراطية – مساواة- حرية- عدالة الخ... فمعاينها من الغموض بحيث نحتاج إلى مجلدات ضخمة لشرحها.ومع ذلك فالحرية تمتلك قوة سحرية بالفعل, كما لو أنها تحتوي على حل لكل المشاكل, إنها بكلمة الفضاء الذي يسبح العالم الجديد في داخله من دون أن يتنفس بعد...

وهناك أسباب قد تؤدي إلى موت الحرية ليس موتاً حقيقياً بل سميه شبه حقيقي تعاني فيه السكرات لأن الحرية لا تفنى إلا بإرادة الله الذي يقول للشيء كن فيكون منها: أنها تندثر بدفء الاختصام الأبدي بين الحاكم والمحكوم,وبين أهواء البشر المتنازعة المتقلبة كل حين بين الدولة والأحزاب والمجتمع وكافة شرائحه. والحاكم أو صاحب السلطة ينتهي به الأمر ضعيفاً أمام أي خط من خطوط الحرية,وغريزة حب البقاء تزول أمام الحرية,والباحث عن الحرية يمكنه بسهولة أن يصبح جلادا, ولكن يمكنه بنفس السهولة أن يصبح ضحية وشهيدا..

فالمحكومين يبحثون عن الحرية لنيل العيش والعمل والكرامة والعدل واحترام الحقوق والدفاع عنها في وطن يحمي إنسانية الإنسان ويصون له حريته..

وقفة قلم:-

أيتها الحرية...
هل ستشعرين بالحب تجاه الحياة في ثوبها الجديد ؟
الحياة في جمالها المتدفق
أم أنك تفضلين عليها السلاسل والقيود
وتلك السعادة الكاذبة تحت وطأة الظلم
وذلك السلام الخفي الكائن في الاستسلام
ترى ... ماذا تحبين ؟
أيتها الحرية ...
لقد ولدت وأنت متمتعة بجمال لا تخطئه العين
وقوة فائقة ساعدتك على الشفاء بسرعة
فقد ولدت بعملية قيصرية
لكن ماذا سيتولد منك غداً ؟
هل ستتولد قيود جديدة
لتحيط بيدك
التي لم تشف بعد من جروح الماضي ؟

( جان ماري أديافي )