الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٤٠ مساءً

التصدع المؤتمري ورحلة السقوط من الداخل

وليد تاج الدين
الاثنين ، ٢٣ ابريل ٢٠١٢ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
المؤتمر حزب كبير امتلك قاعدة لا يستهان بها واستطاع على مدى ثلاثة عقود ان يسخر كل مقدرات الدولة لصالح بنيته التنظيمية ولم يعد من المقلق لقيادته حينها وجود أي حزب آخر مهما كانت شعبيته حيث لن يكون هناك اي تكافؤ بينهما وكانت هناك مطالبات بتخلي الحاكم عن تلك المقدرات التي يرتكز عليها حزبه وكرسي حكمه الا انه كان اكثر تمسكا بها وتخليه عنها كان بمثابة المغامرة التي لن تكون إلا الطريق نحو النهاية بسبب عدم وجود أي مقومات أخرى بديله يمكن للحزب الاستناد عليها.

اليوم ورغم بقاء كل رموز الحزب وبنيته التي لم تنهار أسوة بحزب التجمع الدستوري في تونس أو الحزب الوطني في مصر إلا أن المؤتمر بدأ بالتصدع من الداخل وبدأت الانقسامات والاتهامات, الحزب الذي عسكر سياساته وجمع لرموزه ما لا يمكن جمعه من مناصب سياسية ومدنية وعسكرية وقبلية ودبلوماسية أحيانا إلى جانب الشغل بالتجارة والنفط والسياحة وهلم جرا مما جعل من الحزب وجهه للمتسلقين الذين كان عليهم أن يقدموا مقابل كل هذه الامتيازات إن أرادوا فعلا التمتع بها.

ولم تشهد أي من جوانب التنمية ذات الاهتمام الذي حظيت به بنية الحزب حيث تم العمل على استقطاب من لهم تأثير في المجتمع عبر أسلوبي الترغيب والترهيب وتم التنازل عن أمور كثيرة مقابل الولاء كخيار أساسي يضمن الأمان للوبي الحكم, وكان من السخف أن يتم التقدم بشكاوى أو بلاغات ضد القوى الموالية سواء كانت قبيلة او جماعة أو حتى أشخاص ولم يكن من خيار أمام الحاكم سوى الإغداق بمزيد من العطايا لتجنب توجه تلك القوى إلى غير قبلته التي يفرضها كخيار مُلح لا مناص منه ولم يكن أمامه سوى المال العام كوسيلة رئيسية لتحقيق هذا الغرض وكان هذا مما ساهم بشكل كبير في تنامي واتساع الفجوة بين طبقات المجتمع فبينما يموت الناس جوعا كانت بعض القوى تزداد ثراءً غير مبررا ويصل حد الفحش.

الحزب كان يصور الدولة أنها جزء منه والحزب هو علي عبد الله صالح وفي داخل الحزب تم ضم المشيخة والعسكرة والمنصب وشُكّل من إجمالي هذه الخلطة السحرية رمز الحصان وجعله راكبا على كل شيء ويحتوي كل شيء ومن ليس في صفوفه فهو من المغضوب عليهم.

نتيجة هذه التراكيب الغير متجانسة والبنية الغير متماسكة التي لم تنظم هيكلية واضحة وفصل بين الصلاحيات والمهام إذ كان الاعتماد على رأس الهرم في كل شيء لم يستطيع الحزب الوقوف أمام المتغيرات التي أطاحت برأس الحزب من كرسي الحكم وسحبت من يديه قدر كبير من الصلاحيات التي كانت سببا في تسمين هذا الحزب وتفخيمه خاصة أن جميعنا يدرك أن المؤتمر لو لم يكن حاكما ولم يكن معتمدا على مال الشعب ومناصب الدولة لما وصل إلى ذاك القدر من التماسك حيث أمكن له توجيه إرادة الشعب وتزييفها عبر منظومة أخطبوطية من المال والسلطة والقبيلة والسلاح.

لم يستطع بعض منظرو الحزب وأبواقه أن يتصوروا أنفسهم يوما بدون تلك المقدرات التي سخرت لهم التحكم بكل ما هو ممكن والتبجح على الخصوم والتحدي السافر لإرادة الشعب عبر محاولة تأصيل مفاهيم التوريث العلني دون أي حرج.

فلا غرابة إن شكك البعض من المؤتمريين الكبار بأمين عام حزبهم هادي الذي لا زال محسوبا على الحزب وممسكا برأس السلطة فهو في ضدهم طالما انه لم يعد يسمع لصالح وينفذ أوامره العسكرية الفورية ولا غرابة أن يتهم وزير الدفاع المحسوب على المؤتمر والقادم من أروقته بالعمل لصالح المشترك واتهام الراعي وغيره, ولم يصل الأمر إلى هذا الحد فحسب فهناك انقسامات داخل أسرة صالح التي تعد الحلقة المتبقية من نسيج هرم الحزب فما بين مؤيد لقرارات هادي وما بين معارض وما بين مضطرب بين الأمرين.

فلا معتدلو المؤتمر يمكن وصفهم بالمصلحون كونهم لم يحدثوا أي تغيير طيلة بقائهم بالحزب فقد كانوا مجرد تابع لا ينفذ سوى ما يراد منه ولا أسلمهم حزبهم من كيل الاتهامات وبالتالي فإن ملامح السقوط عندما تبدأ من الداخل تكون اشد فتكا وأكثر تأثيرا إلى جانب جفاف منابع طالما كانت أساسية بالنسبة للحزب فالمال العام لم يعد في يديه بشكل كامل كما لم تعد السلطة ومناصبها هبة في حقيبته كما كان وبالتالي فلم يعد في الحزب ما يغري ضعاف النفوس والمتسلقين لمعاودة الالتصاق بعباءته والتضحية لأجله فقد تركوه ولم يبقى إلا من دخلوه لأسباب لا تتعلق بالمصالح أو من يتوقعوا أنهم لن يجدوا لهم قبولا في أماكن أخرى نتيجة تاريخهم الملطخ ورصيدهم من الخزي في أوساط الناس.

السقوط من الداخل هو ضريبة للتسلط الفردي والاستئثار بكل شيء وعدم وضع حاجة الناس الجمعية في الاعتبار والتعامل مع الأمور كلعبة يجب كسبها بكل الوسائل وان كانت التحايل والخداع وإظهار الأمور على غير حقيقتها والتعاطي مع واقع افتراضي يرسمه المستفيدون ويصورون ما يتماشى مع مصالحهم وتجاهل حقيقة ما يجري وما يعانيه الناس.

وفي الأخير لم يعد من سبيل أمام الإخوة في المؤتمر إلا البحث عن دعائم جديدة يعاد فيها بناء منظومة الحزب وفق قواعد لا ترتبط بالمال العام ولا نفوذ القبيلة أو ترسانة العسكر, لأن تلك المفردات لم تعد تجذب الناس لا داخليا ولا خارجيا وهذا ما أدركته الأحزاب الإسلامية وسارعت لتبني سياسات جديدة جعلتها محل قبول في مرحلة لم يكن من الممكن لها ذلك لو لا إدراكها المبكر وسعيها للتطلع نحو آفاق جديدة حسنت من صورتها أمام العالم ولم يكن من سبيل لرفضها, وما لم يستطيع المؤتمر إعادة تشكيل نفسه وفق قواعد واضحة اعتمادا على سواعد نظيفة ودماء جديدة فإن النهاية قادمة عبر مراحل تفكك متعددة لن يكون بالإمكان إيقافها.