الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٠٤ مساءً

مزاعم الحوار الوطني و حوار الساحات .. "دعوة للجنون"

صالح السندي
الثلاثاء ، ٢٤ ابريل ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
إن الدعوه التي وجهتها حكومة الوفاق الى شباب الساحات للحوار الجاد من اجل إخلاء الساحات و الخروج باليمن من الازمة السياسية المتفاقمة واغلاق ملف الثورة اليمنية رسميا تعتبر ضربا من الجنون السياسي , و انتهاكا صارخا للحرية والتعبير والحقوق الشعبية بالتظاهر والتجمعات والمطالبه بالتغيير , فحتى اللحظه الراهنة لم تبرهن الحكومة التوافقية الجدّية الواقعية والمطلقة في انتشال الفساد واحلال الامن والاستقرار ومعالجة اكثر الملفات الوطنية العالقة من إعادة هيكلة الجيش وغيرها من مسميات التنازلات الثورية والوطنية المفرطة , التي انجبتها المبادرة الخليجية , هناك التفاف واضح وصريح على القيم الثورية والشعبية , فالتحركات الدولية الاخيرة و زيارة جمال بن عمر مبعوث الامين العام للامم المتحدة الى صنعاء المتزامنة مع اعلان دول مجلس التعاون الخليجي انتهاء مراحل التوافق السياسي في اليمن وخلو مسئوليتها الكاملة من تباعات اي انتهاكات مستقبلية لعدم تطبيق نصوص المبادرة الخليجية , والتزامن الفاضح مع التسويات السياسية والعسكرية التفاوضية التي تقام في الخفاء بين اقطاب الاسرة الحاكمة وفلول النظام السابق من جهه وبين احزاب اللقاء المشترك من جهه اخرى , توضح حقيقة أن ورآء الاكمّة ما وراءها من التحايل والتآمر, وان هناك مؤامرة خفية لإجهاض الثورة بل وانهاء الحلم الثوري وتطهير الساحات كلياً.

وما اتّسم من ردود الفعل المنعكسة من قبل شباب الساحات , فالدعوة السياسية الكريمة للحوار لم تتجة صوب جميع الاطياف الثورية , ولم تشمل جميع القوى المستقلة والثورية الفاعلة , ولم تضم معارضة وشباب الخارج , بل كانت محدودة و موجهة الى فريق بحد ذاته وهو اللجنة التنظيمية لشباب الساحات , التي تعتبر الوجة الاخر لحكومة الوفاق واحزاب اللقاء المشترك في الساحات , و تقوم بتنفذ الاجندة الحزبية بحذافيرها في الساحات دون تردد , وكانت وعلى مدى عام من الثورة الاداة الحزبية الفعّالة لوأد الثورة وترجمة افكار وتطلعات الاحزاب وتحريك العمل الثوري حسب رغبة القيادات الحزبية وتوجيهها لخدمة التقلبات السياسية فمن التصعيد تارة الى الفتور الثوري تارة اخرى حسب المتطلبات السياسية الراهنة التي تعود بالنفع على الاحزاب وقياداتها التي ركبت الموجة الثورية وظفرت بالاهداف التي سعت اليها , التي لم تحصل عليها منذ عقود مضت حققتها خلال عام واحد فقط بفضل الثورة الشبابية .

لن نتعمق هنا عن دور اللجان التنظيمية الحزبية في الاخفاق الثوري و الجمود والشلل الذي اصاب الثورة على مدى عام من الكفاح والتضحيات , ولكن ما يهمنا هنا سبر اغوار و جس نبض خفايا الدعوة الرسمية والتوقيت الزمنى والهدف منها , هذا ما يجرنا فورا للعودة الى نصوص المبادرة الخليجية التي نصت ألياتها التنفيذية بكل شفافية و وضوح بتعهد أحزاب اللقاء المشترك واطراف الازمة السياسية اليمنية بإخلاء الساحات وكافة المظاهر السلمية والمسلحة وعودة الحياة الى طبيعتها في اليمن , إذن اللبنة الاساسية للحوار خليجية المنشأ دولية الهوى , ونابعه من قناعات خليجية - سعودية بلفلفة الملف اليمني في اسرع وقت ممكن واغلاقة تماما تجنبا للتصعيد والإثارة , وكما جرت العادة كانت ردة الفعل الحزبية للجنة التنظيمية في الساحات بالرفض القاطع كما رفضت مرارا دعوات الانتخابات ثم سلمت لها دون شروط ورفضت المبادرة الخليجية وبعدها سلمت بها مؤخرا.

إستراتيجة الرفض والممانعة المتبنّاة التي تلعبها اللجان التنظيمية في الساحات اشبة بجس النبض الثوري لدى الشباب في حال اقرار هكذا قرارات وتنازلات طاغية , فالتسلسل والتنازل في هرم المطالب بالتدريج اهون بكثير من الرضوخ لها دفعه واحدة , وفي نهاية المطاف ستصل الاحزاب الى تحقيق الغايات التي سعت اليها دون تضحيات وبأقل التكاليف الممكنة , وبمباركة ثورية خالصة , ولاثبات الرفض القاطع تم اعداد ’’مصفوفة تهيئة ’’ و شروط تعجيزية طويلة جدا فاقت نصوص المبادرة الخليجية نفسها , وتلك الشروط هي ذاتها الاهداف الثورية والمطالب الشعبية التي لو تحققت حينها لسقط النظام كليا وتحققت العدالة الثورية , ولما تمّت الحاجة للدعوة الى الحوار مجددا , وستستمر مسرحية الشروط التعيجيزية قائمة حتى يتم امتصاص الغضب الشعبي وتدرج المطالب للوصول الى اسفل الهرم و الغرق في مستنقع ووحل التآمر , وعليه حسب ردة الفعل الثورية سيكون قرار اللجنه وقيادة الساحات بالحوار من عدمة , و البحث عن استراتيجية بديلة في التعامل مع الرفض الشبابي المطلق , إن توجة حكومة الوفاق الوطني الى الساحات والحوار دليل قاطع على صفقات تدار في الخفاء وتسويات خفية و تفاوضية بين اقطاب النظام الحاكم , مقابل –ربما- اعادة هيكلة الجيش او توزيع الادوار والمناصب والتدوير الوظيفي الذي في حقيقة الامر انما هو مجرد تدوير الفساد والرشوة والاجرام , وعلية فإن اساسيات الحوار التي تدعو اليها الاحزاب لاغية نظرا لعدة اسباب.

1- لأنها افتقدت الشرعية القانونية والدستورية من نظام غير شرعي قائم على اساس نظام سابق تم دمجة في باكورة منظومة تكاملية واحدة , فالنظام هنا يحاور نفسه في الساحات لا غير.

2- لم تتحقق الاهداف الثورية والمطالب الشرعية باقل النسب التغييرية حتى يتم الدعوة الى الحوار واخلاء الساحات.

3- لم تتم محاكمة القتلة والمجرمين الملطخة ايديهم بدمآء الشهدآء حتى يتم الدعوة الى حوار توافقي وطني , وطي صفحة الماضي دون اساسيات قانونية او عدالية بحتة وملزمة .

4-عدم وجود الضمانات الكافية للحوار الوطني ضمن اطار حوار الساحات وعدم وجود الأليات المقنعة بالحوار , فكيف يتم محاورة رموز الفساد والقتل والاجرام ونضع ايدينا في ايديهم ونعترف بشرعيتهم , وهم ضمن حكومة الوفاق الوطني , فكيف يحاور الضحية القاتل بالتنازل عن حقة , وكيف نطالب المتهم بالعدالة والقضاء.

5-الدعوة لم تشمل جميع المكونات الثورية الشبابية المستقلة والحزبية المعارضة للمبادرة الخليجية والانتخابات الرئاسية , فكيف يتم الدعوة الى حوار وطني شامل واخلاء الساحات من الشباب , والدعوة موجهه اصلا للقيادات الحزبية في الساحات , التي هي امتداد فعلي وعملي لأحزاب اللقاء المشترك , فهؤلاء ليسوا بحاجة لدعوة لإخلاء الساحات او الحوار , لانهم قلبا وقالبا مع الحكومة وقرارات الاحزاب ومع النظام الجديد كاملا .

6-التظاهر حق قانوني مشروع ومكفول لكل مواطن حسب الدستور اليمني ولا توجد قوانين تمنعه او تحددة بفترات زمنية فعلية اساس الدعوة باطل قانونيا فكيف يتم الحوار على حق دستوري وشرعي والتنازل عنه.


وعلية ذهبت اكثر القوى الثورية فاعلية الى تشكيل جبهات انقاذية وتكتلات ثورية مستقلة بعيدة عن التأثيرات الحزبية وسحرها القوي على الشباب في الساحات , وانتشرت تباعا التوعية الفكرية والشبابية بين مختلف الاطياف وتحركت القوى الثورية نحو اهداف محققة وحتمية في ظل الاحباط العام والانهزام الثوري الحاصل نتيجة التلاعب السياسي مع مبادئ الثورة والمتاجرة بها في اسواق السياسه و خلف الكواليس , ربما لم تصحو حكومة الوفاق الوطني بعد من الصدمة السياسية المزدوجة بعدم الهيكلة المزعومة , وعدم القدرة على اعادة التوازن السياسي في اليمن لتنصدم بجبروت التعنت الثوري والشبابي في الساحات , فالحوار على الإرادات يكاد يكون ضربا من الخيال والمحال , قد تكون هذه الاحزاب قادرة فعليا على التلاعب السياسي بالمصير والاهداف , والالتفاف على المبادئ والثوابت وأدبيات الثورة لتحقيق مكاسب سياسية , ولكنها لن تكون قادرة ابدا على توجية القدرات الشبابية الحرة والمستقلة حسب توجهاتها الضيقة واطماعها الآنية القليلة , فشباب اليوم ليسوا كشباب الأمس , اصبح اكثر تسلحا بالعلم والمعرفه والفكر , وقادرا على حفظ التوازن الشعبي وتوضيح الحقائق والقراءة والتحليل والإستنتاج , هنا الثورة وليست محفلا سياسيا او مؤتمرا صحفيا حتى يتم التحاور مع اطرافة و المقايضه بالاهداف والتنازلات , فمن متى كانت الثورات و ارادات الشعوب هدفا للتفاوض والاستثمار السياسي.

قد تكون حكومة الوفاق نجحت نجاحا نسبيا في حصد مناصب ومراكز سياسية معينة , حتى وان كانت غير قادرة على الحكم واثبات القدرة في تسيير الامور , وتحييد الدور العائلي للرئيس السابق , ولكنها فشلت ثوريا في كسب قلوب الشباب والضمائر الوطنية الحية , وفي حشد الجموع والالتفاف حول حكومة الوفاق وترجمة هذا التلاحم الى فعل ثوري وشعبي مباشر , فالتعامل هنا مع الساحات والشوارع ليس كالتعامل مع القصور الرئاسية والمقار الحكومية , هنا صوت الشعب والحرية والكرامة ولا وصي عليه أو قائد او حاكم يفرض رأية, ولا تقيدة إملاءات خارجية او مبادرات او انتخابات , الشعب ينقاد فقط لآمالة و احلامة بالتغيير و تحقيق العدالة الإلهية بالحرية و المواطنة المتساوية , وعليه ستظل هذه المعادلة الصعبة الحل شوكة قوية في حلق النظام الحالي , ستستمر الثورة مادام النظام لم يسقط كليا , وحتى بناء الدولة اليمنية الحديثة , وستستمر حتى يتم القصاص لأهالي الشهدآء والجرحى , وحتى تتحقق جميع اهدافها الثورية , وإن طالت مع الوقت وكلفت مسيرتها المتعثرة الكثير من الضحايا والإحباط ولكنها ستحقق غاياتها مع المدى الطويل.

التآمر الدولي والجوار معا على الثورة الشعبية ودفنها في مقابر الحوار السياسي لن يجدي نفعا مع إنتفاء عدم سقوط النظام كليا , فلا يستقيم الظل والعود اعوج , فالاساسيات العملية والأرضية التي قامت عليها حكومة الوفاق الوطنية هشة وضعيفة واقل ما يقال عنها انها تآمرية بحتة , فكيف تنتج حوارا عقيما مع ساحات ثورية مشتعلة خرجت لإسقاط النظام كليا , رافضة للنتائج الكارثية التي انتجتها المبادرة الخليجية والانتخابات الرئاسية , التي قادت الوطن الى مزيدا من المعمعة الثورية والانهيار والتمزق الوطني , ان الجهل السياسي في التعامل مع المطالب الشعبية المشروعة قاد الى هذه الصورة المأساوية والواقع المرير من التخبط السياسي في عدم النظر الى قضايا الشعب كقضايا وطنية حاسمة غير قابلة للتفاوض والحوار والتنازل , فالشعب عرف طريقة ولن يعود الى المنازل الا وقد تحققت جميع المطالب الثورية بالتغيير , إن اقحام الثورة الشبابية في معمعة الازمة السياسية الحاصلة , وتصويرها كأنها أزمة سياسية خانقة , تضاف الى القائمة السوداء لإخفاقات حكومة الوفاق المتكررة , وتعتبر بمثابة فشلا سياسيا ذريعا للاخفاق الوطني الحاصل من عدم حسم الامور والتخبط في جميع الاتجاهات السياسيه , فمن الفشل في اعادة هيكلة الجيش الى فشل في تثبيت الامن والاستقرارا ومؤخرا الفشل في حسم امر النظام في المناطق الملتهبة والحرب مع القاعدة , ساق حكومة الوفاق دون شعور الى الوهم المفرط و الاتجاه الى المصب والمنبع الثوري الهائل لقوى التغيير وصمّام أمان الوطن والضامن الوحيد لتحقيق العدالة الثورية ومطالبتها بالحوار واغلاق الملف الثوري كلياً , والذي معه لن تجني سوى المزيد من الفشل والاحتضار السياسي.