السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٢٧ صباحاً

إلى أطراف الحوار الوطني القادم

دحان النجار
الثلاثاء ، ٢٤ ابريل ٢٠١٢ الساعة ٠١:٤٠ مساءً
إلى أطراف الحوار الوطني القادم
فليكن حل القضية الجنوبية ومشكل صعده وغيرها مدخلا لبناء دولتنا المدنية الموحدة والمتنوعة

الثورة الشبابية الشعبية السلمية مثلت منعطفا تاريخيا مهما في مراجعة قضايانا ومشاكلنا الوطنية المؤجلة لقرون هروبا من وضعها على المحك وحلها تاريخيا بما يظمن إستمرار الشراكة في الوطن وفي صنع مستقبله وإستغلال خيراته على اساس التكافؤ والعداله في توزيع الثروة ومزاولة الحكم. عدم الثقة وشراسة الصراع السياسي بين قوى المجتمع المدني الحديث والقوى التقليدية التي قاومت قيام الدولة المعاصرة وفرضت نموذج ما قبل الدولة قد أفضى إلى ضعف الشعور الوحدوي بل وتلاشيه تماما عند بعض القوى مما قد يؤدي إلى إنهيار الدولة الموحدة وقيام دويلات شطرية أو جهوية على أنقاض المشروع الوطني الوحدوي الذي حلم به كل اليمنيون في الماضي ولا يزالون يحلمون به اليوم.

ومن أجل إنقاذ الحلم الوطني من الإنهيار لا بد من تناول أهم المشاكل الساخنة في عموم الساحة بشفافية تامة وبقدرا عال من المصارحة والمكاشفة وعدم الإستقوى أو الإستغباء لأي من أطراف العملية السياسية مهما كان المشروع الذي يحمله والعمل على الوصول إلى صيغة وطنية شاملة تنقذ الوطن والشعب من التشرذم وتفتح افاق المستقبل في قيام الدولة المدنية الحديثة التي تشبع رغبات وتظمن مصالح الغالبية من أطراف العملية الساسية الوطنية وطبقات الشعب وفئاته الإجتماعية الممثلة فيها. ولعل الأهم من القضايا الوطنية الساخنة والتي تحتل أولوية في حوارنا الوطني القادم هي القضية الجنوبية ومشكل صعده ومطالب إقليم تهامة والإقليم الأوسط (كما بداء يطرح في الوقت الراهن). ومن أجل الحفاظ على اليمن موحدا ومتنوعا يجب أن تراعى خصوصيات كل إقليم وجعل تلك الخصوصيات مصدر قوة وتوحد لا ضعف وتمزق وتسخيرها لخدمة الإنسان اليمني وعزته وعيشه الكريم لا لإذلاله وتكدير عيشه.

1.القضية الجنوبية:
القضية الحنوبية ليسة وليدة ما بعد 22 مايو 1990م ,بل هي جزء أساسي ومكون للتأريخ اليمني الحديث والمعاصر حيث كانت ولا زالت الدولة اليمنية تتمدد وتنكمش طبقا للظروف المحيطة محليا وإقليميا ودوليا ولوعي القوى الإجتماعية والسياسية المكونة لها. والمجال هنى لا يتسع لسرد تجارب الدول اليمنية التي قامت على مناطق واقاليم مختلفة شمالية وجنوبية أو عليهما معا, على أن الأهم منها وما يعنينا اليوم هي تحربة الوحدة بين شطري اليمن المعاصرين المتمثلان بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية التي قامت في 22 مايو 1990م وتعرضة لنكسة تأريخية عندما شن أحد أطرافها حربا ظالمة ضد الطرف الآخر وفرضة نموذج الوحدة القسرية والتي أفضت إلى بروز الشعور الإنفصالي في أسواء الحالات والإصلاحي لمسار تلك الوحدة في أحسنها وتمثل أهمها في بروز الحراك السلمي الجنوبي بكل مكوناته المتعددة في نظرتها وفهمها لحل القضية الحنوبية أحيانا في إطار الوحدة وأحيانا أخرى في فك الإرتباط أي العودة إلى ما قبل ال22 من مايو 1990م.

كان الحراك الجنوبي مقدمه حضارية عملية لإشعال الثورة الشبابية الشعبية السلمية ضد دولة الفساد والأفساد ,حيث ألهم الكثير كيف يمكن أن يقاوم الفساد والديكتاتورية بصدور عارية ويرفع مطالب مشروعه تفقد الطغاه صوابهم وتجعلهم يفقدون حيلتهم في تزييف الرأي العام واللعب على حبال الكذب إلى ما لا نهاية. بداء الحراك الجنوبي على شكل مطالب مبسطه تتركز حول إصلاح مسار الوحده على المستوى الوطني وعندما لم تتم الإستجابة لذلك لا من قبل الحكام ولا من قبل المعارضة بل أدينة مطالبه مما دفع ببعض ا لقائمين عليه إلى رفع سقف مطالبهم و تركيزها على العودة إلى الشراكة التي أقرتها الإتفاقيات الوحدوية وعودة المسرحين من عسكريين ومدنيين إلى مواقعهم ووظائفهم وكذا إعادة ما تم نهبه من ممتلكات أثناء حرب صيف 1994م( اللا وحدوية والإقصائية) لأهله الشرعيين . وعندما تم رفض مطالب إصلاحية مشروعة كهذه أتجه بعض قادة الحراك بعد أن يئسوا من تجاوب الشركاء الشماليين سلطة ومعارضة إلى المناداة بفك الإرتباط (ا لأمر الذي لا نريده جميعا لا سمح الله) كردة فعل غاضبه نتيجة لعدم الإهتمام بالحلول التي طرحوها ولم تلقى غير آذان صنجا وأدمغة متجمدة وعيون لا تريد أن ترى الحقيقة و
تتعامل معها من منطلق وطني مسؤول . فهل حان الوقت للحلول التأريخية؟

عندما وقعا شريكي الوحده الإتفاقيات التي أفظة إلى قيام اليمن الموحد في 22 مايو 1990م كان امل الجميع هوا قيام الدولة المدنية الحضارية( التي ينادي بها شباب الثورة اليوم),لكن القوى التقليدية والمحافظة" بلا حدود"- ومنها من هوا اليوم في صف الثورة سفهة مشروع الدولة المدنية واعتبرته خروجا وتنكرا للعاداة والتقاليد والعقيدة وهي بذلك تدافع عن مصالحها التي يظمنها شكل اللا دوله وإحلال العرف القبلي والفوضى الإجتماعية محل النظام والقانون والمساواة في الحقوق والواجبات لكل مواطني الدولة اليمنية الموحدة.

القوى التقليدية غيرة نمط حياة الجنوبيين على هواها دون مراعاة ما ألفوه وأعتادوا عليه . كان الجنوبيون يحتكمون لمؤسسات الدولة فأرادة لهم أن يحتكموا للعرف والقبيلة, كان لديهم سجلا مدنيا فأرادة لهم تطبيق نظام عاقل الحارة والشيخ وتحويل مؤسسات الدولة إلى مؤسسات للجباية والإثراء الغير مشروع لحفنة من الفاسدين على حساب الغالبية العظمى من طبقات الشعب وفئاته الإجتماعية.

حاول دعاة الدولة المدنية الموحدة إنقاذها عن طريق إقرار وثيقة العهد والإتفاق التي تم التوقيع عليها في العاصمة الأردنية عمان في مارس 1994م والتي تكفل الخصوصية الإدارية والإجتماعية لكل مكونات الشعب اليمني على اساس التعددية في ظل الدولة اللامركزية الإتحادية ,لكن القوى الشمولية أنقلبت على الوثيقة وشنة حربا ضروسا قضت على مشروع الوحدة الطوعية والدولة المدنية وفرضة نموذج اللا دولة بدلا من الأخذ بالأفضل من تجارب الشطرين وتعميمها على طريق بناء الدولة اليمنية الحديثة,بل وسمية الوثيقة "بوثيقة الخيانة والنفاق", وبذلك خسرة القوى المدنية المعركة شمالا وجنوبا.

الجنوبيون ليسوا أقل من الشماليين حبا للوحدة وللدولة المدنية المعاصرة التي ينشدها شباب الثورة السلمية في الساحات اليوم ,بل هم أكثر منهم كرها للفوضى واللادولة لأنهم لم يعتادوا عليها (حتى لو لم يكن لديهم دولة عادلة كما صنفها البعض لكنها كانت دولة مؤسسات), فلماذا لم يقال لهم تعالوا نحافظ على وحدة اليمن في ظل التعددية واللامركزية( الفيدرالية), ودعونا نستفيد من تطبيقكم لنظام الدولة المدنية كنموذج لبقية أقاليم الوطن الموحد. اليوم هناك تغيير إيجابي في الفكر السياسي والإجتماعي في الشمال والذي تجلى بقيام الثورة الشبابية الشعبية السلمية المنادية بقيام الدولة المدنية و التي انظمت إليها قوى عسكرية وقبلية وإجتماعية مختلفة كانة في الماضي ترفض الدولة المدنية المعاصرة من حيث المبداء . الثورة غيرة الكثير من المفاهيم التقليدية البالية فيجب إعطائها الفرصة لكي تفعل فعلها في تهيئة الأوساط الأكثر رفضا للدولة للقبول بها عن طريق التفاعل وليس العزل.

ويجب أن يقال للقوى التقليدية التي تبالغ بوحدويتها من وجهة نظرها القرون أوسطية بأن حب الوطن يتطلب منها تقديم التنازلات للشركاء في الوحده والوطن (جنوبيون وشماليون) والقبول بالدولة المدنية التي تحترم خصوصيات الجميع في ظل التعددية السياسية والإجتماعية والإدارية وعدم ممارسة الإقصاء تحت أي مبرر, وان الدولة بمؤسساتها الفاعلة هي المظلة الكبرى التي يستظل بها الجميع وليس مؤسسات القبيلة والثأر والتمييز ضد الآخر وإحتقاره,وإقلاق السكينة العامة وتدمير المؤسسات الخدمية والتعليمية من أجل مطالب مادية غير مشروعة لا تجوز شرعا ولا إخلاقا.

درجة الوعي بدور مؤسسات الدوله المفصلي في تسيير شؤون الناس اليوميه والعمل على توفير فرص حياة أفضل للأجيال القادمة يختلف من إقليم إلى آخر. فهناك في بعض مناطق الشمال (مثلا في بعض مناطق الجوف ومارب وصعدة) من يرى بأن عرف القبيلة وإستعدادها الدائم للتسلح و الأخذ بالثأر وعدم الإنصياع للقوانين وقطع السبيل وإبتزاز الدولة والخطف "رجولة", وأن ممارسة التجارة والزراعة ولبس "البنطلون" و"الكرفتة" عدم رجولة أو ضعف في النسب أو إنحلال إخلاقي بينما نجد في إقليم آخر (في عدن أو حضرموت مثلا) من يمارس الحياة المدنية منذ زمن طويل , فهناك ولع في الزراعة و التجارة والتعليم وممارسة الفنون المختلفة وإستهجان للثأرات وإحتراف الحروب ومقت لحمل السلاح وإستخدامه. الأول يرى بأن الإنصياغ لمؤسسات الدولة ضعف وسلوك غير مقبول بينما الآخر يرى فيه ضرورة لتنظيم شؤن المجتمع في التجارة والصناعة والزراعة وحماية السكينة والأمن العام. بإختصار الأول يرى في الدولة خزينة يجب أن تفتح له ووسيلة للجباية والإثراء بينما الآخر يرى فيها مؤسسات أمنية ودفاعية وخدمية وتنموية تمول أجهزتها عن طريق فرض الضرائب وتحصيل الزكاة وإستثمار الثروات المحتلفة. فأي التموذجين يجب فرضه؟ مع قناعتي وقناعة شباب ومؤيدي الحراك السلمي و الثورة الشبابية الشعبية السلمية بالنموذج المدني إلا اننا نعي بأن أتباع النموذج الأول لن يقبلوا بسهولة بالإنتقال إلى الحياة المدنية دفعة واحدة بل سيتحولون تدريجيا مع مرور الزمن. ولذلك لا يجب فرملة الوطن كله حتى يصل الجميع إلى نفس الدرجة من الوعي فلندع المجتمع الأكثر تمدنا في إقليمه يقيم النموذج المدني الذي يجب أن يحتذي به الطرف الآخر.

ردود الأفعال المتسرعة والآنية لا تؤدي إلى حلول جذرية شاملة لأي مشكل وطني ,بل تشكل قنبلة موقوتة قابلة للإنفجار في أي لحظة.القوى التقليدية ستظل متحالفة وستحاول إعادة إنتاج نفسها من جديد على مستوى الإقليم مهما خفت صوتها قليلا في اللحظة الراهنة لأن المصلحة تجمعها, ولذلك لابد لقوى التحديث من أن تظل متمسكة بمشروعها الوطني الأشمل وتؤازر بعضها البعض وتعترف بالمسلمات التأريخية في تناقض ووحدة المصالح. لن يستطيع دعاة المدنية بناء دولتهم "الفاضلة" وقبائل "الهون" تحيط بهم من كل حانب ولابد للأشكال "القرون أوسطية "من ولوج العصر واللحاق ببقية الأمم المتحضرة التي تعيش عصر الذرة والكمبيوتر والفضاء والإنترنت.

فلماذا لا نجعل من تنوعنا قوة؟ نحترم التنوع ونقبل بالآخر وحقه في بناء نموذجه المدني على جزء من أرض الوطن ونجعل منه شمعة تضئ الجزء الآخر؟ وما العيب في الفيدرالية؟