الثلاثاء ، ١٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٥٨ مساءً

يكفي كوريا يكفي دبي .. غازُنا وميناؤُنا لنا

وليد تاج الدين
الخميس ، ٢٦ ابريل ٢٠١٢ الساعة ٠١:٤٠ مساءً
اتفاقية تصدير الغاز المصري لإسرائيل تم الغاؤها وهي الاتفاقية التي بموجبها بيعت مليارات الأمتار المكعبة من الغاز المصري منذ العام ألفين وثمانية وبسعر أقل من نصف سعر التكلفة وبموجبه كان على مصر أن تستمر بالبيع بخسارة والضخ لمدة عشرين عاما لتضاء منازل وأحياء إسرائيل ويستمتع شعبها على حساب المواطن المصري ولخاطر عيونها مُنحت شركة الغاز الإسرائيلية إعفاء ضريبي لمدة ثلاث سنوات بموجبه, ورغم الضجّة التي أثيرت حينها في البرلمان المصري وفي الشارع إلا أن الاتفاقية استمرت قرابة أربعة أعوام جاء بعدها قرار الإيقاف متأنيا سبقه تفجير للأنابيب في أكثر من حادثة منذ اندلاع الثورة المصرية. وكيفما كان المبرر للقرار الشجاع فقد جاء منسجما مع الإرادة الشعبية التي كانت أداة قوية للتغيير وصنع القرار خاصة وأن المواطن المصري يعاني من نقص الغاز وارتفاع أسعاره محليا بينما كان يباع للعدو بأقل من نصف سعر التكلفة.

اليمن ليست ببعيدة عن اتفاقيات مجحفة كتلك, ففي صفقة مريبة اتفقت حكومتنا الرشيدة مع شركة كوجاز الكورية على بيع الغاز لمدة عشرين عام كما يبيع اللصوص, فبينما كوريا تشتري الغاز من اندونيسيا باثني عشر دولار فإنها تشتريه من أبو يمن بثلاثة فاصل اثنا عشر دولار فقط ( يا رخصـــاه ) بربع السعر وهو ما يعني خسارة اليمن مبلغ ستين مليار دولار هذا في وقت حكومتنا ظلت تشحت من العالم باسمنا بحثا عن ملايين الدولارات ليس إلا وفي وقت لم نجد ما يكفينا من الكهرباء التي كفّ العالم الحديث عنها كخدمة لأنها أصبحت مطلب أساسي للحياة مثله مثل الغذاء والهواء ولم تعد ترفيهية أو إضافية في عصر الفضاء إلا في بلدنا.

ومن ضمن اتفاقيات حكومتنا المبجّلة أيضا اتفاقها مع شركة موانئ دبي على تأجير ميناء عدن وإنعاشه لمدة خمسة وعشرين عام ليصبح شبيها بميناء دبي فلم نجد إلا دفنه فوق ما كان مدفونا وتنويمه مغناطيسيا فوق ما كان ناعسا, هل كانت مصلحة عدن وميناءها الذي كان عالميا يوما والذي يعد اكبر ميناء طبيعي ولا تحتاج السفن سوى بضعة أميال للخروج من خطها للتموين فيه بعكس باقي الموانئ أن يسلّم لموانئ دبي الذي تعاملت معه على عكس ما تعاملت به مع كل الموانئ التي تديرها في العالم, فدخل ميناء عدن وحركته هي الأقل رغم موقعه المتميز ودخل العمال اليمنيين فيه هو الأقل عالميا وحال الاتفاقية وبنودها هي الأسوأ من بين كل الاتفاقات ويرجع ذلك إلى الشخصنة التي أحاطت الاتفاقية تحت دوافع سياسية لم يجني منها الشعب إلا الخسران المبين.

عجيب أمرنا عندما نبيع كل شيء بالرخيص وكأننا مستغنين وعايشين في النعيم وكل ما نملكه ليس إلا مجرد أشياء زائدة عن حاجتنا, هل أصبحنا إلى هذا الحد من البذخ مما يدفعنا لتوزيع الصدقات على الدول المصنعة والمنتجة, نبيع غازنا بأبخس الأثمان وكأننا نغرفه من بحر لن ينتهي ونؤجر موانئنا لمن يحولها إلى مقابر شبه متحركة وكأننا نسعى إلى القضاء عليها عمدا وعدوانا ونبيع حدودنا مقابل حفنة من الرواتب لشيوخ لم يفيدوا خزينة الدولة بفلس واحد.

أنظمة مصر واليمن البائدين كلاهما وقع على البيع بخسارة وان كانت مصر أكثر حفاظا على المخزون فكمية ما كانت تنوي بيعه خلال مدة الاتفاقية اقل بالنسبة لحجم المخزون من تهور حكومتنا التي أرادت بيع اكبر كمية ممكنه في اقل فتره, وكلا النظامين أجاع شعبه وهذا هو قاسمهم المشترك بينما الدول المستفيدة من هذه الاتفاقيات قاسمها المشترك أنها أشبعت شعوبها وكرمتهم بالمعيشة وسعت لمصالحهم بكل ما أوتيت من قوة وحيلة ولذا فإن على شعوبنا بعد خلاصها من طغاتها وبياعي مصيرها أن توقف مهازل تلك الصفقات بكل الوسائل وان تحذو حذو الشعب المصري فقرار مصر السياسي لم يأتي فجأة بل سبقه ما سبقه من عرقلة وتوقف لعملية التصدير عبر الأنابيب كمجهود شعبي تبعه المجهود السياسي الذي تحيّن الفرصة واصدر القرار الشجاع الذي نرجو أن لا يتم العدول عنه رضوخا للضغوطات أيا كانت.

بتوقيع تلك الاتفاقيات الخاسرة المخسرة لشعبنا هل نلوم الطرف الآخر وهو الحكومات التي أصرت إلا أن تجعل مصالحها ومصالح شعوبها أولا ضاربة بعرض الحائط بمصالحنا ومقدمة الإغراءات التافهة لممثلينا من الهدايا والرشاوى لتحقيق هذه المصالح لنفسها أم نلوم أنفسنا وسوء اختيارنا لمن ائتمناه على ثرواتنا ومخزون أرضنا ببحرها وبرها من الخيرات ومن وكلناه بها دون أن نراقب ما يفعل, ثم ألا يجب أن نكف عن التباكي وان نسأل اليوم إلى متى يجب أن تظل هذه الاتفاقيات القبيحة التي تزعج آذان المواطن اليمني بمجرد الحديث عنها كونها لا تعني له سوى الابتزاز قائمة, أليس لنا في قرار إيقاف صفقة الغاز المصري مع إسرائيل أسوة أم لا نزال اقل من العالم حتى عندما ننوي التغيير ونقرر العودة للمسار السليم احتفاء بثورتنا ونتائجها.