الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:١٥ مساءً

فليرحل "المُبَنْدَقُون" عن تعـز!

حبيب العزي
الاثنين ، ٣٠ ابريل ٢٠١٢ الساعة ٠٦:٤٠ مساءً
تعز بطبعها لا تعرف بين مفردات اللغة وقواميسها سوى مفردة واحدة اسمها "الحب" ، وثقافة أبناءها لا تعرف في الأصل غير ثقافة الحوار ، وهي بطبيعتها "الحالمة" تمقُت العنف ، وتشمئز من منظر السلاح ، وتلفِظ "المُبَندَقين" عموماً ، ولأن "الحُب" كان – ولايزال - هو طبْعُها وطابعها المُميَّز ، فقد كان حمل السلاح ومظهره فيها طوال الأشهر الماضية هو "التطبُّع" الذي أُرِيد لتعز أن تتطبَّع به من قِبل الحاقدين عليها بوجه خاص وعلى اليمن بوجه عام ، لكن تعز في النهاية تغلبت عليهم جميعاً بسلاحها الفتاك ، الذي لا تملك سواه .. وهو طبعُها .. والطبع قد غلب التطبُّع .

****

نفسي فداءٌ للرجال الملثمين ..
خرجوا من البُيوت كما الأسود من العرين ..
يوم الكريهة بعد حرق الساحة مُكرهين ..
يوم التقت الجموع بساحة "النصرِ" ..
يوم ارتقت لبارئها روحُ الشهيدِ "بشيرٍ" برصاصة الغدرِ ..
يوم الوفاء لتعزٍ صُمودها بوجه غُزاة حاقدين.

****

نفسي الفداء لمن - يومها - هبُّوا ..
لأجل السِّلم لا للحربِ
لأجل الأرض لا للحزبِ
لأجل الحياة لا للموتِ
لأجل العِرضِ لا للعَرْضِ
لأجل "حالمة" عذراء قد انتهكت ..
لأجل الطفل ..للشيخ .. للثكلى ..
لأجل الذود عن مملكة الحب ..
لأجل ثقافة الحب .. خرج الجميعُ "مُبندقين"

****

ربما بدا للبعض بأن نصي الشعري قد جاء متناقضاً مع عنوان مقالتي ومقدمته ، لكن الحقيقة مغايرة لذلك تماماً ، فهناك – بتقديري – فارق كبير بين "مبندق" ثائرٍ ، حُرٍّ ، أبيٍّ ، رفض الظلم وأبت نفسه الضيم ، حمل السلاح "مكرهاً" في ظرف ما ، بزمان ما ومكان ما ، وما إن انتهت مهمته ، حتى ألقى سلاحه بإرادته وترك المهمة لأهلها ، ثم ذهب يمارس حياته ووظيفته الطبيعة ، أكان طبيباً أو معلماً أو مهندساً أو مواطناً عادياً أو .... الخ ، ، فارق كبير بين ذاك "المُبنْدَق" موضع مديحنا في النص الشعري أعلاه ، وبين "مُبندق" آخر، تعوَّد حمل السلاح في زمن الفوضى والانفلات الأمني ، زمن "اللادولة واللانظام " ، بغية "البلطجة" على عباد الله ، وأكل أموالهم بقوة السلاح وقوة النفوذ في زمن الوساطات والمحسوبيات ، وفي غياب النظام وسيادة القانون ، فالأول "ثائرٌ حُر" ، والثاني مجرد "بلطجي" ، لا أكثر .. وشتان شتان.

المُبَنْدَق الذي عنيناه بنصنا الشعري ، هو ذاك الثائر الذي حمل السلاح "مُكرهاً" ، لحماية الثورة وشبابها الأبطال ، بدءً من يوم جمعة الوفاء لتعز بتاريخ 3/ 6 / 2011م ، وانتهت مهمته يوم السبت بتاريخ 18/ 12/ 2011م ، على وجه التقريب ، وهو يوم استلام اللجنة الأمنية بالمحافظة مهامها ، والبدء بمباشرة التنفيذ لإزالة كل المظاهر المسلحة ، وفقا لنصوص المبادرة الخليجية ، وقد نلتمس العذر لبقايا من حملوا السلاح بعد تلك الفترة "المشوبة بالحذر" إن جاز التعبير ، إلى أن أتى موعد الاستحقاق الانتخابي لمنصب رئيس الجمهورية في الـ 23 من فبراير المنصرم ، والذي قال الشعب فيه كلمته ، ولم يعد هنالك أي مبرر – بعد ذلك التاريخ - لحمل السلاح لأي سبب كان.

لقد كان صدور ذلك القرار- الذي لاقى ارتياحاً واسعاً داخل محافظة تعز وخارجها - بتعيين الأستاذ / شوقي هائل محافظاً للمحافظة – هو الدافع الأقوى والأهم باتجاه إنهاء كل المبررات التي تقول بحمل السلاح ، ذلك القرار الذي لم يكن ليوافق عليه المحافظ الجديد – كما علمنا - في بداية الأمر لولا التزام الرئيس "هادي" بمنحه مطلق الصلاحيات لإدارة المحافظة ، بما فيها مهام الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة ، وهي فيما يبدوا كانت شروطاً مسبقة قد اشترطها المحافظ الجديد على القيادة العليا للقبول بهذا المنصب ، ويبدوا كذلك أن الرئيس هادي قد وافق عليها بالجملة ، وهو ما يعني أن هناك جدية من كلا الطرفين ، وأن قرارات المحافظ الجديد ستكون موضع التنفيذ بشكل جدي وأكيد ، بسبب مصادقة رئيس الجمهورية عليها سلفاً ، وستكون مدعومة أممياً أيضاً ، لأن كل قرارات الرئيس هادي مدعومة بسند أممي وإقليمي .

أمّا وقد بات ذلك القرار موضع التنفيذ ، والذي بموجبه كان المحافظ الجديد قد بدأ بممارسة كافة مهامه وصلاحياته ، ومنها لقاؤه الموسع بالقيادات الأمنية في مقر قيادة المحور ، الذي منحهم فيه مهلة شهر واحد لإنهاء المظاهر المسلحة ، والتي تُرجمت عملياً بما سُمي بخطة الانتشار الأمني داخل المحافظة ، والتي بدأ تنفيذها على أرض الواقع مطلع الأسبوع الفائت ، فسيكون بعد كل تلك الإجراءات كل مظهر للسلاح خارج إطار القانون هو نوع من التخريب والفوضى الذي يجب على الجميع الوقوف ضده بكل حزم وشدة .

أقول ذلك وأنا على يقين تام بأن كل الشباب والرجال الذين حملوا السلاح بعد محرقة ساحة الحرية بهدف الدفاع عن الثورة وساحات الشباب ، قد التزموا بترك السلاح منذ تاريخ 18 ديسمبر نهاية العام الماضي ، وإن بقي بعضهم لم يتركه بذلك التاريخ ، فقد تركه بعد نجاح الانتخابات الرئاسية ، وكل من حمل السلاح بعد الانتخابات الرئاسية ، فهو خارج إطار الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية ، أما اليوم وبعد تسلُّم المحافظ الجديد للمحافظة ، والبدء بتنفيذ خطة الانتشار الأمني لإنهاء كافة المظاهر المسلحة ، فنحن نخاطب - وبكل حب - من لازال يحمل السلاح حتى اليوم ونقول له :

من فضلك .. إذا كنت فعلاً تحب تعز ، ويهمك استقرار اليمن ، فعليك أن تلقي سلاحك ، أو فلترحل عن المحافظة إلى أي مكان شئت ، لأن تعز لم تعد بعد اليوم تطيق "المبندقين" ، فهي قد نفضت عنها غبار الماضي ، وقررت السير قدماً نحو البناء والتنمية ، نحو تعزيز ثقافة الحب الذي هو طبْعها وطابعها ، لتكون هي الرائدة في تحقيق الأمن والاستقرار ، والمثال الذي يُحتذى به في التنمية الشاملة ، كما قد كانت رائدة في تفجير شرارة الثورة على الفساد والفاسدين .. ولتبقى تعز هي : نبض القلب .. قلب الثقافة .. ثقافة الحياة.