السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٥٨ صباحاً

الاتزان الفكري والتعايش مع الاختلاف ... (2)

أحمد على الكوماني
الاثنين ، ٣٠ ابريل ٢٠١٢ الساعة ٠٧:٤٠ مساءً
في مقالي السابق تحدثت في كيفية برمجة عقولنا للتعايش مع الاختلافات المتسعة في اليمن يوما بعد يوم بين الجماعات الإسلامية, وبين الأحزاب, والتكتلات السياسية الغير متحزبة واختلاف الأفراد في ما بينهم, والتي لم نكلف أنفسنا محاولة فهمها والتعايش معها حتى لا تقود البلاد إلى الفتنة والهاوية."http://yemen-press.com/article2295.html"

ولو رسمنا خارطة عقولنا الذهنية وتعلمنا من هيكلة أجسامنا العجيبة وقدرتها على التعايش في ما بينها رغم اختلافها الفسيولوجي المورفلوجي في تحقيق هدفها وهو إبقاء النفس في ذالك الجسم لتستمر فيه الحياة, لاستطعنا ان نتعايش مع الاختلافات التي بيننا.

وفي هذا المقال سوف نتعرف على الاتزان الفكري الذي من خلاله سوف يمكننا من التعايش مع تلك الاختلافات, فعدم وجود فكرة كبيرة تحتوي الجميع يؤدي لوجود أفكار صغيرة جزئية متناحرة تدعي كل منها أنها هي الحقيقة المطلقة, وبالتالي ينشأ الاختلاف "هو القاعدة الأساسية والحقيقة الثابتة, مع وجود التشابه الذي يعتبر الاستثناء الصارخ وعليه يجب تقديم الحل المناسب من اجل ان تتعايش المتناقضات في انسجام, وإيجاد نظام قادر على الإنتاج والإبداع لتستمر الحياة في ضل الاختلاف الذي يعتب رحمة بشرط ان تعايش مع ذالك الاختلاف الذي يعتبر ضرورة ملحة"

قد يعتبر الإنسان نفسه مفكراً ويحمل فكر عميق ومتزن ودائماً يصف نفسه أمام الآخرين خاصةً مع من يختلف معهم انه متزن فكرياً وانه وسطي وغير متطرف , وفي نفس الوقت عندما تستمع إليه في نقاشاته و حواراته وتتطلع إلى كتاباته تجده متعصب وأن أخفى ذالك عنك. وهوا بذالك يناقض نفسه.

السؤال يطرح نفسه .
ما هو الاتزان الفكري؟ وكيف يحقق الإنسان الاتزان الفكري؟

حتى نتمكن من إيجاد تعريف للاتزان الفكري علينا ان نتعرف على مصطلحي الاتزان والفكر كلا على حده ثم نتعرف على الاتزان الفكري.

أولا. تعريف التوازن
أ: تعريف الاتزان للغة هو التوازن وقد يأتي بمعنى العدالة أو الوسطية أو القصد وكلهن مجتمعات تحت معنى العدالة.
- التوازن من "وزن" وهو في "لسان العرب" رَوْز الثقل والخفة. وقوله عز وجل (وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) "وازنه": عادله وقابله.
- العدل: في "اللسان": ما قام في النفوس أنه مستقيم، وهو ضد الجور, وفي أسماء الله سبحانه "العدل": هو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم.
- الوسط: في "اللسان" وسط الشيء: ما بين طرفيه, فلما كان "وسَط" الشيء أفضله وأعدله جاز أن يقع صفة، وذلك في مثل قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) أي: عدلاً فهذه هي الوسطية وحقيقة معناها.
- القصد "في اللسان": استقامة الطريق. وقد يأتي بمعنى العدل

عند الاطلاع على المعاني الدقيقة للمصطلحات السالفة تبين أن هناك معنى واحداً يتردد بينها بمثابة "المشترك المعنوي"، ألا وهو معنى العدل.

ب . تعريف التوازن اصطلاحاً
قد يعرف "التوازن" على أنه مزج بين طرفين متضادين ينتج عنه طرف ثالث متوسط هو الفضيلة.

قول الله تعالى: (وَالسَّمآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ المِيزانَ* أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ* وَأَقِيمُوا الوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُوا الْمِيزَان), يقف المفسرون عند هذه الآية بمعنى العدل المطلوب في الوزن والكيل عند ابن كثير والطبري

ولكن "سيد قطب" يوسع تفسير هذه الآية ليشمل الوجود كله, فيقول: وضع الميزان: ميزان الحق. وضعه لتقدير القيم. قيم الأشخاص والأحداث والأشياء كيلا يختل تقويمها، ولا يضطرب وزنها، ولا تتبع الجهل والغرض والهوى، وضعه في الفطرة، ووضعه في هذا المنهج الإلهي الذي جاءت به الرسالات وتضمنه القرآن, والحقيقة أن الله سبحانه وتعالى خلق الكون كله من عناصر مجتمعة بعضها مع بعض، تسير بالتوازن.

تعريف التوازن عند الفلاسفة
قد جعل " أفلاطون " التوازن " أساساً لعدة قيم منه
- الحكمة: إن الحكيم بالإجمال هو الملتزم جادة القصد والاعتدال.
- السعادة: الإنسان أسعد حالاً في النظام منه في الإسراف.
- الفضيلة: إن كل شيء إنما يقوم بالنظام والتناسب، فإذا اختل النظام فقد الشيء قيمته.
- العدالة: يجب أن تكون الإحسان دائماً في الأصدقاء والأعداء، لأن الإساءة إساءة إلى النفس, فالذي يقابل الشر بالشر يفقد عدالته، ويزيد الشرير شراً.

أما "أرسطو" فقد اشتهر بكلامه عن الوسط العدل، أو الوسط الفاضل كما يسميه، وجعله أساس الفضيلة فهو يعرف الفضيلة بقوله: "هو أن تختار الوسط العدل بين إفراط وتفريط كلاهما رذيلة <وهكذا جعل "أرسطو" الفرد الحكيم قادراً على تحديد التعامل مع الموقف "بتوازن" من وجهة نظره هو واثقاً بالعقل.

أما "أبيقورس" إنما تنشأ النزعات من اختلال توازن الجسم، فإذا استعاد الجسم توازنه زال ألمه فاطمأن وسكن.

فما أجمل ان يكون الإنسان متزنا عادلا في الأقوال والأفعال يقول الحق حتى على نفسه ويتعايش مع الآخرين بمختلف اتجاهاتهم.

ثانياً: تعريف مصطلح الفكر.
الفكر هو مجمل الأشكال والعمليات الذهنية التي يؤديها عقل الإنسان، والتي تمكنه من خلق النموذج العام الذي يعيش فيه، وبالتالي تمكنه من التعامل معه بفعالية أكبر لتحقيق أهدافه وخططه ورغباته وغاياته<هناك العديد من المصطلحات المرتبطة بمفهوم الفكر: أهمها الإدراك، الوعي، شدة الإحساس، الفكرة ، الخيال.

الإدراك الحسي: مصطلح يطلق على العملية العقلية التي نعرف بواسطتها العالم الخارجي الذي ندركه وذلك عن طريق المثيرات الحسية المختلفة ولا يقتصر الإدراك على مجرد إدراك الخصائص الطبيعة للأشياء المدركة ولكن يشمل إدراك المعنى والرموز التي لها دلالة بالنسبة للمثيرات الحسية.

الوعي: كلمة تعبر عن حالة عقلية يكون فيها العقل بحالة إدراك وعلى تواصل مباشر مع محيطه الخارجي عن طريق منافذ الوعي التي تتمثل عادة بحواس الإنسان الخمس.

الخيال: هو كل شيء لا يقر به عـقل الإنسان في الرؤيا والتي لا تكون في تصور عقله من عمق معرفته لشيء الذي لا معالم له.

الفكرة: هي كل ما يخطر في العقل البشري من أشياء أو حلول أو اقتراحات مستحدثة أو تحليلات للوقائع والأحداث، فالفكرة هي نتاج التفكير، والتفكير هو أحد أهم ميزات النوع البشري فقدرة الإنسان على توليد الأفكار يترافق مع قدرته على الاستنتاج والتعبير عن النفس، والأفكار هي ما يولد المصطلحات، التي تشكل أساس أي نوع من أنواع المعرفة سواء كانت نوع من أنواع العلوم أو الفلسفة. "الموسوعة الحرة"

الإحساس: هو الشعور بكل ما يدور حولك والتي تميزها عن طريق الحواس الخمس.

ثالثاً: الاتزان الفكري.
مصطلح الاتزان الفكري مصطلح جديد في تراثنا الثقافي والذي تم استخدامه مضافا الى الفكر فمنهم من يعرفه على انه وصف إيجابي لعملية التفكير التي تؤدي إلى نتائج صحيحة, ومنهم من يريد به الفكر المتوسط بين طرفي النقيض أو بين الإفراط والتفريط، فهو عند هؤلاء مرادف للوسطية, ومنهم من يعني بالتوازن الفكري: الفكر الذي هو عليه فأفكاره متوازنة وأفكار غيره مختلة. ونحن نجد ان الكارثة تقع في التعريف الثالث الذي لا يمت للاتزان بأي صلة وهو التعريف الدارج فعليا وتطبيقا في الساحات العربية. ولهذا نشأت الاختلافات الفكرية والمذهبية والعنصرية والحزبية والطائفية وذالك بسبب ان كل طائفة او جماعة يعتقدوا أنهم علي صح والآخرين على خطاء. وعلى هذا الأساس اجتهدت كثيرا لعلي استطع تعريف الاتزان الفكري بطريقة تمنع الاختلافات والصراعات المتسعة في أوساط الشعوب والعربية. وبالتالي نستطيع القول ان, "الاتزان الفكري" هو التعايش مع الاختلافات وقبول الآخرين بمختلف أفكارهم ورؤاهم وتوجهاتهم الفكرية والدينية والحزبية, فالإنسان الذي يحمل الفكر المتزن هو الذي يعي كل الوعي انه يجب عليه ان يتعايش مع أفكار الآخرين وان اختلفت عن أفكاره فقد يتفق معهم في بعضها وقد يختلف معهم في البعض الأخر وعليه ان يتعايش مع تلك الأفكار التي لم يتفق معهم فيها.