الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٣٩ صباحاً

القرارات الهادئة جداً و حكومة الترقيع الوطني ..

صالح السندي
الاربعاء ، ٠٢ مايو ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
ما أشبه حال السياسة اليمنية بحالة مريض يحتضرعلى فراش الموت بعدما اصابتة الجراح وسهام الغدر وعبث العابثين وتسلق المتسلقين و كيد الحاقدين على وطن جريح يأن من اقصاه الى اقصاه , وصار الوطن اشبه ما يكون بعالم مدينة أوكاندو الخيالية في الرواية النوبلية العالمية الشهيرة ’’ مائة عام من العزلة ’’ One Hundred Years of Solitude للمؤلف العالمي غابرييل غارسيا ماركيز , ربما تستمر احداثها بواقعية اكثر في اليمن و تصور الصراع المرير بين المحافظين والاحرار على مدى عشرة عقود من الزمن لن تنفك من حكم العائلة بوينديا وتتوالى الشخصيات والأحداث في ذبح الوطن و ماعلى حكومة الوفاق الا الإسهاب في الترقيع الممل و إعطاء المسكنات والمهدئات لوطن جريح بحاجة لانتشاله من جميع الأمراض والعلل والنهوض به والتحليق به الى آفاق التطور والمدنية الحديثة , فهل نحن بحاجة الى مئة عام اخرى من العزلة الدولية , لتأتي ثورة وليدة قادمة من رحى المستقبل لتحرر الوطن وتنهض به مجددا , وتفك شفرة الوطن التي زادتها التدخلات الاجنبية والخارجية تعقيدا وتشابكا , واصبحت اشبه ما تكون ب ’’ شفرة دافنشي’’ The Da Vinci Code المعقدة المثيرة المليئة بالالغاز والاسرار والخفايا والتي تستدعي مراجعة التأريخ لفك ألغازة التي طالت لعقود طويلة وتم اكتشافها مؤخرا .

وهذا حال اليمن دعوة للتأمل في التأريخ وسطر عناوين المستقبل برويّة وحكمة , والابتعاد عن الهروب السياسي وسياسة التركيع والتجويع والاخضاع لفئات الشعب المختلفة , وما حدث مؤخرا من قرارات هادئة هزيلة يعتبر مدعاة للسخرية والشماتة معا , فكانت ضمنيا في الأغلب قرارات ترقية سخية ومكافئات بمناصب مرموقة للقتلة والمجرمين وناهبي المال العام , وتعيين السفراء والقادة ممن ملفهم حافل بالقتل والإجرام في مراكز حساسة ومؤثرة في الدولة اليمنية , واتضح مؤخرا ان سيل القرارات المنتجة مصابه بداء العضال وشلل الاطفال المزمن وغير قادرة على التحرك بحرية والتنفيذ على ارض الواقع بجدارة , وإن نفذت بطريقه تفاوضية وتسويات سياسية فهي في اطار المكافئة السياسية البحتة , وكسب الرضا والاقناع بالتدوير الوظيفي ودمج عناصر النظام السابق في أطر سياسية مركزية وحساسة جدا , فاذا كان الرئيس السابق بحاجة الى عام كامل من الثورة والتضحيات والإقناع ليتنازل صوريا عن الحكم فكم سيحتاج افراد عائلتة وامبراطوريتة الحاكمة و العسكرية حتى تتنازل كليا عن الحكم بمحض ارادتها , وكم ستحتاج جدلا ان سلمت للقضاء والمحاكمة العادلة .

نحن نقف امام معادلة صعبة جدا وما أشبة الليلة بالبارحة من التسويف والإرهاق والعبث الثوري والمماطلة الحاصلة في اجتثاث النظام كليا وتنفيذ الخيارات الشعبية والثورية , والقرارات الرئاسية المزعومة تلعب دور التخدير والتسكين الشعبي المؤقت لحين اشعار آخر , وتساهم تدريجيا في امتصاص الغضب والتذمر الشعبي بصورة دراماتيكية مخجلة , وتصور الامر للعالم ان هناك تغيرات ما تلوح في الافق , وفي حقيقة الامر ان هناك مؤامرة وتحايل كبير تدار في الخفاء على الوطن والانسان اليمني وتأريخة العظيم , فحتى اللحظة الراهنة كانت القرارات الهادئة هزيلة جدا , ولا ترقى لمستوى التغيير االجذري والمنشود , و تطبخ على نار هادئة في احدى غرف القصر الرئاسي في السبعين , وبعد طول انتظار وصبر يتم تقديمها للرأي العام بانها القرارات الحاسمة والجوهرية , وعلى ذات المنوال والسيناريو المتبع من التمرد والرفض والممانعة لتطبيق القرارات والتنازل وتسليم الألوية والوحدات العسكرية المرافقة لها , يتم التفاوض والمساومة والاستجداء والوساطات بصورة مهينة جدا , و يأتي مبعوث الامين العام للامم المتحدة جمال بن عمر ليكمل الدور الذي بدأه ليحدث التغييرات الدولية ويلوح بالعصا الدولية , ويتدخل سفراء الدول العشر وبعثة الاتحاد الاوروبي والتهديد بعقوبات قوية ضد المتمردين على قرارات الرئيس هادي , ولا ندري في اي بند تأتي هذه العقوبات الدولية هل في المحاكمة على الجرائم التي ارتكبت صراحة , ام في تجميد الاموال المنهوبة من خيرات الوطن والتي تعج بها البنوك الأوروبية ؟

وتكرر المشهد السياسي الدرامي التغييري اكثر من مرة .. قرارات ثم تمرد ثم تنازل ثم مكافئة سياسية باهضة الثمن , ناهيك عن الفترة الزمنية والمماطلة وكسب الوقت , وتبنّت هذه القرارات المزعومة استراتيجية الدوران في فلك العائله الحاكمة وعدم المس بجوهر وصلب التغيير و عدم الاقتراب من الساحات المقدسة للبلاط الحاكم , فكانت قرارات وهمية عن بعد غير صائبة ولا تصيب الهدف بإحكام , تدور في دوائر مغلقة ومخادعة للرأي العام , ولا تتم الا عن اتفاق مسبق بين اقطاب النظام وبعلم الرئيس السابق وموافقته ومباركتة الشخصية , وصاحبت هذه القرارات الهادئة حملة ترقيع وتركيع وطنية كبرى قادتها حكومة الوفاق الوطني بصورة متوازية مع القرارات , وكانت الوسائل الاعلامية خير سلاح للترويج الاعلامي لهذ الحملة ومباركة القرارات بصورة مبالغ فيها , ومن سخرية الاقدار وعجائب الازمان و قبل ان تصدر أية قرارات رئاسية بفترة تبدأ الصحف والمواقع الالكترونية المحسوبة على النظام بشقية الموال والمعارض الترويج لهذه القرارات , وانها ستصدر قريبا قرارات حاسمة وقوية في اعادة هيكلة الجيش والتغييرات السياسية لمراكز ومواقع حساسة , وتستمر هذه الحملة الاعلامية والترويج المقيت , وينتظر المواطن كثيرا لتأتي بعد فترة وجيزة حزمة قرارات رئاسية هزيلة بتغيير قادة الوية او معسكرات او مدراء عموم ونوابهم و تضرب في صميم الخط السياسي الثاني او الثالث من التسلسل القيادي والوظيفي للنظام السابق دون الاقتراب من الصف الأول والقادة الفعليين , و غير قادرة على قطع الرأس و خطف جوهرة التغيير , وحالها كمن فسّر الماء بالماء , وفي الوقت الذي كانت فيه هذه القرارات المضحكة تترنح على المشوار الوطني السياسي , كانت حكومة الوفاق حينها تلعب دور العجوز الذي لا حول له ولا قوة في تحريك البحر واصطياد اسماك القرش وحيتان النظام , كدور الشيخ المسن في رواية ’’ العجوز والبحر’’ The Old Man and the Sea الحائزة على جائزة نوبل للمؤلف العالمي إرنست همنجواي , حين اصبح سانتياغو عجوزا وشيخا كبيرا غير قادرا على اصطياد السمك في البحر , حتى وجد يوما ما سمكة قرش كبيرة فراح يصارعها ليظفر بها وبعد ايام انتصر وفي رحلة العودة يلقى اسماك القرش التي جذبتها رائحة الدم ليتصارع معها وفي النهاية تنتصر اسماك القرش ويبقى هيكلا عظميا فرجة للناظرين ومتعة للسائحين , فهل ستنتصر اسماك القرش الصغيرة وتتكاتف وتتعاون مجددا وتحكم السيطرة على الوطن وترهق حكومة الوفاق بعد سقوط السمكة الأم.

ما اشبه ما تقوم به حكومة الوفاق الوطني من سياسات و حلول ترقيعية بطيئة من انتهاج حقن الموت ’’ الحقن القاتل ’’ Lethal injection في القتل الرحيم وفي الانتحار للوطن , وما تتبعه من ’’ سياسة التجميل ’’ اشبه ما يكون بحقن البوتكس BOTOX التجميلية التي تؤدى الى الشلل التام و الموت المفاجئ , وتجر الوطن باكملة الى النهاية المجهولة و المصير المظلم و الانتحار البطئ تحت طائلة سياسة العقاب الجماعي وتردي الاوضاع الخدمية والصحية والغذائية للمجتمع اليمني , فالارقام الاحصائية المهولة الأخيرة والدرسات النهائية للاوضاع الكارثية اليمنية تكاد تضع اليمن في مقام الدول الفاشلة من تزايد الفقر والبطالة والمجاعة المستشرية وانتشار الامراض والآوبئة في مختلف محافظات الجمهورية , حصيلة ناتجة للضعف والاحتضار السياسي , وانشغال الحكومة في سفاسف الأمور والبعيدة كل البعد عن معاناة المواطنين واحتياجاتهم الهامة , في ظل العبث السياسي الحاصل والتمرد المزعوم لاقطاب الاسرة الحاكمة والفوضي الامنية في ابين والمحافظات الجنوبية الشرقية , وتآمر الخارج والجوار على الوطن اليمني والتلاعب بمصيرة ومستقبلة , ربما سياسة التجويع والتركيع المتبعه حاليا جعلت المواطن اليمني والرأي العام بعيدا كل البعد عن المسرح السياسي وتفاعلات الوطن والاسهام في متغيراته السياسية والوطنية , وهذا ما تريدة الفئات والنخب الحاكمة من الاستفراد بالقرار السياسي و الاستحواذ على منابع وخيرات الوطن وثرواته على حساب الشعب والأغلبية المكافحة , وحتى الآن كان الدور الوطني لحكومة الوفاق دورا سياسيا هزيلا جدا في لمس معانة الوطن واخراجة من عنق الزجاجة التي ساقته اليها , وتجلي ذلك واضحا في القرارات الاخيرة والادوار الموسومة التي تلعبها حكومة الوفاق اشبه ما تكون بادوار عبثية استفزازية وخاسرة , من اعتمادات مالية هائلة لشيوخ القبائل ولبناء الجوامع ومشاريع وهمية واقرار الجرعات السعرية العالية , والتصويت على قوانين عبثية لا تمس الوطن ومعاناته كما حصل مؤخرا من التصويت على قانون الإرهاب النووي ومخاطرة العالمية , بينما الشعب يرضخ تحت ديكتاتورية الحاكم وتفشي الجوع والامراض حكومتنا الموقره تناقش القضايا الدولية والعالمية وتبحث عن حلول ناجعه لها ياللعار , وهي الغير قادرة فعليا على انتشال الوطن من حضيض الاوضاع والسياسات المتردية التي اوصلتها اليه السياسات العاجزة والعابثة بمصير الوطن ككل .

وتداول مؤخرا عن تغييرات هيكلية قيادية قريبة في قيادة الحرس الجمهوري , وربما تأخر البت فيها لحين ايجاد مكانه مرموقة وعالية تليق بقائد الحرس الجمهوري وتسمو لمكانتة وتحوز على رضاة , و ربما في حال عدم القدرة على تغيير الرأس سيحدث التغيير من القاعدة وإعادة هيكلة وغربلة الالولية وتدوير الدفة العسكرية والترسانة الحربية المرافقة لها , بحيث تتغير المسميات فحسب ويبقى الجوهر دون تغيير وتتحول الى الوية عائلية لحماية الرئيس السابق مع الاحتفاظ بالقيادات والقواعد والكوادر المؤهله والمدربة وهذا فعلا ما يتم الدعوة الية مؤخرا , ونستدل عليه من عمليات النهب الممنهجة للآليات العسكرية والعتاد الحربي من وحداتها واعادة دمجها او تهريبها الى مواقع واماكن اخرى تحسبا لتغييرات مرتقبة تبدآ من القاعدة وتتسلسل الى قمة الهرم وتعيد من تكوينها الدفاعي بطريقة منظمة وخفية , فكما تم التزاوج سياسيا بين الحكومة السابقة والمعارضة للتتمخض عنها حكومة الوفاق الوطني , يتم الان بصورة مموهه وشبيهه التزاوج والاندماج العسكري والتغيير الشكلي وتصديره للرأي العام بانه اعادة هيكلة وإقالة , لذا يبدو ان سياسة الاندماج واعادة هيكلة الوطن بكافة مؤسساته الحكومية والعسكرية ليتناسب مع خيارات البقاء للنظام الحاكم , وتغيير المسميات بشقيها السياسي والعسكري والتلاعب بالمصطلحات بمكر و دهاء سياسي عال كان لها مفعول سحري قوي وفعّال جدا في قلب الطاولة الثورية و امتصاص الغضب الشعبي العارم .

وعليه ما نحن بحاجة الية الآن هو صحوة ثورية كبرى , تعيد للثورة الشبابية وهجها وتألقها وسابق عهدها , تتبلور مجددا في إسقاط النظام الحاكم كليا , وهذا ما ساقتة وجرتة الإخفاقات السياسية المتكررة لحكومة الوفاق بالاتجاة الى صحوة ونهضة ثورية وشبابيه وشعبية عظمى , ايقنت مؤخرا ان اسقاط النظام كليا هو الهدف الأسمى و الحل الانسب لمشاكل اليمن وازماتة المتفاقمة , وأن العودة الى اهداف الثورة المجيدة هو الخيار الامثل والافضل لفرض سيطرة الارادة الشعبية والتغيير المنشود , الامور ودون شعور وبفطره وطنية حية وصادقة تتجة الان في هذا الاتجاه في وجود بذور تكتلات شبابية واعية و تيارات شعبية انقاذية مستقلة تسلط الضوء على الساحة الوطنية وتحرك الطاقات الشبابية في هذا الاتجاة لتنقذ الوطن مما هو فيه قبل حين لا ينفع الندم , وما اتسمت به التحركات التوعوية و الثورية الاخيرة والتصعيد الثوري تصب في هذا الاتجاة السلمي والسليم , وطالما هناك وعي وأمل وتصميم و إرادة وعزيمة قاهرة فالتغيير قادم لا محالة .