الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٠٢ مساءً

مستقبل "التعامل" السلفي مع الغرب

عبدالمجيد ناصر علي
الخميس ، ٠٣ مايو ٢٠١٢ الساعة ٠٧:٤٠ مساءً
بعد قيام الثورات الربيع العربي, تقبل الغرب صعود الإسلاميين إلى السلطة في بعض الدول, ولم يكن لديه مشكلة في قبول الإسلاميين, لسبب بسيط انه بممارسة الإسلاميين العمل السياسي يكونوا قد قبلوا للاحتكام إلى المصالح وتخلوا عن الاحتكام إلى الثوابت في الدين, والغرب يعلم بأن السياسة متغير والدين ثابت, والسياسة تنازلات والدين مبادئ لا تنازل فيها!
إذن لاخوف من ممارسة الإسلاميين(السلفية العلمية) للعمل السياسي لأنها حليف قوي للسلطة والدول الغربية, بينما الخوف من الإسلاميين الذين يتخذون العنف منهجا للتغيير والرافضين للعمل السياسي وهو ما يطلق عليهم (السلفية الجهادية) أو (قاعدة الجهاد).

وقد صرح كل من الشيخ المقطري والعامري والحميقاني وغيرهم من السلفيين عند إشهار حزب الرشاد, بأنهم تخلو عن كثير من الثوابت الإسلامية!! من أجل ممارسة العمل السياسي!!

وبالتالي فانه من وجهة نظر الغرب يكون الإسلاميين كالعلمانيين لا فرق بينهم, طالما إن الجميع يؤمن بالحفاظ على مصالح الغرب وعدم معاداته, وليس كما يروج ويدعي الشيخ عقيل المقطري بأن الدول الغربية اقتنعت(مؤخراً) بالإسلام والإسلاميين كواقع يجب التعامل معه لا معاداته كما كان في الماضي!!

ومعاداة أمريكا للإسلاميين في الماضي هي نكته, لأن تاريخ التحالف الغربي الأمريكي مع الإسلام والإسلاميين تاريخ طويل وناصع كالشمس لا يغفل عنه أحد, فالدول الغربية تتعامل منذ عقود طويلة مع زعيمة العالم الإسلامي السعودية ومن يدور في فلكها, والتي قامت بتسخير نفطها ومشايخها الوهابيين, وسلفيي العالم بمن فيهم الزنداني في خدمة أمريكا والغرب, وقدموا اكبر خدماتهم الإسلامية لأمريكا, فأصدرت كل من السلفية العلمية والجهادية فتاوى الجهاد ضد الروس, وقاموا بتصدير المجاهدين, وحرفوا قبلة الجهاد من تحرير الأقصى إلى تحرير أفغانستان من الروس! وأفتوا بان أعظم الجهاد في أفغانستان وليس في فلسطين, كما كنا نظن!!
ولأن الجهاد يكون بالمال والنفس, فقد جاهدت أمريكا بمالها وسلاحها لنصرة الإسلام والمجاهدين! إذن فكيف كانت تعاديهم!!

ولكن عندما احتلت أمريكا أفغانستان لم نسمع من (السلفية العلمية) بالجهاد ضد الأمريكان!
ذلك لأنه بعد خروج الروس من أفغانستان, أضاعت القاعدة بوصلة الجهاد وأضلت الطريق, عندها أصبحت تشكل خطرا على المصالح الأمريكية, فتبرأ السلفيون منهم, وشاركوا الأمريكان في التخلص منهم.

وصحيح إن أمريكا وحلفائها احتلت العراق دون غطاء من المنظمة الدولية, لكن ذلك الاحتلال الصليبي تم بغطاء إسلامي سلفي وهابي, فتم إصدار فتاوى الاستعانة بالأمريكان ضد المسلمين!! وقتلت أمريكا الأبرياء واستباحت ومارست التعذيب بكل أشكاله في أبوغريب بغطاء إسلامي سلفي وهابي!! فأمريكا لا تعادي المسلمين إطلاقا, لأنها لا تخطوا أي خطوة إلا إن كانت تستند للشرع والسنة !!
ثم لماذا كفرت الجماعات الإسلامية حكومة حماس عند فوزها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية, هل كان لخدمة العمل السياسي الإسلامي, أم لخدمة المقاطعة الإسلامية الأمريكية الإسرائيلية لحكومة حماس وقطاع غزة !! فكان المسلمون سباقين للمقاطعة قبل إسرائيل !!

ونحن نعلم إن ممارسة الإسلاميين للعمل السياسي واحتكامهم إلى المصالح لا الثوابت, يلزم الأطراف بالمحافظة على تلك المصالح و محاربة كل من يهددها, كالقاعدة والحوثيين الذين يرفعون شعار (الموت لأمريكا).

لذلك وبعد انتشار العنف وانتهاك الحرمات والتخريب والقتال المسلح للقاعدة وأنصار الشريعة في أبين, فقد أفتى الحجوري رئيس مركز دار الحديث(السلفي) في دماج, بأنه يجوز قتال البغاة في أبين (القاعدة وأنصار الشريعة السلفيين) ودعى إلى قتالهم !!
وبالفعل شارك السلفيين (بمساندة الطائرات الأمريكية) إلى جانب الجيش اليمني في قتال القاعدة وأنصار الشريعة في أبين, لأن موقف الأنصار الرافض للسلم والتهدئة, والرافض للعمل السياسي والحوار يهدد المصالح اليمنية الأمريكية.

وهذه رسالة غزل من السلفيين لأمريكا مفادها, « أننا شركاء معكم في مكافحة الإرهاب», وليس هناك ما يدعو للقلق من صعودنا إلى السلطة, لأننا سنحافظ على مصالحكم, و«سنتعامل» معكم أفضل من عميلكم السابق(صالح), وسوف نفتي ونشرع لمحاربة كل من يهدد مصالحكم!

وهنا تكمن خطورة الإسلاميين السلفيين في تلويث الدين بالسياسة, فهم يلبسون عباءة الدين ويجعلون الإسلام في خدمة أمريكا, وحديثهم عن تطبيق الشريعة الإسلامية هو كلام مضلل, لان صعود الإسلاميين إلى السلطة سينهي التمسك بالثوابت الإسلامية, وستكون الشريعة الإسلامية محل تصويت في البرلمان, بعد أن كانت سابقاً من المسلمات الدينية والثوابت بالنسبة لهم, وسينتهي عدائهم للغرب, وهذا شيء حميد ومطلوب, ولكن الخوف أن يتحولوا إلى كراتين لخدمة أسيادهم أمريكا والسعودية على حساب وطنهم وشعبهم, وعندها سيتحولون إلى حزب (الغي) وليس (الرشاد) كما وصفهم, الشيخ عبدالمجيد الريمي المتشدد السلفي, والذي يحرم العمل السياسي الحزبي للأسباب السابقة.

وفي الأخير فانه من الجهل المعيب استخدام التفسير الديني للعلاقات الدولية كأن يقال إن أمريكا تعادي أهل «السنة» لأنهم متمسكين بالكتاب والسنة ولأنهم يؤمنون بالخلافة لأبي بكر...الخ!!
لا أريد أن أخوض في هذه التفاهات ولكني ذكرتها هنا لأسألهم بناء على منطقهم في التفسير الديني للأحداث الدولية:

هل سيستظل الإسلاميين والسلفيين بظل الروس, ويضعوا أيديهم بيد السفير الروسي للبدء بمرحلة الحوار الوطني على اعتبار إن الروس هم من سيقود الحوار الوطني!!
وهل سيكون أعداء الأمس أصدقاء اليوم, وسيكون هناك انفتاح سلفي على الكرملين خصوصا بعد أن رأينا الآنسي في موسكو ضمن وفد اللقاء المشترك العام الماضي, وما هو التفسير الديني لهذا الحدث العظيم؟

إذن كان حديث المقطري عن اقتناع الغرب بالإسلام والإسلاميين, الغرض منه التسويق لعلاقات الشراكة القادمة مع روسيا الشقيقة وأمريكا الصديقة, تمهيداً لسرقة الثورة وحصد الأصوات المؤيدة لهم والحصول على مبتغاهم في السلطة, وهذا يوضح مستقبل التعامل السلفي مع الغرب بشقيه الأمريكي والروسي فهم يطمحون أن يكونوا شركاء مع الأمريكان في مكافحة الإرهاب, وحلفاء مع الروس في بناء اليمن الجديد!!

إن ثورة التغيير ليست لتغيير (نظام بدل نظام) بل هي ثورة أخلاق وقيم وفكر وسلوك وثورة لتغيير الخطاب السياسي والديني, ثورة لقبول الأخر والعيش معه, ونبذ سياسة التهميش والإقصاء والنفي والتحريض وعدم إذكاء نار الفتنة في خطاباتهم السياسية لان ذلك لا يخدم مرحلة بناء اليمن الجديد والدولة المدنية الحديثة.

فان أراد السلفيون ممارسة العمل السياسي فان عليهم, عدم تلويث الدين بالسياسة, وعليهم إعادة هيكلة خطاباتهم بما يتلائم مع ثورة التغيير, وعليهم اعتماد الشفافية وعدم تدوير خطاباتهم القديمة, لأن ذلك ينبئ عن نوايا سيئة وغير حسنة إطلاقاً, وعلى الشباب التنبه والوعي والإدراك لهذا الأمر جيداً حتى لا تسرق ثورتهم من قبل رجال الدين وباسم الدين...