الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:١٥ مساءً

نعشق اللحظة الأخيرة !

أحمد مصطفى الغر
السبت ، ٠٥ مايو ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٥٠ مساءً
لسبب ما قد ترسخ فى أذهاننا ــ نحن العرب عموما ــ ألا نتحرك لاتخاذ قرار هام أو خطوات جادة فى أمر ما إلا فى اللحظات الأخيرة ، نبدو دائماً وكأننا فى غفلة من كل أمر إلا حينما تحين لحظة النهاية فننهض فجأة .. وبتسرع أهوج نتخذ قرارتنا على إستعجال ، قليلة هى المواقف التى نجد فيها أن الحكومات العربية قد إتخذت قراراً صائباً فى وقت مبكر ومناسب و بعد دراسة مستفيضة للأمر دون إهدار الكثير من الوقت.

على سبيل المثال لا الحصر ، تحركت حكومات العرب ونهضت من غفلتها عندما بات السودان دولتين ، فصارنا لا نعرف هلى نؤازر الشمال بإعتباره مازال باقياً على عهده كونه وطناً عربياً ، أم الجنوب بإعتباره دولة وليدة وجارة علينا أن نكتسب علاقات جيدة معها ، بالتأكيد كان السودان فى أمس حاجته إلى الأشقاء العرب كى يساهموا بشكل أكثر فاعلية فى منع تقسيمه و الإبقاء على الدولة دون تفتيت ، فى مصر أيضاً كان لدى مسئوليها عشقاً بألا يتخذوا أى قرار بشأن أزمة دول حوض النيل و رغبتهم فى إتفاقية إطارية جديدة لتقسيم مياه النهر ، المشكلة أن التعامل المصرى فى ظل حسنى مبارك هو مقاطعة مفاوضات تلك الدول ، فبدلاً من عرض وجهة النظر المصرية و تكثيف العمل الدبلوماسى لجعل تلك الدول تعدل عن تلك الرغبة التى ستضر أبلغ الضرر بمصر والسودان ، ذهبت وسائل الاعلام الرسمية والصحف المحسوبة على النظام إلى تعتيم الحقائق عن الشعب بشأن الأمر ، بل تجاوزت إلى إلصاق بعض التهم ببعض تلك الدول بأنها مخترقة أمريكيا وإسرائيلياً ، قد يكون هذا صحيحاً ــ ولعله فعلاً صحيحاً ــ لكنه قد أثار رأياً مضاداً فى تلك الدول وأفقدنا الكثير أكثر مما دعمنا ، لقد كانت تلك الدول فى حاجة إلى مصر ودعمها فى الماضى و عندما أدارت مصر وجهها لافريقيا ولتعرها اهتماماً كان من الضرورى أن يبحث قادتها عن شركاء جدد ، أياً كانوا هؤلاء الشركاء !

عشق اللحظة الاخيرة ظهر جلياً أيضاً عندما ظل الرؤساء العرب مثل : حسنى مبارك ومعمر القذافى فى مماطلة شعوبهم المطالبة برحليهم ، فمبارك على سبيل المثال لم يكن ليظهر أبداً متحدثاً لشعبه إلا ــ ربما ــ عندما أخبروه بأن المتظاهرين لن يتركوا الشارع بالرغم من كل ما إستعملته القبضة الأمنية لمواجهة التظاهرات ، قرر أن يخرج من بياته الشتوى ليلقى خطاباً مخيباً لكل الآمال ، ثم ظهر مستعطفاً الشعب .. أيضاً بعد غياب و فى لحظات متأخرة من ليل مصر بحسب توقيتها ، ولعل بشار ينتهج فى أيامه الأخيرة فى الحكم الان سلوكاً يشبه بشكلٍ أو بآخر ما كان يفعله مبارك ، ظهور ضئيل دون جدوى مما يقوله ، و رد فعل غاضب من مستمعيه سواء فى الداخل أو الخارج ، ولعل هذا ما يجعلنى أشعر بأن نهاية بشار ستكون شبيهه أكثر بنهاية مبارك.

لقد إعتدنا ألا نتحرك إلا بعد أن تتأزم الأمور ويصبح من الصعب التعامل مع بدائل الحلول إن كانت متاحة ، وعندما تحين اللحظة الأخيرة ينتفض متخذ القرار فجأة ليتفوه بما يختر بباله ، ولعل هذا ما جعل القذافى فى أحد خطاباته المطولة يتسأل الثوار من شعبه "من أنتم؟!" ، كثيرون إعتبروا سؤاله إستنكاراً لوجودهم وثورتهم عليه ، لكن لدى قناعة بانه لم يكن يعرفهم حقاً ، فصحيح أنه قد حكم ليبيا لأكثر من أربعين عاماً لكنه هل يعلم أحد منذ كم عام قد سأل على شعبه الذى يحكمه وتفقد أحوال شعبه و مشكلاتهم وإطلع عليها ؟!