الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٤١ صباحاً

وحدة الانفصال وجمهورية كريتر..!

د . أشرف الكبسي
الأحد ، ٠٦ مايو ٢٠١٢ الساعة ٠٧:٥٠ مساءً
بينما تتطابق المطالب الحقوقية للحراك السلمي الجنوبي (المعتدل) مع المرجعية الثورية التي رفعت شعارات الوحدة والعدالة والمساواة والإنصاف للجميع ، جاءت الاصوات المطالبة بالانفصال وفك الارتباط ، لتزعزع وحدة المرجعية الثورية ، وتربك بوصلة توجهاتها الوطنية ، مكونة ثقباً اسوداً يعمل على خلق مسارات مغلقة ، تدور في فلكها الرؤى والطموحات ، مقتربة شيئاً فشيئاً نحو المركز، مهددة بالسقوط إلى جوفه اللامتناهي..!

فالوحدة لم تكن يوماً نتاجاً لوثيقة سياسية أو حرب عسكرية كما يحاول أن يصورها البعض، وإنما كانت ومازالت إرادة شعبية ووجهة وطنية حرة ، تبنتها كل حركات التحرر والنضال في اليمن عبر تاريخه ، رغم كل ما علق بواقع تحقيقها من ادران السياسة وطفيليات الفساد..!

لقد كان اليمنيون – كل اليمنيين – يدركون طبيعة الصراع السياسي القائم بين فرقاء التوقيع على وثيقة الوحدة في العام 1991م ، وكلهم أمل في أن يتمخض عن ذلك العراك ، ميلاد نظام سياسي أفضل من سابقيه وأكثر قبولاً ، يحقق للدولة اليمنية الواحدة آمالها ولشعبها الواحد تطلعاته في العيش الحر والكريم...

وقد بدا واضحاً تنامي الإرادات الشعبية والجماهيرية في المحافظات الشمالية – خلافاً لقوى النفوذ التقليدية- لدعم ونصرة ما اعتبروها قوى حداثية ، هبت رياحها التغييرية من جنوب الوطن ، فهي ترفع شعارات الدولة المدنية ، وتنادي بتقليص سلطة الحاكم الفرد ، ولكن إعلان الانفصال المفاجئ والمشئوم في العام 1994م، كان بمثابة خذلان للذات وللمشروع الوطني الجامع ، وهروب من الإستحقاقات الوطنية ، مما قلب الطاولة في ميزان القوى رأساً على عقب ، وآلت الأحداث إلى ما آلت إليه...

فتركزت السلطة والثروة والنفوذ في أيادي حفنة من المقربين والمنتفعين من مختلف بقاع الوطن ومحافظاته، من الشمال والجنوب من الشرق والغرب ، وعلى الرغم من امتداد تأثيرات سياساتهم التدميرية الفاسدة لتطال كل من عداهم وبجرعات مختلفة، إلا أن البعض من اهلنا قرأ نصف المشهد فقط ، فوجد فيها استهدافا للجنوب دون سواه، وصار البعض – ظلماً وبغير انصاف- يرى في الوحدة مفسدة يتوجب درأها بالانفصال ، وهم بهذا – بوعي أو بدون وعي – كمن يسعى لاسترداد الحقوق عبر معاقبة النفس وجلد الذات ، في تكرار واضح لسيناريو الانهزاميين الأوائل اللذين تخلوا يوماً عنا وعنهم ، وجعلوا من الوحدة تلك الشماعة التي علقوا عليها تبعات اخطائهم ومسئولية انهزاميتهم..!

وإذا كان الحراك في الجنوب قد وجد مبرراً فيما اعتبره سكون الشمال السلبي خلال السنوات القليلة الماضية ، ليختزل نشاطاته ونضاله في المطالبة بحقوق اهلنا في الجزء الجنوبي ، متجاهلاً حقوق مهدورة في كل شبر من الشرق والغرب والشمال ، إلا أنه وبقيام الثورة الشبابية الشعبية مؤخراً ، لم يعد ذلك المبرر قائماً ، وتطلعت العيون والقلوب إلى تحول ذلك الحراك الجزئي – بمختلف توجهاته - إلى صدارة المشهد بل وقيادة الحراك الوطني الشامل ...

وإذا كان من المسلم به لدى الجميع عدالة القضية الحقوقية لأبناء المحافظات الجنوبية ، وجعلها مشروعاً يتربع على قمة أولويات الضمير الوطني في توجهاته نحو الإنصاف ورفع المظالم وإعادة الحقوق ، إلا أن سعينا للحفاظ على الوحدة يجب أن لا يجرنا للوقوع في خطأ الاستجداء اللاواعي والابتذال العاطفي لتجميل ماهو قبيح ، ولكن عبر الخطاب الموضوعي المنصف والمتزن الذي يفرق بين الوحدة القائمة بالفعل بوصفها مصلحة وطنية جامعة (ثابت) وبين إدارة الوحدة باللامركزية أوالفيدرالية أوغيرها من الخيارات (متغير).

إننا وإذ نخاطب أنفسنا اليوم ، نخص بالخطاب الضمير الواعي لأهلنا في الجنوب فنقول : إذا تم رد الإساءة – وإلى غير اهلها- بالإساءة فمتى ستنتهي الإساءة ..!

ألم يأن الأوان أن تكون الإرادة الشعبية والوطنية الحرة هي من يمتلك زمام المبادرة في اتخاذ قرارات المصير عوضاً عن التبعية لخلافات ومهاترات النخب والزمر السياسية المهترئة ، أليس من الحكمة – ونحن اهلها – أن يتغلب صوت التسامح والوئام الشعبي على صوت الكراهية والنزاع الحزبي والفئوي والمناطقي ، أليست تلك النخب والقوى السياسية – في مجملها – هي بعينها من صادر إراداتنا الوطنية ، وقدم لنا وبإمتياز نماذج للحكم الفاسد سواءً في عهد التشطير أو بعد تحقق الوحدة والتي – بذنبهم لا بذنبها- لم نعش جميعاً خيرها حتى يومنا هذا...!!

نعم ... لنتحد جميعا مع الانفصال ...ولكنه انفصال عن مظاهر الحكم القمعي الفاسد ، وعن قوى النفوذ من مغتصبي الحقوق والأراضي أينما كانوا وكانت ، ولنكن جميعاً مع الانفصال عن مسببات الحقد والكراهية بين أهل البلد الواحد ، ونحن وبلا شك مع فك الإرتباط عن التخلف والفقر والتعصب السياسي والقبلي والمذهبي والطائفي...

وإذا ما سلمنا – جدلاً- بإنفصال الجنوب ، فإننا نعلم يقيناً أن تلك النزعة الانفصالية المتطرفة لن تتوقف يوماً ، وأن الانفجار التشطيري سيستمر في تشظية الوطن أرضاً وشعباً وإنساناً ، وليس ببعيد – في هذا المنظور - أن نسمع في المستقبل القريب أصوات تطالب باستقلال جمهورية كريتر وترسيم حدودها مع سلطنة المعلا..!