الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٢٤ صباحاً

إعلانات زمان !

أحمد مصطفى الغر
السبت ، ١٢ مايو ٢٠١٢ الساعة ٠٧:٤٠ صباحاً
من كان يتابع إعلانات التليفزيون فى الفترة الأخيرة لنظام مبارك كان ليجد أنها فى منتهى السذاجة، بل تستخف بعقولنا ولا تحترم أوضاعنا الاجتماعية والاقتصادية على حد السواء، فعلى سبيل المثال (لا الحصر): كنت ستجد فى إعلانات الوقاية من انفلونزا الخنازير التى أعدتها وزارة الصحة المصرية فى حينها .. ستجد المعلق الصوتى يخبرك بالآتى: عند إصابة أحد أفراد الأسرة بالمرض يجب عزله فى غرفة مخصصة به ومنعزلة (وأنا لا أعرف كيف يمكن ذلك؟ إذا كانت الأسرة المصرية فى الأساس تملك غرفة واحدة تمثل المنزل بالكامل.. بل البعض يسكن فى عشش وأحياء تشبه أحياء الصفيح التى فى الهند ، هذا بخلاف سكان المقابر من الأحياء و ليس الأموات )، ويخبرك المعلق أيضا : بأنه يجب تهوية جميع أرجاء المنزل وفتح منافذه للتهوية (ومرة أخرى كنت أتسأل: كيف يمكن ذلك؟ إذا كان المنزل الذى هو عبارة عن غرفة واحدة مفتوح من جميع جهاته، بل إن أهله يتمنون لو أنهم يستطيعون سد منافذه كى يسترهم... ) ، والأهم من ذلك وذاك هو طمأنة المعلق لك فى بداية الإعلان بألا تقلق إذا أصابك المرض ولا تظن أن كل انفلونزا هى انفلونزا الخنازير، و أرى فى ذلك سذاجة غريبة، فكيف تطمئن الناس بشكل يجعلهم لا يهتمون بمرض على حساب مرض آخر، رغم أنه من المعروف أن الأنفلونزا العادية خطيرة هى الأخرى وليست بالمرض السهل، أعتقد انه كان من المفترض أن يخبرك أيضا بأنه من الضرورى أن ينام كل شخص فى غرفة منفصلة ويستخدم أدوات شخصية منفردة كفرشاة الأسنان والفوط والأطباق والملاعق والشوك والسكاكين ومستحضرات التجميل أو اى أدوات شخصية أخرى.

وحتى لا تستنكر كلماتى وتقول إن هذا فعلا ما يجب فعله.. أذكرك بأن هذا الكلام صحيح فعلا، وقد درسناه معا (أنا وأنت ومعظم أبناء الشعب كذلك) فى أحد صفوف التعليم الأساسى، إن لم يكن كلها، ولكن يجب مراعاة أن الشعب يعيش فى غالبه تحت خط الفقر أو قريب منه ، فغالبية الناس لا تنتمى إلى الطبقة الارستقراطية وإنما إلى الطبقة الكادحة والمطحونة، يعيشون على الحديدة (كما نقول فى التعبير العامى)، بل إنهم قد باعوا الحديدة أيضا كى يتمكنوا من سداد الضريبة العقارية التى إبتدعها الوزير الهارب حاليا / يوسف بطرس غالى ، تلك التى وضعها كى يرهق بها الشعب أكثر فأكثر فى محاولة منه للحصول على الكنز الذى يمتلكه الشعب المصرى ، فالشعب فى عهد مبارك كان يحيا على مبدأ " القناعة كنزٌ لا يفنى " .

و بالمناسبة كانت الضريبة العقارية كانت عن الغرفة الواحدة التى تمثل المنزل بأكمله ، قبل ان يهتدوا إلى أن يجعلوها عن منازل و قصور الأغنياء فحسب ، لكن حتى بعض أبناء الشعب كانت ستواجههم مشكلة اخرى ، فما ذنب مواطن سافر إلى الخارج كى يعمل وقضى ما يزيد على نصف عمره يعمل بكفاح حتى يأتى ومعه "تحويشة العمر كله " كى يشترى بها منزلاً فخماً يقضى به سنوات عمره المعدودة و المتبقية ، هل ذنبه أنه سافر و ذاق الذل و عاد كى يموت على أرض وطنه ؟ ، أم ذنبه أنه أراد أن يعيش كإنسان يشعر بقيمته حتى ولو كان ذلك لمدة وجيزة متبقية من عمره ؟ ، يا صديقى لا تعتبر هذا نقداً لفرمانات الحكومة السابقة أو حتى لاحقاتها بعد الثورة ، فأنا مازلت أتذكر جيداً وائل الابراشى عندما رفع وزير المالية السابق قضية ضده ، لمجرد انه أبدى رأياً صريحاً فى موضوع الضريبة العقارية .

أعرف اننى ربما أكون قد آذيتك بتذكيرك بأشياء كهذه من عهدٍ بائدٍ مضى ، لا يتمنى أحدٌ منا ــ سواء انا او أنت ــ أن يعود ، لكنه قد بات جزءاً لا يتجزأ من تاريخنا ، والتذكير به مطلوب .. كى يعى اللاحقون فى الحكم أن الشعب مهما كان لديه من فضيلة الصبر و قوة الاحتمال فإنه يثور !