السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:١٢ صباحاً

قراءة في (شرعنة التدخل الأمريكي)

صالح السندي
الأحد ، ٢٠ مايو ٢٠١٢ الساعة ٠٦:٤٠ صباحاً
تعقيباً على مقال نشرته بعنوان (تداعيات الإحتلال الأمريكي لليمن) وضعت فيه نظرة مستقبلية وحوارية عن مخاطر وأبعاد دخول القوات الأمريكية الى اليمن , وتدخل الإدارة والسفارة الأمريكية في الشأن الداخلي اليمني , وحين تابعت التعليقات وردود الإفعال ونقاط الحوار التى دارت على الموضوع مع نخبة من الشباب والمفكرين هالني بشدة فئة او طائفة من مشاركي الحوار عن القبول بالتدخل الامريكي كفكرة مستباحة وفريضة وطنية واجبة , بل و(شرعنة)التدخل كفلسفة دفاعية وعقيدة هجومية لإجتثاث خطر القاعدة كتنظيم يجب القضاء علية بكل السبل والإمكانيات المتاحة الشرعية والغير شرعية , حتى وان كانت من قبيل الإحتلال عبر التدخل الامريكي الغربي بكل صورة , ولاننا نتحدث هنا عن اليمن كدولة ذات سيادة وقانون , ولما تتمتع به من الخصوصية الثقافية والإجتماعية بل والتمسك بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف المتأصل في عمق الثقافة اليمنية والإجتماعية من رفض التدخل الاجنبي والإستعانة بالقوة الخارجية لقتل المسلمين تحت أية مسميات كانت .

ولإن الموضوع في حد ذاته كان شائكاً وخطيراً و متمركزاً على سقوط عدد من الضحايا والمواطنين الأبرياء في خضم احتدام حدة المواجهات , سلطت فيه الضوء على حرمة قتل المدنيين من الاطفال والنساء في تلك الحملات الهجومية التي تشنها القوات المتحالفة ضد التنظيم في ابين ومناطق الصراع الملتهبة , إلا ان استنفار الوعي الباطن للوطن المكلوم لم يأت بالنتائج المثمرة في اطار الحملة الوطنية لإستعادة السيادة اليمنية والإستقلال والحفاظ على اليمن من تدخلات القوات الأمريكية , والقبول بهذا المنطق الغريب بل والدعوة الية جزافا من قبل اكثر الشباب والحزم المثقفة يجر الى ويلات وخيمة جدا من حدوث طفرة استثنائية في تفكير الشباب وعن ثقافة جديدة وليدة وافدة على العقول الوطنية الخصبة ان لم تكن من باب الغزو الفكري والثقافي الممنهج , وهذا ما يضع النموذج العراقي وربما الافغاني مثالا صارخا لإستعانة بعض ابناء تلك الدول بالتدخل الامريكي وحلف الاطلنطي وما تبعة من ويلات وكوارث وازمات متعددة وسقوط آلاف من الضحايا والأبرياء في صفوف المواطنين والمدنيين .

وان كان سوق الأعذار الواهية والحجج الضعيفة المتبناة لأكثر الشباب حاملي هذا المشروع والفكرة الغوغائية النابعة من قناعات غير وطنية , او ناتجة عن قصور وفتور في التفكير المنطقي والذهني السليم , تدق نواقيس الخطر وتستنفركوادر الوطن ومثقفية الى المضي قدما والبحث عن جوهر المشكلة العالقة في التفكير بل وبحث وإيجاد حلول مناسبة وجذرية عن الهوية الوطنية وإعادة التأهيل العالي , وسلامة التفكير وجس نبض الانتماء والحس الوطني لدى الكثيرين , للعودة بالوطن مجددا الى مراتب العزة والشرف والريادة , وتبنّت اكثر المجموعات المشرعنة للتدخل الامريكي كسياسة واعدة ومنهج لا يمكن الحياد عنه الحديث عن ضعف امكانيات الدولة العسكرية تارة في مواجهة التنظيم , وعدم القدرة على اجتثاث التنظيم وتحرير المناطق الواقعه تحت سيطرتة تارة اخرى بل وتركت المجال فسيحا للمبارزة الفكرية والمناقشة الحوارية عن الرؤى الفلسفية الدينية المتاحة في شرعنة التدخل لدرء المفاسد والأضرار عن الوطن الحبيب , و هذا مالم نسمع به في الثقافة الدينية أبدا , ومالم ينطق به عالم او داعية يمني او يتم الإفتاء به في هذا الشأن , فإنتهاك الأجواء اليمنية مرورا من شمال الشمال حتى أقاصي الجنوب الحر , واستباحة الأراضي والبحار الاقليمية اليمنية , بدعوى القضاء على تنظيم القاعدة لا ينفي الحق في إختراق السيادة والإستقلال وإنتهاك الثوابت الوطنية .

فالدولة اليمنية قادرة وبكفاءة عالية على مواجهة خطر التنظيم بقوة وجسارة وحيدة ودون مساعدة من احد , هذا في حال توافرت النوايا الحسنة الصادقة والتحركات الجادة ووحدة الصف والإلتفاف الى الوطن , لكن إنه من غير المنطقى والمعقول الإستعانة بامريكا والقبول بنشر قواتها وعتادها البري واختراقها للآجواء اليمنية وضرب مواطن وبؤر القاعدة ومن عمق الأراضي اليمنية ومن بين ظهرانين السكان , وتقديم المواطنين الأبرياء ككباش فداء وضحايا للهيمنة والتسلط الأمريكي بحجة الخلاص من القاعدة , فهل ستدفع اليمن بأهالي ابين وجعار وزنجبار ومأرب وشبوة والبيضاء ثمنا رخيصا للخلاص من القاعدة ؟ وهل سينتج عن إراقة هذا الكم الهائل من الدماء الزكية كرامة حقيقية للوطن ؟ وعن اي وطن نتحدث ونصبو اليه وعن اية كرامة وطنية نسعى اليها في ظل هذا العدوان الغاشم على الوطن ككل !

إن الدور الذي يلعبة (المشرعنون الجدد) للتدخل الاجنبي في اليمن اشبه بحصان طروادة لإسقاط الوطن في براثن الاحتلال والاستعمار البغيض مجدا, وتقديم الوطن هدية على اطباق من ذهب للخارج , لرسم سياساته المستقبلية والتدخل في مصيرة وقراراتة السياسية السيادية , -وبقصد او بدون قصد- ان الدعوة التي ينتهجها اكثر المفكرين الجدد لشرعنة التدخل الأجنبي السافر في اليمن يضع رؤية ودراسة جدية عن الأبعاد والمآلات التي ستؤول اليها الأمور مستقبلا , بل والذهاب اكثر من ذلك الى النظر عن سياسات الغد وعن الشخصيات التي ربما ستمسك زمام الأمور ومقاليد الحكم مستقبلا تحت المظلة الامريكية والعباءة الدولية , وهذا ما يعيد الى الاذهان دخول الحكومات العراقية المتتابعة على ظهر الدبابة الأمريكية وبقوة السلاح , بحجة القضاء على النظام العراقي البائد بمزاعم امتلاكة اسلحة الدمار الشامل وخطر تنظيم القاعدة , وما نحن بحاجة اليه هو البحث عن بواطن الأمور وأسرار وخفايا الحملات الإعلامية المتكررة , والتي أصبحت ظاهرة للعيان واكثر جرأة بشرعنة الإحتلال والتدخل والدعوة اليه ومساندتة وبأيادي وكوادر يمنية خالصة , بحيث لا يمكن السكوت عليها , يضعنا مجددا هنا للسؤال بقوة عن مصادرها ومن يقف ورائها ومن يمولها ومالهدف منها ؟ وكيف يتم زرعها كثقافة حية ووليدة على المجتمع اليمني وعاداتة وتقاليدة الإسلامية السمحة .

واستخدمت هذه الفئة المظللة الدخيلة على الثقافة اليمنية مختلف الوسائل وشتى السبل لنشر هذه الافكار والتصورات والرؤى بعزم وقوة مستفيدة من تقنية وتكنولوجيا المعلومات والانترنت في سرعة انتشارها وتوسعها , واصبحت مرتعا خصبا لترويض الوعي و العقل الباطن والثقافة اليمنية للقبول بالخارج والإرتماء في احضانة ودون تردد , وان بدأت الدعوة في هذا المضمار كفكرة سلبية جدا ودخيلة على مجتمعاتنا الا انها بدأت تكبر مع الايام وتنمو بغزارة شديدة , ويتم استقطاب اكثر الشباب والكوادر اليها بسرعة منقطعة النظير , بل وانتهتجت اكثر الاقلام الصحفية مؤخرا سياسة الانجذاب الشديد اليها والترويج لها ودون شعور مستلهمة من اضرار تنظيم القاعدة وجرائمها الاستثنائية بحق الانسانية الدافع والعامل الرئيسي للترويج ونشر القبول بالتدخل الاجنبي , وربما هذا ما ستكتشفة مؤخرا هذه العناصر المأجورة والمغرر بها , ان الدعوة ببساطة الى التدخل سيتبعها مرارة سنين طويلة من الإنتظار للتخلص من شوكة التدخل الأمريكي , والأمثلة الحية عديدة جدا وليست بحاجة هنا للذكر والتذكير , وحينها لن ينفع الندم والإستجداء لاحقا في الدعوة مجددا الى تحرير الأرض والإنسان من الهيمنة الامريكية .

وإن كانت امريكا تلعب أدوارا مزدوجة في اليمن في التعامل والقبول ببقاء افراد النظام السابق في الحكم , والدعوة المعاكسة الى فرض عقوبات على معرقلي المبادرة الخليجية والمتمردين على قرارات هادي , مستفيدة من تناقضات السياسة المحلية وتخبط الزعامات الحزبية والمستقلة وترنح الثورة في تحقيق اهدافها , لتفرض هيمنة الأسرة الحاكمة وقيادات الحرس الجمهوري والأمن المركزي في ادارة اللعبة الساسية في مواجهة تنظيم القاعدة , خاصة بعد سلسلة التدريبات العالية والمهارات الفذة التي كلفت الخزانة الامريكية الملايين الطائلة لتدريب هذه الوحدات لفرض قوتها في حربها المزعومة مع القاعدة , هنا يجب الرؤية بعين البصيره والحكمة عن العلاقة السرية والغامضة وتبادل الأدوار بين الثلاثي المثير للجدل , تنظيم القاعدة والنظام الأسري والإدارة الأمريكية , فان كانت القاعدة نتاج القصر الرئاسي والحكم سابقا , وتلك الورقة الخطيرة التي طالما لوح بها صالح مرارا و مهددا في آخر خطاب له قبل تنحية عن السلطة , يظهر ان خلافات حادة حصلت بين شركاء الأمس صاحبة تعنت وتمرد ضد الادارة الامريكية من قبل صالح حين وقفت الادارة الامريكية عاجزة عن ايجاد وضعية معينة ومناسبة ومخرج آمن له ولأركان نظامة , ووقفت حائرة بين الحفاظ على مصالحها من ناحية ممثلة ببقاء ووجود النظام السابق وبين مواجهة الثورة الشعبية العارمة وخيارات التغيير , خيارات صعبة جدا وقفت في طريق الادارة الامريكية كان افضلها حلا إستبدال صالح بهادي كعنوان وحيد للمرحلة القادمة للسياسة الامريكية مع الحفاظ على وجودها ومصالحها وسياساتها المتبعة , وبهذا ضربت عصفورين بحجر فمن ناحية تم اسكات الشارع وامتصاص الغضب الشعبي ومداراة الأحزاب للوقوع في فخ التسويات والمفاوضات , والإفلات من موجة انتقاد الرأي العالمي , ومن ناحية اخرى تم تثبيت التواجد بشكل اكثر قوة من ذي قبل .

وان كانت القاعدة صناعة أمريكية فعلا , وسببا قويا لتثبيت وجودها في الدول المعنية والغنية للتمركز على حقول النفط ومصادر الغاز للسيطرة على منابع الطاقة لتمويل الخزانة الامريكية , وتعويض الإفلاس لتقوية الاقتصاد الامريكي المنهار , فحقيقة ما حصل الآن في هذه العلاقة المزدوجة بين القصر والقاعدة والإدارة الامريكية , هو تمرد جسور للغاية و غير معلن على بيت الطاعة الامريكي من قبل صالح واستفادتة من ورقة القاعدة لإثارة غضب امريكا ربما لحسابات سياسية سابقة خاصة , وإثباتا للذات والوجود , وربما لكسب حصانات وضمانات غير معلنة بالكف عن فرض عقوبات ما , ومن ناحية اخرى فتح الباب على مصراعية للقوة الامريكية بالتوغل في الوطن اليمني للحفاظ على مصالحها الإستراتيجية في المنطقة , ويؤكد هذه النظرية وبقوة التأخير الحاصل في مزاعم هيكلة الجيش خاصة ما يمس قوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي والألوية والوحدات التابعة لها , والدعوة الإستباقية الى حوار وطني شامل , بل وإخفاقات حكومة الوفاق المتكررة , مما حذا ب باسندوة يوما ما الإعلان صراحة عن عدم معرفتة بالضربات والغارات الأمريكية لطائرات بدون طيار وعدم اخذ إذنه وموافقته المسبقة عليها .

إذن الخطط العملية للسياسة الامريكية في اليمن قد تكون اكبر من حكومة با سندوة ومن الرئيس هادي نفسة , هناك خلاف حميم وعتاب ودي بسبب تباين المصالح بين الرئيس السابق والادارة الامريكية استخدم فيها صالح ورقة القاعدة للخبطة ونسف الأوراق السياسية وقلب الطاولة على حكومة الوفاق واعادة الامور الى المربع الاول , استفادت امريكا منها في التدخل وبقوة واكثر من عهد صالح نفسة, وهذا مالم يحدث في فترة حكمة , حين قبلت الحكومة الحالية في السماح لها بالتجول بحرية اكثر وبصورة رسمية واستفزازية في ربوع الوطن , اذن الدعوات الى شرعنة التدخل في هذا المضمون وضمن هذا الاطار دعوات خاطئة جدا يجب الوقوف ضدها وبقوة وتوضيح أبعاد الحملة الإعلامية ومخاطرها, ومخاطر التدخل الأجنبي , ونشر الثقافة الوطنية الحرة الواعدة التي تنسجم وتتناسب تماما مع تعاليم ديننا الاسلامي الحنيف بما تحافظ على الوطن وإستقلالة وكامل سيادتة على اراضية , وبما تعلي من شأنه وتعيد له مكانتة التأريخية بين الأمم ..