الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٢٦ مساءً

رسائل مفتوحة إلى عناصر التيار الوطني المعتدل

طارق الحروي
الاثنين ، ٢١ مايو ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
- أود في البدء الإشارة إلى أن مرجعية هذا الأمر برمته تعود إلى شعور وطني وديني وأخلاقي وأدبي عارم، يجتاح خلجات نفسي ليل نهار، يدفعني المرة تلو الأخرى إلى الخوض في هذا المعترك، باعتباري مواطن عادي في هذا البلد العظيم منحه الله جل في علاه نعمة لم يمنحها إلا للقلة القليلة من عباده، إلا وهي نعمة القلم التي أدعوا الله تعالى في كل لحظة أن أسخرها في كلمة ووقفة حق يرضى بها عنا وعن أمة الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة واجل التسليم، ويثبتني عليها واستغفره تعالى على الدوام.

- من نافلة القول قد يقول قائل لماذا الحوثيون؟ وما موقفك منهم ؟ ولماذا كنت دقيقا بقولك عناصر التيار الوطني المعتدل؟ وما طبيعة مضمون الرسالة التي تريد أن تبعثها إليهم ؟ ولماذا في هذا التوقيت تحديدا ؟

- أرد بالقول أن الحوثة هم فئة من فئات الشعب اليمني لهم حقوقا علينا مثل ما عليهم واجبات لنا كغيرهم من فئات الشعب اليمني؛ تفرضها شريعتنا الإسلامية السمحة، حتى وإن كنا نختلف معهم فيما هم عليه، لماذا ؟ لأن الهدايةة والضلالة بيد الله يحكم بيننا فيما أختلف فيه من الحق يوم القيامة، أما نحن فلدينا شريعة واضحة المعالم وعميقة الجذور ومن ثم التفاصيل إلى حد كبير، وبالتالي فلسنا بحاجة إلى الخوض في هذا الأمر أكثر من ذلك.

- ومما لا شك فيه بهذا الشأن أن الحوثة، منذ أن أصبحوا رقما له شأنه في المشهد السياسي اليمني قد أثاروا الكثير من الملفات الشائكة والمعقدة منذ العام 2004م، سيما بعدما حققوه من نجاحات باهرة في وضع الكرة كلها في ملعب النظام باتجاه استنزاف قدراته ومن ثم إضعافه وليس إسقاطه ضمن إستراتيجية التيار الانفصالي المعدة لمثل هذا الغرض سلفا وعلى أعلى المستويات الداخلية والخارجية التي ظهرت واضحة بأدق تفاصيلها منذ مطلع العام الماضي- مستفيدين في ذلك- من استمرار تنامي حالات التدهور الحادة التي تعيشها اليمن دولة وشعبا، هم مازالوا يصرون بالقول أنهم قد ظلموا من قبل النظام...، وأنهم كانوا ومازالوا حركة سلمية ليس إلا، تطالب بأبسط حقوق المواطنة والديانة والهوية...، ولم يرفعوا السلاح إلا للدفاع عن أنفسهم وكيانهم ومعتقداتهم...الخ، وأخيرا لم يكن لهم أية أطماع بقلب نظام الحكم الجمهوري في اليمن والاستيلاء على مقاليد السلطة كما تتناقله وسائل الإعلام المختلفة أو تشير إليه أقوالهم وأفعالهم....الخ.

- في حين تشير الدلائل التاريخية أن طبيعة ومستوى ومن ثم حجم مشاكلهم في معظمها قد تمحورت ضمن نطاق حدود قيادة المنطقة الشمالية- الغربية واللواء على محسن الأحمر الذي يهيمن على مقاليد السلطة فيها، تحت مظلة حزب التجمع اليمني للإصلاح وحركة الأخوان المسلمين، باعتبارها القوة التي تتقاطع معهم فكرا وعقيدة ومصالحا، على الرغم من أن انخراط ابتداء حزب الحق الذي يمثل الواجهة السياسية لتلك الأقلية التي تمثلها فئة السادة الطامحة في الحكم، التي أعادت رص صفوفها وإحياء أطماعها، ثم الحركة الحوثية الواجهة الدينية والعسكرية في أتون شبكة من التحالفات المرحلية مع ألد خصومها لا بل وأعدائها التي برزت في أوج ذروتها في العام الماضي ضمن إطار ما يسمي بـ(احتجاجات الربيع العربي) لإسقاط النظام السياسي وبعض أركانه، مازال يثير عشرات التساؤلات الكبيرة عن فحوى ودلالات هذا الأمر برمته.

- ومن الجدير بالذكر بهذا الشأن أن الحركة الحوثية بحسب ما تشير إليه الدلائل التاريخية ليست كتلة واحدة وإنما هي عبارة عن تيارات عديدة؛ تتراوح بين اليمين المحافظ واليسار المتطرف والوسط المعتدل، على الرغم مما تظهر عليه في العلن من شبه تناغم ووحدة في الكيان والقيادة ومن ثم في الرؤية والموقف، إلا أن ذلك يغلب عليه- في المجمل النهائي- الشكل أكثر منه المضمون، وهو الأمر الذي يفرض علينا التعامل مع عناصر الحركة الحوثية- وفقا- لهذه الجزئية المحورية ضمن إستراتيجية وطنية معدة سلفا للتعامل مع كافة المكونات المجتمعية والفاعلة منها- بوجه خاص- سيما أن عناصر التيار الوطني المعتدل في السلطة (الوحدوي) وخارجها، في طور استعادة الجزء المهم والأكبر من مكانتها المرموقة في الوسط الرسمي وغير الرسمي.

- على خلفية استمرار تنامي حالات التغييرات شبه الجذرية الحاصلة في طبيعة ومستوى ومن ثم حجم المصالح الحيوية للمحور الأمريكي- الغربي وحلفائه، جراء حالة التغيير الحاصلة في المحددات الأساسية ومن ثم في الاتجاهات الرئيسة الحاكمة للسياسية الغربية إزائها، على خلفية ما نستشفه من مؤشرات ودلالات وثيقة الصلة بأولويات المصلحة الوطنية العليا التي أطرتها المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة، سيما أنها كانت شديدة الوضوح من ناحية الحفاظ على وحدة الأراضي اليمنية وأمن واستقرار اليمن، كمدخل أساسي للحفاظ على المصالح الحيوية لدول الإقليم الجغرافي وصولا إلى المجتمع الدولي.

- وضمن هذا السياق يأتي ملف منطقة دماج في مدينة صعدة التي لا تتجاوز مساحتها الـ2 كم2 ويقطنها ما يقارب الـ12ألف نسمه، باعتباره مؤشر محوري ورسالة مشفرة واضحة المعالم والدلالات والمعاني بهذا الشأن، على خلفية أن التصعيد السياسي والمجتمعي والإعلامي على المستويين الداخلي والخارجي الذي رافق إثارة ملف الحصار الحوثي لمنطقة دماج منذ أشهر مضت يأتي ضمن إطار إستراتيجية معدة لمثل هذا الغرض.

- بمعنى أخر أن اختيار منطقة دماج تحديدا وفي هذا التوقيت لم يكن بمحض الصدفة حدثا اعتباطيا، بل كان اختيار دقيقا يؤدي إلى تحقيق الهدف المرحلي ذو الطابع التكتيكي من إثارته- استنادا- لتلك الاستراتيجية الأكثر استخداما المتعارف عليها في الأدب السياسي والعسكري؛ التي تقوم على الاكتفاء في معالجة مشكلة أو أزمة ما صغيرة كانت أم كبيرة بالتركيز على جزئية صغيرة فيها؛ من خلال عملية جراحية موضعية تدخليه دقيقة، توظف فيها موارد قليلة جدا وتضمن الحصول على نتائج سريعة ونوعية، بغض النظر عن كونها تقدم حلا كليا أو جزئيا مؤقتا أو دائميا، وهنا تكمن مزايا الاختيار لهذه المنطقة تحديدا ضمن مناطق التمدد الحوثية ومدينة صعدة عاصمة المذهب الزيدي منها- بوجه خاص- التي يمتلك فيها الحوثيين قدرات شبه فعلية في الهيمنة على المشهد الداخلي برمته، أما منطقة دماج فتتميز بأنها مركزا مهما للإشعاع العلمي الديني في اتجاه إحياء السنة النبوية (دار الحديث)، والتي لعناصره ارتباطات وثيقة بالتوجهات السعودية في تفعيل المذهب السني في المناطق الحدودية التي تدين بالمذهب الشيعي.

- وهذا الأمر اتضحت معالمه الرئيسة برمتها عندما تمدد النفوذ الحوثي إلى مناطق عديدة والحدودية منها- بوجه خاص- مستفيدا في ذلك- من المعطيات الظرفية التي تعيشها البلاد منذ مطلع العام الماضي، سيما في ضوء استمرار تنامي حالة العجز التي منيت بها مليشيات حزب التجمع اليمني للإصلاح في مقارعة النفوذ الحوثي؛ مما أفضى إلى اندفاع الُمخطط الاستراتيجي نحو هذا السيناريو بقوة، في ضوء ما توفره المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة من مزايا عديدة بهذا الشأن، بصورة أفقدت الحركة الحوثية توازنها بضربة نوعية خاطفة وأسقطت الكثير من نقاط القوة التي اكتسبتها على مدار السنوات الماضية على الصعيد السياسي والإعلامي والمجتمعي والإنساني والديني...الخ، التي يجب أن تستفيد منها العناصر المعتدلة فيها والتي أصبح بروزها في المشهد السياسي أمر وقت ليس إلا.

- ومن هذا المنطلق فقد أصبحت دعاوي الأجنحة المتطرفة في الحركة الحوثية بإقامة كيان مستقل وإصرارها على تغليب لغة القوة على الحوار والتعايش والسلام...الخ، ورفعها لشعارات غير واقعية معادية للغرب وشقها لوحدة صفوف المسلمين جزء من الماضي القريب، سيما ان الفرصة قد أصبحت في متناول اليد لإيجاد حل مناسب للقضية التي يرفعونها وحفظ ماء الوجه بالتحول الى حركة سياسية لها شأنها تتبني برنامج وطني، ترتقي في فعلها الى مستوى المسئولية الوطنية وتسعى جاهدة لتغليب لغة الحوار البناء مع مكونات المجتمع، من خلال قرارات تاريخية ومواجهات داخلية بين تياراتها لفرض أجندة بأولويات المصلحة الوطنية العليا، وخاصة أن هنالك قوى نافذة داخل صفوف الحركة وخارجها مازالت تتحين الفرصة لتفويت هذه الفرصة عليها.

- وأخيرا أوجه كلامي مباشرة إلي العناصر الوطنية المعتدلة في الحركة الحوثية مشيرا فيه إلى أن الشعب وأنصاركم يحثون الخطى نحو عيشة كريمة تنقذه من حياة البؤس والفقر والمرض والجهل والتجهيل...الخ، أما إن كان الأمر كما تعتقدون من ناحية الظلم والقهر...الخ، فكل أبناء الشعب اليمني بدون استثناء قد نال نصيبه وأكثر من الظلم والجور تاريخيا وحضاريا وتنمويا وسياسيا ودستوريا وقانونيا...الخ، أما إذا كان للأمر علاقة بكشوف الحساب عن إزهاق الأرواح وتدمير الممتلكات العامة والخاصة وزرع الفتن..الخ، فلدينا عندكم مئات الأضعاف ما لديكم عندنا، وفي نفس الوقت نعرف ان لكم دماء أزهقت وتتحملون مسئولية معظمها كقيادة رفعت شعار الحسم العسكري مهما كانت مبرراتها.

- ثم أنتم تقولون أنكم تمثلون شريحة واسعة من المجتمع، إذا اثبتوا ذلك سريعا على أرض الواقع، بالانخراط السريع والصادق في أتون العملية السياسية والحوار الوطني الشامل الذي من خلاله سوف تطلون على المجتمع بكافة تياراته وأطيافه وشرائحه، هنالك ستتاح أمامكم الفرصة سانحة لعودة روح الانسجام والألفة بينكم وبين المجتمع ومن ثم لمناقشة أفكاركم ومطالبكم بدون أنانية وكبر، فالخيارات المتاحة أمامكم أصبحت محدودة جدا فبادروا إلى اغتنام الفرصة التي ترفع من شأنكم في عيون المجتمع وأنصاركم.

والله ولي التوفيق