السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٣٧ صباحاً

قل عفواً ..!

د . أشرف الكبسي
الجمعة ، ٢٥ مايو ٢٠١٢ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
البارحة وبينما كنت أسير في أحد الشوارع الرئيسية بالعاصمة صنعاء ، استوقفني احدهم معترضاً طريقي ، كانت رائحة الخمر تنبعث منه وبقوة ، سرعان ما انضم اليه رفيقه – الذي انبعثت منه نفس الرائحة – أشهر مسدسه بوجهي قائلاً: قل عفواً وإلا اطلقت النار عليك..!!

نظرت مندهشاً إلى عينيه المخمورتين ، لعلي أقرأ فيهما السبب الغامض وراء طلبه ذاك ، ولما لم أجد فيهما شيئاً بشرياً على الإطلاق ، تمتمت قائلاً : عفواً ، لكنه استشاط غضباً مطالباً إياي أن أقولها وبصوت أعلى..!

تراءت لي تلك اللحظات القصيرة مداً زمنياً كافياً لتجول في رأسي الحائر العديد من الأفكار والتساؤلات التي تبحث عبثاً عن إجابات:

- هل علي أن اعتذر لأني لست مخموراً ، وهل سيكون علينا جميعاً – في القريب العاجل -أن نقدم اعتذارنا للسكارى والأوغاد كلما مررنا بهم ..!!
- هل يتوجب علي قول (عفواً) – وبصوت عال – لأني مواطن مسالم ، امتثل للقوانين والتشريعات ، ولا أحمل سلاحاً سوى قلمي هذا..!
- هل سيقول لي وزير الداخلية بدوره (عفواً) بإعتباره مسئولاً عن الأمن ، وعن حملات التفتيش الأمنية التي تحول دون حيازتي لسلاح شخصي ، بينما يتجول امثال هؤلاء – مخمورون ومسلحون- أم أن قانون منع السلاح يسري حصرياً على الشرفاء..!
- هل يتوجب علي أن اعتذر لأني لست شيخاً قبلياً ، أو مسئولاً نافذا ، أو قيادياً حزبياً بارزاً ، لا يخطو خطوة إلى الامام حتى يسبقه إليها مرافقيه وحراسه المدججين بالسلاح..!

لم أعرف بالضبط لما أراد ذلك المخمور اعتذاري ، ولما تملكته الرغبة الجامحة في ذلك ، ولم اهتدي قط إلى اجابات شافية عن تساؤلاتي تلك ، لكنني أيقنت أن علي الاعتذار فعلاً ، فانتشار وتزايد مظاهر الفساد المجتمعي وتدني المستوى الأخلاقي على هذا النحو ، وتنامي جرأة الرعاع على انتهاك الدين والقانون والعرف جهاراً نهارا، لا يمكن أن يحدث إلا في مجتمع تخلى افراده – في غالبيتهم - عن مسئولياتهم وواجباتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حتى أصبح السارق يسرق وهو (مبهرر) ، وأضحت المجاهرة بالقبيح من القول والفعل (سماخة) ، وأمسى البلطجي وقاطع الطريق ومدمن المخدرات (سمعه) ، مجتمع ينام قرير العين قبل أن تطال يد العدالة والقانون مغتصبي وقتلة طفلة بريئة في الثالثة عشر من عمرها ، وبما أني لست إلا واحداً من هذا المجتمع كان لزاماً علي قولها وبصوت عال... عفواً !

إلى شهداء السبعين:

خيراً مما شئتم وكنا نشاء
شاء الله وله حكمة فيما قدر وشاء
أن يشهد الحفل بدلا عنا أهل السماء
بلغوا عنا سلاماً إلى الأحباء
سادة جمعة الكرامة العصماء
وكل حر شهيد هناك في العلياء
يموت الشجعان مرة ...
ومئات المرات يموت الجبناء !