الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:١٥ مساءً

إلى مصر بالرئيس المنتخب المرتقب

أحمد إبراهيم
الثلاثاء ، ٢٩ مايو ٢٠١٢ الساعة ١٢:٤٠ صباحاً
نحن عادة نفتخر بالأرقام وهو مرضٌ مكتسب، يتوارثه الطفل العربي من البيت قبل المدرسة، كنت أفتخر طفلا في سكيك الحي الشعبي القديم على أصدقائي بعدد زوجات والدي وأطفاله، أنه كان قد تزوج 3 مرات، أنجب 17 من الذكور والإناث، لم يعش منهم أحد لقسوة حياة الصحراء أيام الشقاء، أخيرا تزوج بوالدتي وأنا البكر الحىّ.! ثم بدأت أفتخر برقم 100 مليون الذي اقتبستُه من حصة الجغرافيا بالمدرسة أن العرب قاربوا مئة مليون وأنا منهم.!

وأفتخر من جديد منذ أن قرأت الرقم الجديد.. أن المصريين لوحدهم قاربوا 100 مليون، وأن عدد المشاركين بين الأربعاء والخميس الماضيين في الانتخابات الرئاسية قارب 50 مليون، والمرشحون للرئاشة تجاوز عددهم 12 .! حقّا إنّها أرقامٌ تفنّد أرقاما، تلك لأرقام المحفورة في الأذهان والأوطان، كالمشاركة بنسبة 99%..! والفوز بالإجماع..! ثم البقاء في الحكم بنسبة 101% ..!

أسطورة (الكذب حرام) يطلقها الكذّابون عادة، يصرخ الكذّاب في وجهك بصوت يسمعه جُلّ من حولك (الكذب حرام يباشا ويفندم) .. ثم هو يكذب ويكذب إلى ان تصدقه، عادة الكذّابون يبدأون خطابهم السياسي وخطبهم الوعظية بتعويذة (الكذب حرام) وبأسطورة (السرقة حرام)، وكلاهما (السرقة والكذب) حلال للراعي حرامُ على الرعية، مسموحان في دنيا السياسة والإعلام.! فقد سرقت الأضواء العالمية كذبا وبهتانا هذه المرة محتويات صناديق الاقتراع المصري قبل فتحها، ثم أشغلت الرأي العام باليونان ومنطقة اليورو بنفس وتيرة انشغال مصر بالانتخابات وبنفس ساعاتها الحاسمة، يبدو إمبراطوريات اقتصادات القارة العجوز انزعجوا من وقوف مصر على قدميها بالجنيه المصري ودون الركوع لهم باليورو والدولار، فلم يخفوا الأسلوب العلني لسرقة الأضواء وتهريبها من القاهرة الى اليونان..

ولكن الحق يقال، إن هذا التماسك الأوروبي بإلحاق قاطرة يونان بالقطار الأوروبي بتزويدها المزيد من وقود (يورو) يجب أن نأخذ منه عبرا ودروسا، بان المرض أينما كان في الجسم يجب أن يُعالج لحماية القلب والشرايين.
المصريون فهموا لعبة المصارعة على حلبتي المحلية والدولية، فصمدوا للرئيس المنتخب المرتقب، القاهرة لم تعد تتقبّل من يغازلها بقصائد أحلام وردية تقرّب البعيد وتبعد القريب، الأزمة كانت أوروبية يونانية لا مصرية عربية، وستبقى في أوروبا واليونان، تراجع الاسهم كان في أسواقها العالمية وليس في سوقي القاهرة والإسكندرية، ملفات التقشف والتخصيب مهما عُنونت ورُوّجت لها، تبقى الانتخابات على النيل تجلب لأبناء النيل خيراته، ولا طريق لسحرة فرعون أن يعودوا بالعصىّ والحبال.

الشعب المصري المتجاوز 80 مليون نسمة الذين وصلوا بأغلبية ساحقة الى مراكز الاقتراع مبتسمين متواضعين، لايفرحون كثيرا ولا يزعلون إن وجدوا بين المرشحين ساسة، كعمرو موسى تغرقه الأضواء العالمية بحكمه الأمين العام السابق للجامعة العربية، ومحمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين تقيّده أضواء المساجد بخطب الجوامع، لا تتمنوا الفوز الساحق لهذا ولا الفشل الذريع لذاك، لأن الأغلبية الضخمة لفئة على حساب فئة قد تفقد التوازن المطلوب لمصر الغد، بل قد يؤدي الى الغرور لطرف والحقد للطرف الآخر، التعادل هو الميزان السليم لمصر يعيدها الى الربيع العربي، بعد ان أوشكت الهبوط في الخريف، أصوات 50 مليون يجب ان تؤكد ان الرئيس القادم، هو المرتقب هو المنتخب لأكثر من نصف سكان مصر، وليس فقط لمن كان بميدان التحرير.!

المواطن المصري الأصيل يحلم بمصر أفضل فليعمل من أجلها، كل من اقترب من صناديق الاقتراع بحسن النية كان بذاته قصة نجاح وكفاح، خطواته في كل أرجاء مصر بالأتوبيس والحنطور او الليموزين والهيليكوبتر يومي الأربعاء والخميس، كانت أسطورة من التضحيات بالعرق والدم والصبر والعمل، مشيتكم نحو الصناديق يا أهل مصر كانت شهادة وعبادة، والمشية المقبلة مهما كانت على الأشواك، عليكم أن تواصلوها، لا هوان ولا نكران إن أحببتموا الوطن وزرعتموه بعرق الجبين، فالحصاد قادمٌ لكم مهما طال، أو للأبناء والأحفاد.

لا تتوقعوا من الرئيس الجديد كل شيء، فإنه قد يعجز عن بعض المطالب ثم يصبح لا شيء إذا حمّلتموه أثقاله وأثقال من سبقوه، إنه رجل جديد عليه صناعة الجديد لاصيانة القديم، نتركه قادرا على تحويل لا شيء الى بعض شيء، ثم إلى كل شيء إن وقف معه الشعب كله في كل مراحل خطاه، وعلى شعب مصر ان يقبل بمن فاز من المرشحين ومن لم يفز منهم، على أنهم صناعو القرار في الوطن الواحد دون تمييز عرقي او طائفي او مذهبي، سواء كانوا علمانيين أو اسلاميين، أو يمينيين ويساريين، لا يهمكم إن كان الفائز بشعارات مرشح الفقراء والخاسر بتركة أمير الأمراء، او هذا من الاخوان وذاك من الأعمام والأخوال طالما هو يخدم مصر بروح مصر.. ومصر الغد قد تبزُغ حتى دون تمييز ذكوري وأنثوي بين رجل يرأس اليوم إن أخلفته امرأة بغد واعد، طالما أنت وهو وهي بروح مصر لكل مصر.. مثلما كانت مصرُ بروح العروبة والإسلام لكل العرب والمسلمين. .