الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:١٦ صباحاً

أشـرف فـي الـقـصـر الـجـمـهـوري

أشرف مثنى
الثلاثاء ، ٢٩ مايو ٢٠١٢ الساعة ٠٢:٥٧ صباحاً
مازلت أتذكر جيداً حين أجبرنا على ترديد (مالنا إلا على ) وكان يخلطها نوعاً من ذلك الشيء الذي يعتاد عليه المعتقل كرفع باليد وركلتً بالقدم وتوبيخ بالفم وأخرى من تلك متشابهات , كان هذا داخل حوش القصر الجمهوري في تعز ولكن صوت أذان الفجر كان هو الغالب بيننا فأصمتهم وأصمتنا .

دخلناه معتقلين وقلوبنا تلتهب كتلك النار التي ودعناها هنالك في ساحة الحرية ....

في يوم الأحد التاسع والعشريين من مايو 2011م وبعد أن أنيرت تعز في يوم مظلم بنيران الخيام وعراك دار بين وجهين غير متكافئين شباب عزل لا يملكون من مقومات الدفاع عن النفس شيء وبين من يعد ويجهز الجيوش والعدة والعتاد لفض اعتصام شرعي وقانوني ودستوري مطالباً بأبسط الحقوق .. الحرية والعيشة الكريمة في بلد خيراتها يسقي غيرها .

اعتقلنا في تمام الساعة الثالثة بعد منتصف الليل وكان بجواري ما يقارب اثنان وعشرون شخص كنا قد تم محاصرتنا في الفندق حيث كانت تتواجد وسائل الإعلام واللجنة الإعلامية التي نضع عندها ما تم تصويره عن طريق عدسات الكميرات التي نحملها .

كنت أنا وبرفقة الأخ عبيدان خالد غدير أحد شباب الثورة ومقرر أإتلاف شباب الثوار في ساحة الحرية تعز في ذلك الوقت , بعد أن تم تصوير مقاطع عده من القنص الذي حصل في مبنى إدارة أمن القاهرة قبل اقتحام الساحة ذهبنا معاً إلى الفندق الذي يقع جوار المنصة وتم نسخ ما تم تصويره لقناه سهيل والجزيرة كان هذا حوالي في تمام الساعة العاشرة ليلاً .. حينها كان الكر والفر من قبل قوات الحرس الجمهوري ومن ساعدهم تقترب من مداخل الساحة وتتراجع .. وكان الجميع لا يتوقع اقتحامها مطلقاً ولكن سرعان ما أيقنا ذلك حين رأينا بأم أعيينا تلك الجرافات على مداخل الساحة .

حينها أيقنا أن علي صالح قد قرر ارتكاب مجزرة لن تنساها أقلام التاريخ حتى قيام الساعة , حينها بدأت النار تأكل بعض الخيام والرصاص تتزايد وضرب الرشاشات تستقر في نوافذ الفندق حيث نتواجد فيه , بدأت الاتصالات من بعضنا إلى أهلهم حيث تم إخبارنا باعتقال وضرب النار على كل من حاول الخروج في كل مداخل الساحة , زادت همتنا أن لا نخرج من ساحتنا إلا بعزة ولن نتركها , أرواحنا حملناها على اكفنا وتوكلنا على من لا يخيب التوكل عليه .

مازلت اكرر قولي إن تلك المواقف لا ولن استطيع أن أترجمها إلى كلمات تقرأ ولكني سأحاول بقدر الإمكان التعبير عنها .

من بعض المواقف التي عشناها وكنا متيقنين أنها لن تتكرر في حياتنا فعشناها وعاشت معنا .

اقترب المقتحمون من المنصة واحرقوها وكان أخر شيء سمعناه من تلك الصوتيات هو النشيد الوطني الذي من اجله ضحى الجميع , وتعودنا في حياتنا اليومية أن نقف حين نسمعه إلا أن المقتحمون للساحة اشتدت ضراوتهم ضد المعتصمين حتى صمت النشيد بشيء من تلك النيران .

تعالت أصوات المنابر في المساجد بين الدعاء والذكر لهول الموقف فكان الجو مفعم بالروحانية والألم ولا يتواجد الأمل .. كنت أقول لمن معي رددوا بعدي هذا الدعاء ( بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ) عسى الله أن يرحمنا و نتوفق بشهادة طالما وقد تمنيناها كثيراً .

فجأة تم اقتحام الفندق الذي تم محاصرتنا فيه ونحن في الدور الثالث والظلام دامس وشدة حرارة النيران تصل إلى أجسامنا .

سمعتهم أي من الجند من يقول أين الصحفيين ؟؟ .. وكان بحوزتي كميرا فألقيت بها إلى سلة القمامة تلافياَ لأعطاهم سبباً قد تزهق أرواحنا جميعاً بسببه .

كنا نسمع تكسير الباب الرئيسي ووصلوا إلينا حين بدو إلينا أطلقوا النار بشكل عشوائي إلى أعلى من رؤوسنا حتى نزل على رؤوسنا اثار الطلاء من الحائط رفعنا أيدينا وصحنا بأعلى أصواتنا نسلم أنفسنا لا نملك سلاح حينها لم نتلقى كلام بل أفعال شرسة في التعامل لا توصف في كلمات .

لكن من الظريف هنا أن الجندي حين كان يفتشنا لا يلقي بال لأي شيء سوى اجيابنا وكم فيها من مال .. لم يكن بجيبي إلا القليل لكنهم أخذوه ..سرقوا كل شيء مال هواتف أجهزة كمبيوتر وما جاورها .

كان ضابط الاقتحام ينوي أن يتخلص منا لكن بطريقه محترفه .. حين الاقتحام تفرق الجند في الطوابق , أتى إلينا احد الجند فقال انزلوا إلى تحت وبدون أن يعطي إي إشارات للذين هم في الأسفل من الجند , بدأنا بالنزول والجو مظلم حين بدينا على الدور الأول أطلق النار علينا بشكل مباشر فانبطحنا على الأرض أي في الدرج ولم يصب احدنا بأذى بلطف من الله عز وجل , وصلنا إلى الدور الأول تم تفتشينا مرة أخرى بطريقة أبشع من سابقاتها حينها سألنا احد الضباط أين مراسلين قناة سهيل والجزيرة رد بعضنا عليه بأنهم غير موجودين , هددنا بأنه خلال ثواني إذا لم يخرج أحد المراسلين لاضطر على أطلاق النار علينا جميعاً , سلمنا أمرنا إلى الله ولم نرد عليه وكنا نتمنى الموت ولا تلك التصرفات التي تعيشك بين الحياة والموت معاً .

أمرنا بالخروج بشكل طابور مستقيم وإلا سيطلق النار علينا من حيث لا ندري خرجنا ومرينا على المنصة وهي تحترق وإطلاق الرصاص نسمعها من كل مكان – كنت امشي و أنا انظر إلى الدم في الأرض واسمع أزيز الحريق حين يأكل الخيام ودرجه حرارة الجو مشتد حتى تأثرنا منها - رأينا أطقم الحرس مليئة بالأدوات التي كانت في الخيام مثل التلفزيونات والدشات وأجهزة كمبيوتر ولابتوبات محمولة وحتى صحون الأكل وكل المحتويات التي كانت تتواجد في الخيام , تم توزيعنا على الأطقم وأتذكر أني جلست على عدة أجهزة لابتوب محمولة ولم نسلم حتى من ذالك العسكري الذي اصطحبنا في الطقم طول الطريق إلى القصر الجمهوري من التوبيخ وبعض حركات اليد .

وصلنا إلى القصر حوالي الساعة الرابعة فجر وكانوا يتلقون التهاني من زملائهم هناك بنصرهم وفرحتهم كانت كبيرة .. أنزلونا من الأطقم وكنا صفين حوالي 18 شخص من الإعلامين وغيرنا, بدء التحقيق معنا واخذ بياناتنا ولن انسي ذالك الموقف حين أتى إلى عندي احد الجند فقال لي أعطني رقم احد من اهلك فالله أعلم أين سيكون مصيركم فقابلته أنا بالسكوت لأني كنت اسمعه بأذني ولا يصغي له قلبي فإن قلبي يحترق كتلك الخيام .

لم نكن نتوقع أن نستمر على قيد الحياة ولو بنسبه ضئيلة بل كنا نتمنى الشهادة لأنها عزٌ لنا ولكننا أيقنا أن الشهادة اصطفاء .

كي نكون صادقين مع الجميع كان معاملتنا في القصر أفضل نوعاً ما من سابقاتها حيث أعطونا ماء من تلك التي سرقوها من الساحة وأعطونا شخص يحاضرنا على الوطن وغيره ..كانت خطاباتهم نهي وتوبيخ ومن ذالك الشيء الذي لا يذكر

بعدها وقفنا صفين كي ننتقل إلى مكان أخر في نفس الحوش قال لنا احد الضباط ونحن نمشي هيا اهتفوا - مالنا إلا علي – فلم أتألم بقوة تألمي في ذلك الوقت وبعد ما شفته من مجزرة أمام عيني إلا أن صوت أذان الفجر بدء نورة يشتعل فأصمتهم وأصمتنا .

أتيح لنا أن نتوضأ ونصلي الفجر وتم نقلنا إلى قسم الجحمليه بعد صلاة الفجر إلى ذلك السجن (البدروم ) بين أثار وبقايا مخلفات البشر عشنا بينها طوال ثلاث أيام عجاف تم التحقيق معنا بتهمة اختطاف الجندي وتم الإفراج عن بضعنا بعد 3 أيام من المتابعة .

أخيراً إن قلت لكم أن هذا جزء صغير مما حدث معنا ولأن المواقف الكبيرة يصعب على الإنسان أن يترجمها إلى كلمات صغيرة .

دامت اليمن
عزاً لأهلها
ذلاً لأعدائها