الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٥١ صباحاً

في ذكرى " هولوكست تعز " .. رحيل الشهداء .. و مصير الأحياء !!

محمد حمود الفقيه
الاربعاء ، ٣٠ مايو ٢٠١٢ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
دأبت مدينة تعز اليمنية و لازالت تقف ضد عوامل و إفرازات الجهل و التخلف منذ زمن بعيد ، و كانت المحافظة الأكثر سكاناً في اليمن دائماً ما تسعى الى ايجاد الحرية و العمل من أجلها ، و رغم أنها لها سبق بين مختلف المدن اليمنية تعليمياً و ثقافياً و انتاج .. إلا أنها هي الأخرى عانت و تعاني الى اليوم من آثار الحكم الفردي العائلي المتسلط ما بين انتشار الفقر المدقع و العوز المريب و عوامل التراجع الاقتصادية و السياسية و غيرها .

تعز الصامدة الأبية هي مدينة لها تاريخ عريق في اليمن و قد عرف عنها أنها مدينة السلام ، ذلك لما تتمتع به و أبنائها بنوع من الرقي و المحاكاة للصورة الحضارية التي يبحث عنها كل انسان ، و تعتبر مدينة تعز رمزاً للعزة والكرامة كغيرها من بين مختلف المحافظات في الجمهورية اليمنية ، و هناك دلائل واضحة على أنها كذلك ، حيث الملاحظ في التعزيون العزة الشديدة و عدم التنازل أو الإنبطاح للواقع مهما كان التكلف و الثمن مقابل الحصول على تلك الكرامة .

فعندما ترى أحد المارة في الطريق و هو يحمل على كتفيه أقمشة الملابس تتذكر تعز و أهلها ذات الصبغة التحررية و عدم الخضوع لأحد ، هذه الصفة الانسانية العليا جعلت منهم وسام الصمود الثوري الذي لا يتراجع أمام الظلم و الطغيان ، فلا حياة دون ان تكون العزة وساماً يتقلده صاحبها .. فتجد الطفل الصغير الى جوار أبيه في البراري و المرتفعات الجبلية باحثين عن الكسب النظيف الحلال ، و ترى منهم حملة الشهادات الجامعية من يحاول ان يجد لقمة العيش له و أبنائه في شتى مسببات الرزق الكريم .

ليس في تعز ظاهرة ما يسمى بالمشائخ و الرعية و هذا دليل على انهم أهلُ للحضارة و الحرية ، و يعتمدون على أنفسهم بكل ما يصلح في تيسير حياتهم ، لم يخنع التعزيون يوماً لأصنام" المشيخة " التي لن استبعد أنها سبب في ما وصل اليه اليمن من جراحات و تفكك و تشتت و خروج هنا و هناك ..

و عندما نشبت الثورة الشبابية السلمية في اليمن خرجت مدينة تعز و ضواحيها و قراها الى ساحات الحرية و التغيير ينشدون إسقاط النظام الجائر المتسلط منذ عقود من الزمان ، و كانت تمثل قوة استثنائية في خارطة الثورة اليمنية و أصوات الأحرار تتعالى مرددة الله أكبر على الجبابرة الذين آوتهم تلك مدينة السلام و حفتهم بالورود و جازوها بالحديد و النار ، كان آخر جزائهم الجريمة الشنعاء في ساحة الحرية جريمة إحراق خيام الثوار الأحرار من الشباب ، فحدثة " هولوكست " جديدة ، لكنها ليست ضد اليهود ..! بل ضد الأبرياء المسلمين من سكان مدينة الحب و السلام تعز الحالمة .

في مثل هذا اليوم .. المكان ساحة التغيير في تعز الحالمة .. في ليلة سوداء حالكة الظلام ، ينطفئ ما كان نصيب ساحة التغيير من الضوء و يصورة متعمدة للإعداد لعملية إجرامية لا يقل جرمها و قبحها عن جرم جمعة الكرامة عن جرم السبعين في يوم العرس الوحدوي المنتظر وعلى علم ومرأى الطاغية المخلوع صالح و أعوانه .. حدثة تلك الجريمة النكراء و أشعل المجرمون النيران التي كان وقودها تلك اللحظة أجساد شبابنا من أهل تعز و حتى أجساد المعاقين لم تسلم من ألسنة النار في تلكم الليلة المؤلمة من تأريخ اليمنيين جميعا ، ناراً كان وقودها البرائة الإنسانية كان وقودها الحرية و الكرامة ، لكننا نثق أنها وقود لبداية الرحلة التحررية و وضع اللبنة الأولى في تجسيد العدالة و المساواة و إسقاط الظلم و ازهاق الباطل و دحره ووضعه في سلة الماضي التعيس ..

قضى شهدائنا الآبرار في تلك الليلة حرقاً كما لو أنهم من أهل الأخدود !! و ارتقت أرواحهم في السماء فثارت الأرض دموعاً على فراقهم ، أولائك الذين نالوا حظاً في حياتهم .. حظ الشهادة ، شهداء الرباط في سبيل الحق استشهدوا في ليلة غدر و خيانة وطنية بأيدي شرذمة استباحت الأرض و سعت لتعبيد البسطاء من الناس لولا وقوف مثل هؤلاء الشهداء الأبرار في ووجوههم و درءهم و دفعهم ليتساقطون كما تتشاقط أوراق شجيرات الخريف ..

رحل شهداء الثورة و الحرية عن دنيانا ، لكنهم ألقوا بذور الحرية في قلب كل يمني غيور على وطنه ، و بقي الاحياء من بعدهم ينتظرون الحق الذي من أجله قضوا شهدائهم ، و ضحوا بأنفسهم رخيصة لإعادة الحقوق الى أهلها ، و اقامة العدالة و استرجاع ما أخذ من الحرية المصادرة و التي ظلت سنين وراء قضبان الوعود الكاذبة.

ماذا بعد ان فقدنا تلك الأنفس الزكية الظاهرة !!؟

وما مصير الثورة التي عدتها لم تكتمل بعد .....!