الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:١٥ مساءً

الغش السياسي ـ والتجاري ، والعلمي والتعليمي 3-3

طاهر مهيوب الفائشي
الجمعة ، ٠١ يونيو ٢٠١٢ الساعة ٠٧:٤٠ مساءً
ورد في سنن الترمذي ،عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم( مر على صبرة من طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا فقال: يا صاحب الطعام ما هذا قال أصابته السماء يا رسول الله قال أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس ثم قال من غش فليس منا) عند الصحابة و أهل العلم أن الغش حرام إذا كان بللا في الحبوب جعل النبي عليه الصلاة والسلام ، كما في الحديث الشريف يتبرأ من صاحب الفعل ويعده ليس من جماعة المسلمين ،ولا ينتمى لحضيرة الإسلام ، وربما كان هذا الفعل قد يؤثر على فرد أو فردين وربما مجموعة من الأفراد ، فما بالنا اليوم بمن يغش أمة بأكملها ، يغشها في دوائها ، دواء مهرب ويدخل إلى البلاد ، لا يخضع لأدنى المواصفات الصحية ، ملابس لا تدوم مع الكبار لأشهر فضلاً عن أيام ، أما عند الأطفال فأسبوع بالكثير ونبحث لهم عن ملابس جديدة ،وكل هذه الأمور تجد أحيانا مكتوبا عليها صنع خصيصاً لليمن .. أضف إلى ذلك الأوزان والميازين التي يوزن بها وخاصة عند أصحاب التجزئة والباعة الجائلين ..الكيلوا كيلوا إلا ربع .. الكيس القمح وزنه أقل مما هو مكتوب عليه ، القرص الروتي عود المسوك أكبر منه ، الرغيف الضرس أكبر منه ،الأسطوانة الغاز تأتي ناقصة الوزن .. وهذا غش توعد الله من يمارس بالويل والويل كما تعلمون واد كبير في جنهم ، وذمّ الله عزّ وجلّ الغش وأهله في القرآن وتوعدهم بقوله تعالى: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ *الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ)

والغش قد حذر منه أنبياء سابقين قبل محمد عليه الصلاة والسلام ،إذ أن الغش خلق ذميم ترفضه كل الأديان كما حكى القرآن الكريم على لسان نبي الله شعيب الذي حذر قومه من الغش .( قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ)أجهزة تستورد للمين ، خسارة بدون فائدة، حتى أخبرني من أثق به فقال بعض الأجهزة وخاصة الإلكترونية نطلب من الصانع في الصين ، أن يجعلها بعمر افتراض ، قلت ولم هذا كله قال :اذا اشترى الزبون القطعة ودامت معه طويلاً على من نبيع الأخريات ..وآخرهم سألته عن سعر كاوية الملابس بألف ريال !!هذا فيه خسارة على المواطن وعلى الاقتصاد الوطني ، وأيضاً عديمة الجدوى ، قد تكوي قميصاً واحداً ثم تتلف ، قال : إذا استورت الكاوية ذات القيمة العشرة آلاف ريال ،من يشتريها من ، وإذا اشترى واحداً كاوية بهذا السعر ودامت معه طويلاً، فمن يشتري الباقيات ، وكذلك ربما حصل تكافل اجتماعي وأعارها للجيران ، وأكون بهذا خسرت زبونين ، وسألت آخر لماذا جهاز الإضاءة الذي أخذته منك لم يدم طويلاً ؟وعمل فترة كذا ..فقال : أصلاً هو عمره الافتراضي خمسة عشر ساعة ،وانت استخدمته العمر المحدد له ..الآن ارمه واشتري غيره ،سيارات تدخل البلاد ، لا تخضع للجود والمقاييس ،وما هي إلا أيام وبدأت الأعطال ،وبدأت الزيارات المتكررة للميكانيكي ،والكهربائي ..وخاصة في بعض المحافظات ، كمحافظة تعز ذات التضاريس الجبلية ، لا تصلح للسير فيها بعض أنواع السيارات .. قطع الغيار للسيارات والمركبات لا تخدم إلا يسيراً لأنها مغشوشة ، واستوردت لتتلف سريعاً.. الإطارات الخاصة بالمركبات قنابل موقوته كم ذهبت ضحيتها من أنفسلأنها مستورة بطريقة مغشوشة لم تستورد طبقاً للجودة والمقاييس .

شرائك تأخذ امتيازات من وكالات عالمية في صناعة بعض المواد ..ولكنها تلجأ للتحايل في بعض مكونات المادة ، فتكون الصناعة المحلية ليست بجودة الصناعة في الشركة الأم

التلاعب في الأسعار هذا يبيع بسعر ،وهذا يبيع بسعر ،وطالب البضاعة يصاب بحالة نفسية وهو يدور من هذا لهذا ، هذا يدعي أن بضاعته هي الأصلي ،وبضاعة غيره غير أصلية ، وكلها مستورة من الصين ، نفس الكتابة ونفس الأرقام ونفس اللون ،ومن هذا إلى هذا حتى تقع ضحية أحدهم وتسلم أمرك لله في الحديث الحسن قال عليه الصلاة والسلام(التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء) بمن نثق ينطبق علينا المثل (تقول له قلدك الله قال حول بك الله )

هذا أحد مخرجات منظومة الفساد ، الذي شجع الغش ، والتحايل حتى في لقمة العيش ، ودعمه وشجعه ،حتى أن الجهات الرسمية ، لا تستطيع أن تضبط اصحاب الكروش المعدومين من أصحاب الكروش ، الذين ملؤا الدنيا ظلماً وجوراً وحولوها إلى غابة الكبير يأكل في الصغير .

وحتى نكون منصفين يقول أحدهم عندما أنكر عليه بأنه كان لا تدخل محله إلا البضاعة الجيدة ، والآن دخلت البضاعة الغير جيدة .. فرد جعت أنا وأولادي .. وقال عند بضاعة جيدة مطروحة في المخازن لمن يطلبها .. وإلا فقد تعاقدت مع جهة رسمية على نوعية معينة من البضاعة الجيدة ،وأحضرت نماذج وعلى ضوئها وقعت العقد ،وبعدها بأيام ساوموني أن أخذ مبلغاً من المال ، وأترك الصفقة لأحد المتنفذين ، فأخذتني العزة بالإثم حتى لا اخسر سمعتى في السوق ، وأصريت إلا استمر حتى النهاية ،والنتيجة أن المتنفذ أخذ العينة ،وأحضر بضاعة شبيهة لها ،والآن البضاعة الجيدة في المخازن ،أصرفها حسب الطلب لمن يعرف قدرها ،وآخر تعاقدت معه جهة رسمية على أثاث بمواصفات ، ووقعت العقود ،وتمت العملية بنجاح ،وبعد ثلاث أيام هاتفه أحدهم أن خذ ربحك ودع الأمر لغيرك ، فرفض وكان من الأقوياء ،ولكنه أثناء التسليم ، أشترط عليه ، ان تورد الكمية إلى المخازن المركزية في العاصمة ،وبعدها توزع ، على المحافظات ،وكان يطلب منهم أن توزع حصة المحافظات الجنوبية من ميناء عدن فرفضوا وطبقوا عليه المركزية بحذافيرها وخرج خاسراً

الغش يحطم صاحبه ، والمتعامل بالغش مستحيل والف مستحيل أن يخلف قادة ، من أراد أن ينجب قادة ،ويخلد ذكره في التأريخ فهذه القصة خير دليل على ذلك ، في إحدى الليالي، خرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- ومعه خادمه أسلم، مشيًا في طرقات المدينة للاطمئنان على أحوال الناس. وبعد مدة شعرا بالتعب من كثرة المشي، فوقفا يستريحان بجوار أحد البيوت، فسمعا صوت امرأة عجوز داخل هذا البيت تأمر ابنتها أن تخلط اللبن بالماء، قبل أن تبيعه للناس، فرفضت الابنة أن تغش اللبن بالماء، وقالت لأمها: إن أمير المؤمنين نهى أن يخلط اللبن بالماء، وأرسل مناديًا ليخبر الناس بذلك. فألحت الأم في طلبها، وقالت لابنتها: أين عمر الآن؟! إنه لا يرانا. فقالت الابنة المؤمنة الأمينة: وهل نطيع أمير المؤمنين أمام الناس ونعصيه في السر. إذا أمير المؤمنين لا يرانا فإن رب أمير المؤمنين يرانا.. فسعد أمير المؤمنين بما سمعه من هذه الفتاة، وأعجب بإيمانها وأمانتها. وفي الصباح سأل عنها فعلم أنها أم عمارة بنت سفيان بن عبد الله الثقفي، وعرف أنها غير متزوجة، فزوجها لابنه عاصم، وبارك الله لهما فكان من ذريتهما الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، الذي ملاء الأرض عداً كما ملئت جوراً ..في عهده الميمون عاش الناس عصر النبوة وعصر الخلافة الراشدة .