الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٠٨ مساءً

ثنائية المال والإعلا"السيد".. والعامل"العبد"!!

جمال عبد الناصر الحكيمي
الخميس ، ٠٧ يونيو ٢٠١٢ الساعة ١٢:٥٩ مساءً
تحدثت بعض الدوائر السياسية والشخصيات الإعلامية المحلية تزامناً مع تشكيل النقابات العمالية في القطاع الخاص بتعز - عن اكتساح المال الطفيلي للمدينة لكي "يتنصع" صور الطهر في المدينة كمجموعة هائل مثلاً . وهي أحاديث جسدت قصة ثنائية عالمية تتلخص في أن" تاجر قاس أصطحب خادمه في سفر ليقوم على خدمته وعندما وقع التاجر مريضاً في الطريق ظل العامل سهراناً على خدمته وهو يهذي من الحمى والعطش، فحمل له الخادم الماء لإنقاذه ولكن السيد ظن أنه يحمل حجراً، فبادر بقتله، وفي المحكمة أقنع التاجر القاضي بأنه دافع عن نفسه، فظفر ببراءته وفقاً للقاعدة التي فكر بها التاجر" وهي قصة تتجسد اليوم واقعاً في العلاقة الدائرة بين المال والإعلام "السيد"، كما لوأنها سلطة جديدة تريد أن تهيئ الحجج اللازمة لنكوص في الماضي عن مناصر العمال.. وبدأت بتوجيه سيل من الأحاديث والكتابات العنيفة ضد العمال لدرجة اختزال قضاياهم المحقة بأسلوب أعاد إلى الأذهان صورة النظام القديم، حيث اتصفت الأحاديث والكتابات الإعلامية بالفلتان دون الإنصاف والاحترام لعمال المصانع والشركات، ولم يحتكم أصحابها للأخلاق المهنية عند الحديث عن أخلاقيات الشركات بعيداً عن عمالها. وكما حدث في عهد النظام السابق، حيث كان يرفض الإعلام النشر عن صور وأشكال الاستغلال في المصانع بفعل شراء حرية النشر بالإعلان، كان الكثيرون أيضاً ينادون بإعادة النظر في كل شيء بما فيه حرية أرباب العمل في "عجن" المدن وحرقها لشواء بيضهم! متجاهلين للعمال وحقوقهم المسلوبة، لكن أحداً لم يقل على الأقل بـ"تنصع" عمال واستهدافهم لأرباب أعمالهم من مالكي المصانع والشركات، لأن "التنصع" في أذهان اليمنيين مرادف لمربعات المصالح والنفوذ، الذين عبثوا بالدستور والقانون لعقود، وعشنا جميعاً تجربة لا تنسى في تغييب الدولة ومسرحية هزلية في تطبيق العدالة في ظل شن حرب ظالمة ضد الحقوق بذرائع مخفية للناس تقودها ماكنة المال.

ومع ذلك فإن أرباب العمل تراودهم أحلام توسيع استثماراتهم واحتكاراتهم للقطاعات الاقتصادية الأساسية وتحقيق أضخم الأرباح وقرارات الخصخصة شاهدة، وإن لم يكن فالقليل من الربح مع تحسين الصيت يفي بالغرض، خصوصاً إذا كان ذياع الصيت يمر عبر التدليس على المجتمع بستار الخير كبناء مسجد لكل مواطن وشراء سيارة لكل صحفي! عوضا عن الاقتراب من معاناة العمال وإعانتهم في بناء مسكن لكل عامل أو توفير الرعاية الصحية الملائمة لهم أو وقف مسلسل التعسف ضد عمال أفنوا جل أعمارهم في خدمة أرباب العمل، فضلاً عن مسؤولية اجتماعية تجاه المجتمع هي أصلاً مدفوعة من حساب فائض عرق العامل لتستمر الحكاية في صنع قصص استثمارات غزت الشمس .

لكن يبدو أن ممارسة نفوذ أرباب العمل حالياً لم ينزل عن عرشه، ويحاول البحث عن قوارب سياسية وإعلامية للنجاة من عهد اقتراف الاستغلال "المتعمد" تجاه العمال والمتمثل في تجاهل التشريعات بالتواطؤ مع الفاسدين، ولا يخفي أن الشركات الخاصة كجزء من النظام كانت اللاعب الأساسي بدرجات متفاوتة، كذلك كان لها قوانينها الخاصة التي تتماهي مع شبه الدولة لتمارس سلطتها لتجنب الفوضى وفتح أبواب الحرية أمامها لاستنزاف الطاقات البشرية المؤهلة بدون ثمن وبما يتعارض مع قوانين صنعتها لتبخسهاها ! وهذا السلوك نجده في اعتراض رب العمل في أحدى الشركات الكبيرة خلال التسعينيات على محاولة العمال في الشركة تشكيل كيان نقابي – بتهديدهم بإغلاق المصنع، ما أدى إلى تنازل العمال عن حق جوهري لهم، لأنهم شعروا بالتفوق لدى اصحاب العمل، حينما تقدموا بشكواهم لمكتب العمل ، ليجدوا إجابة مباشرة "من بتنا طحوا؟" وبذلك كسب أرباب العمل ورقة الجمع بين إدارة الشركات ومصالح المجتمع .

هكذا فإن رب العمل رمز للتسلط مثلما كان النظام مرادف للاستبداد والقمع طالما الحالة المدنية في تشكيل نقابات تتعارض مع انسانية وتفجر مصانعه. ولكن لا يمكن فهم النقد المخيف للعمال إلا انطلاقا من التخبط من بين احتكار إنتاج القانون في السابق وبين نقل الحقوق في حدها الأدنى حالياً من "إرادة رب العمل المتسلط "إلى العامل ولو "بصوت خافت " في مرحلة تشهد ولادة قيصرية للحالة المدنية وتحاول النقابات فيها بعد انطلاق عجلة العمل النقابي إلى الأمام-خاصة في مجموعة هائل- رسم خطوط مشتركة مع أرباب العمل، تكفل علاقة عمل مستقرة. وبدلاً من تأجيج حروب افتراضية في مقالات تضعف فرص التوصل لصيغة تطور من العلاقة بين العمال وأرباب العمل، وتختزل العلاقة الجديدة بزعم أن الشركات هي كل شيء فيما العمال لا شيء !! وتجسد ثنائية المال والإعلام ، القائمة على حماية مصالح بسعادتها في بؤس وشقاء العمال وترعرع الانتهازية، دون إفهامنا الأوضاع القائمة من منطلق إيجابي يحترم العقل بعيداً عن التلميح المحرج إلى أن تجنيب أرباب العمل المشاكل هو عبر احتواء الحقوق والوقاية منها بشكل عاطفي .

وفي الإطار الدستوري والقانوني معطوفاً على الواقع السياسي جاءت النقابات كتجربة أولى في مجموعة هائل ومصانع تعز وهذا لا يعني تحديد مستقبل العمل النقابي في اليمن بهذه الخطوة. وقد يكون تأسيسها وفقاً للشكل التقليدي رغم الثورة وما تعانيه التشريعات من عور ونقص صارخ ، هو من قبيل التسليم الأدبي من قبل العمال لضرورة نمو بيئة للاستقرار والشراكة، أي التغيير داخل الإطار التقليدي الذي قامت الانتفاضة الشعبية ضده ، بحيث تستقيم الحياة المدنية بعد عبث طويل. فهناك الأن من ينظر بكراهية للنقابات ، بينما هي بغض النظر عن النزاعات الحزبية واستلاباتها – إشارة للمبادئ التي تمهد لمشاركة متقدمة. واعتقد أنها ستفرض تمثيلها بعد غياب لتقطع أي أمل في ممارسة أي تأثير من أي طرف يقلل من قدرة العمال على بلورة استقلالية عن التحالف الذي ساد في السابق ليختطف تمثيلهم، وهو ما سيحولها إلى حامل مشروع جديد للنضال من أجل ضمان حرية وكرامة العمال .