الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٤٥ صباحاً

قوى التغيير .. الثوار الجدد

خالد الحداء
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
قوى التغييرالمجتمعية ....... الثوار الجدد

خلال فاصل زمني لا يتعدى بضعة أيام دون في صفحات التاريخ ان ثورتين شعبيتين نجحتا في إحداث صدى مزلزل في المنطقة والعالم خلال فترة زمنية وجيزة وبأقل تكلفة قد تحسب في مسار الثورات الشعبية .
هذه الثورات ومع نجاحها في إحداث التغيير الشامل على ارض الواقع فإنها سوف تحدث جدلاً واسعاً لدى الكثير من المفكرين والمحللين الغربيين والعرب، خاصة لمن صور ان قيام ثورة شعبية في المنطقة ضربٌ من الخيال .

وفي سياق البحث عن تفاصيل الثورتين التونسية والمصرية من الضروري الوقوف على الدور المؤثر لقوى التغيير في المجتمع والتي ساهمت في نجاح الثورتين .


تونس
من الوهلة الأولى لاندلاع حركات الاحتجاجات في تونس لم يكن هناك شعارات تأخذ طابعاً إيديولوجيا وإنما كانت محركاتها بسيطة لم تتعدى المطالبة بالعدالة الاجتماعية ورفض الظلم بصورة عفوية ، حيث مثل الشباب في هذه الاحتجاجات القوة التي عبأت الجماهير من خلال وسائل الاتصالات الحديثة لتصعيد احتجاجات الشباب التونسي في الجامعات والخريجين والعاطلين عن العمل وتحديداً في المدن الثانوية والمحافظات المحرومة والمهشمة تاريخياً .

غير إن تطور الاحتجاجات إلى انتفاضة شعبية وانتقالها من الريف إلى المدن الرئيسية ومن ثم تحولها إلى ثورة عارمة ، يعود في الواقع إلى تضافر العديد من العوامل وفي مقدمتها تبني النقابات والاتحادات العمالية لتلك المطالب الشعبية ، ومؤكدة في بياناتها المختلفة على ضرورة القضاء على مظاهر الظلم في قضايا التشغيل والعمل بصفة أساسية ، وما يسجل للاتحادات العمالية وبقية النقابات والجمعيات التونسية تصعيد مستوى الاحتجاجات من مطلبية إلى ثورة تطالب بالتغيير الشامل ، من خلال فروع الاتحادات والنقابات في مختلف المناطق التونسية ، وهذا ما دفع النقابات والاتحادات الرئيسية بالعاصمة تونس إلى الوقوف والضغط على النظام التونسي في تبني أهداف الثورة في التغيير .

ويقف الاتحاد العام التونسي للشغل في مقدمة منظمات المجتمع الذي سجل حضوراً لافتاً في الأحداث خلال الثورة وبعد نجاحها ، ويعتبر اتحاد الشغل القوة الأكثر تنظيمياً في تونس منذ عقود ويعتبر الأقدم من حيث النشأة ، إضافة إلى الدور المهم الذي لعبه في الحياة السياسية التونسية ليتجاوز بذلك الدور النقابي إلى العمل السياسي وفي أحداث تاريخية كالانتفاضة الشعبية العمالية عام 1978م وغيرها من المواجهات مع النظام قبل سقوطه .

وإضافة إلى ما سبق يتضح أن الدور الريادي للاتحاد التونسي للشغل وبقية النقابات والجمعيات ليس وليد الثورة التونسية ولكن هناك العديد من المسببات وراء تصاعد دور النقابات أهمها:-
1- ان التيارات الحزبية في تونس وبمختلف مكوناتها واتجاهاتها لم تتمكن من الوصول إلى فئات الشعب .
2- توصف الأحزاب التونسية بأنها أحزاب نخبة في الغالب ، أي أنها للمتثقفين دون غيرهم من أبناء تونس.
3- النخب السياسية والتي لم يشملها الحظر أو الإيقاف في العهد السابق ، اتسمت بمهادنة النظام منذ الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي 1956م ، متحججة بان بقائهم بالقرب من السلطة يسمح لهم بالضغط والمطالبة باصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية .
4- عرفت الأحزاب غالباً بارتباطها بالأشخاص دون أعطاء أهمية تذكر للهيئات المختلفة داخل الحزب ، لهذا لم يكن هناك بناء فكري وتنظيمي للأحزاب على ارض الواقع ، وهذا ما يفسر عزوف المواطنين عن الانضمام للأحزاب التونسية .

• هذه الأسباب وغيرها دفع النقابات والاتحادات إلى واجهة الإحداث لمواجهة السلطات ( إلى حد ما ) في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة ومن ثم بن على ومن قبلهما الاستعمار الفرنسي ، وبالإضافة إلى ما سبق فإن التوانسة ما زالوا يحتفظون في ذاكرتهم بكثير من الاحترام والتقدير للعمل النقابي الذي تم تأسيسه على يد مجاهدين ورموز وطنية وفي مقدمتهم محمد على الحامي الذي أكد في وقت مبكر على أهمية إنشاء الاتحادات العمالية بقوله ( ان إنشاء الاتحاد العام التونسي للشغل هو ردة فعل لتفكك الأمة ) .
وهكذا يتضح المنظمات المدنية تمتلك قيمة ومكانة كبيره ومتجذر لدى الشعب التونسي وهذا ما يفسر قوة النقابات والاتحادات إذا ما وضعت في مقارنة مع الأحزاب التونسية .

مصر

انطلاق الشرار ة الأولى للثورة المصرية يوم الثلاثاء 25 يناير 2011 وضع نهاية لسلسلة طويلة من الاحتجاجات والإضرابات والاعتصامات خلال السنوات الماضية، باعتبارها المتنفس الوحيد للتعبير عن الاعتراض وللتنديد تجاه الأوضاع المتردية في مختلف المجالات .

وعلى الرغم من أهمية العامل الاقتصادي في تحريك الثورة إلا ان ذلك لم يكن العامل الحاسم في مجتمع أخذ الوعي يتنامى عن أهمية الحرية والديمقراطية كحقوق أصيلة وثابتة ، وخاصة بين الشباب الغير معنى بالخطابات السياسية البالية .

ولهذا كان من الطبيعي ان يكون قادة التغيير هم فئة الشباب الذين لم يجدو في الأحزاب المختلفة المقدرة على تحقيق الأهداف والتطلعات المشروعة للشباب والشعب على حداً سواء ، وهذا ما دفع الشباب للبحث عن قوى مجتمعية جديدة تتبنى مطالبة وهذا ما حدث خلال السنوات الماضية والتي أفرزت قوى للتغيير أصبحت رأس الحربة في مواجهة النظام المصري السابق ومن خلال العديد من الوسائل منها الاحتجاجات والاعتصام والإضرابات ولم يتوقف الأمر عن هذا بل شهدت المطالب تصاعداً من خلال رقع شعارات تطالب بإصلاحات سياسية واسعة ومن تلك القوى :-
- الحركة المصرية من اجل التغيير والمعروفة بحركة كفاية حيث تم تأسيسها عام 2004م والتي ارتكزت في مطالبها التأكيد على مشروعية حق الانتخابات للشعب سواء الرئاسية أو البرلمانية ، على ان تكون نزيهة وحرة ، وان تقتصر فترة الرئاسة على فترتين زمنيتين على أقصى تقدير، ولم تكتفي الحركة على إحداثها حراكاً سياسياً غير مسبوق ،بل وأدراكاً من القائمون على الحركة أن أهداف العمل المدني لا يمكن أن يحقق مبتغاة دون أن يكون هناك تدرج وهذا ما يتطلب تعزيز وتطوير الوعي داخل المجتمع والتغلغل في فئاته المختلفة و انطلاقاً من هذا الفهم سعت الحركة الى تنويع شعاراتها وعدم حصر المطالب في ما هو سياسي فقط ، وبالتالي أخذ الواقع الاقتصادي مكاناً في أعمال الحركة من خلال وضع برنامج لاقتصاد المستقبل يهدف إلى تحقيق التنمية الذاتية والعدالة لجميع طبقات المجتمع المصري .
وبمرور الوقت بدأت الحركة في البروز على الحياة السياسية واكتسبت لها أرضية صلبة في الشارع المصري، وذلك على الرغم من الانتقادات التي يوجهها بعض المراقبين للحركة ومنها أن قوة وشهرة الحركة اكبر من حجمها في المجتمع ، وربما قد يكون في هذا الطرح شيئ من الحقيقة إذا ما تم القياس بأعداد المستجيبين للتظاهرات التي دعت إليها الحركة سابقاً ، ولكن وبعد نجاح الثورة المصرية يمكن القول إن حركة كفاية قدمت نمطاً جريئاً وغير مسبوق في العمل السياسي ، متجاوزة الخطاب السياسي التقليدي السائد منذ عقود.

- حركة السادس من ابريل :

جيل من الشباب المصري أراد ان يوجد له مكان متميز على الساحة المصرية ، من خلال تبني ودعم حركة العمال في مطالب زيادة الأجور في ظل التزايد المستمر للأسعار ، وينظر للحركة على أنها تيار شبابي مستقل سجل حضوراً ملفتاً منذ انطلاقته الاولى في ابريل 2008م من خلال شبكة الانترنت وبمرور الوقت تزايدت مظاهر الانتماء للحركة خاصة من قبل الشباب المصري الواعي ، الذي وجد في موقع الحركة على النت متنفساً واسعاً وحراً للتعبير عن الطموحات بمختلف تفاصيلها وفي مختلف القضايا التي تستقطب الشباب ، ورسخت الحركة تواجدها في الشارع والميادين من خلال رفع الشعارات السياسية ( لا للتجديد .. لا للتوريث ) ومشاركة حركة التغيير الجديدة " كفاية" في الأهداف والمطالب الوطنية من قبيل وضع دستور جديد وإلغاء حالة الطوارئ وبناء قواعد للعدالة الاجتماعية ، ومن هنا أصبح لحركة ابريل مكاناً بارزاً على الساحة السياسية المصرية وما شرارة ثورة 25 يناير إلا دليلاً وبرهاناً على ريادة الحركة في إشعال الثورة عبر الدعوات التي وجهتها الحركة إلى عناصرها لحشد وتعبئة الجماهير للخروج والتظاهر في إنحاء مصر والاستمرار في التظاهر اليومي إلى أن يتم الاستجابة للمطالب الشعبية بإسقاط النظام .

والواقع ان أحداث الثورة المصرية والتونسية قد أفرزت مجموعة حقائق على الأرض يمكن إجمالها في ان قوى التغيير الحديثة أصبحت رقماً مهماً بمقدورها أحداث الفارق في حاضر ومستقبل الشعوب إذا ما توفرت النوايا الصادقة وكل ثورة وانتم بألف خير .