الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٠٩ صباحاً

شعب خارج التغطية

وليد تاج الدين
الخميس ، ٢١ يونيو ٢٠١٢ الساعة ٠٣:٤٠ مساءً
يكفي هذا الشعب من التعاسة ان هناك قوى ظلت ولازالت تتخلص من كل النماذج المثالية والشخصيات الوطنية المخلصة لخدمة الوطن دون ان يستطيع كشفها او تقليص نفوذها عليه أو الفلات منها والانقلاب على غطرستها والتمرد على سيطرتها.

ما يزيد على قرن من الزمان تعاقب على حكم اليمن العديد من الحكام وبأنظمة حكم مختلفة الا ان المعاناة والعلة هي ذاتها فقد جاء الملكيون والأئمة الى حكم اليمن بعد خروج الدولة العثمانية من الشمال وخلال فترة حكمهم لم يستطيعوا تلبية تطلعات الشعب من الانفتاح والتقدم والرخاء ثم جاء الثوار الجمهوريون الذين لم يعرفوا بحكمهم سوى الاغتيال والانقلاب كوسيلة للوصول لهوس السلطة فكانوا بهذا اسوأ ممن سبقهم ثم جاءت فكرة التعددية والديموقراطية والتي زادت الأمور سوءا وضاعفت حجم المشكلة وقضت على ما تبقى من أحلام التوحد والتلاحم والبناء.

واخيرا لحقت ثورة قيل في البدء انها شبابية ولدت من رحم الربيع العربي لكنها لم تكن احسن حالا من سابقاتها بل تم طعنها من الخلف لتتحول الى ازمة بين الأحزاب وتحافظ على بنية النظام السابق وبرعاية ومباركة خليجية ( سعودية ) بامتياز وكما يقال هكذا اراد المخرج ان تكون.

اصبح لدى الناس شعور عارم باليأس من هذا الوطن الذي يفترض انهم ابناءه وصناع مستقبله, من المؤسف انه أصبح العوبة اقليمية ودولية لبعض الدول تعبث به وفقا لمصالحها فالسعودية من جهة عبر شراءها لشيوخ القبائل المسلحة وبعض الجماعات الدينية والشخصيات النافذة التي تشكل بما تحمله من فكر العائق الأكبر أمام اي عملية تغيير او بناء خوفا على مصالحها من اسيادها وارباب نعمتها الذين يريدون للأمور ان تظل كما هي عليه, ومن الجهة الأخرى ايران التي تسعى لمد المذهب الشيعي وتصفية حساباتها مع السعودية من خلال الجماعات الموالية لها والمتأثرة بفكرها, اما امريكا صاحبة اليد الاكثر تأثيرا عبر سفارتها التي تتحكم وتدير وتتدخل في امور عديدة تحت مسمى ديموقراطيتها المزعومة ومكافحتها للإرهاب.

ومع كل هذه التعقيدات لم يعد بوسع الغالبية من سكان هذا الوطن الا التسكع بحثا عن وطن آخر او ملاذ للنجاة من هذا الجحيم الذي يسمى وطن, فيفضل البعض مصيرا مجهولا يهوي به لهاوية الموت على الحدود او الاغتراب واللاعودة ان كتب الله له النجاح في رحلته بينما يغترب الغالبية في داخل السجن الفسيح المسمى عبثا وطن سيده الأجنبي وجلاده الشيخ وحاكمه الفاسد وامينه العميل وادوات تعذيبه الكهرباء والماء والغذاء والدواء ووسيلة العلاج فيه عشبة ( القات ) التي تخدر الشعب نصف يومه وتؤرقه نصف ليله وتكلفه نصف دخله وتحرمه نصف عقله او ربما كله وتفقده نصف ايمانه وربع حكمته, لكنها كما قال احد الموالعة هي أهون المصائب لأنها تبعدك عن ألم الواقع المرير وتذهب بك بعيدا عن دائرة اللعنة التي تكاد تطاردك في كل شبر تذهب اليه وبها فقط تستطيع الخروج عن نطاق التغطية لتتحسر وكأنك كائن من كوكب آخر على وطن ينهار بصمت.