الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٠٣ صباحاً

القضية الجنوبية ومؤتمر الحوار الوطني!!!

د . عبد الملك الضرعي
الاثنين ، ٢٥ يونيو ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٢١ صباحاً
على هامش ندوة عقدت بمركز منارات للدراسات التأريخية وكان المحاضر فيها الأستاذ الدكتور صالح باصرة والذي قدم رؤية تأريخية لمسار الوحدة اليمنية ، وقد أكد الدكتور باصرة وهو أستاذ معروف في مجال التأريخ على الوحدة الجغرافية للشعب اليمني خلال فترات مختلفة من تأريخ اليمن القديم والحديث والمعاصر ، وبعد المحاضرة بدأت المداخلات التي شارك فيها عدد من الإخوة أبناء المحافظات الجنوبية المقيمين في صنعاء ، وتلك المداخلات غالباً ما تحدث تحت خيمة منارات في كثير من المحاضرات الثقافية التي تقام بالمركز وتتناول الشأن اليمني وخاصة ما يتعلق منه بقضية الوحدة اليمنية.

الجديد هذه المرة أن الإخوة المشاركين في المداخلات من المحافظات الجنوبية كان خطابهم شديد وتحذيري حيث نقل بعضهم صورة للموقف الشعبي العام من قضية الوحدة في بعض المدن التي زاروها مؤكدين تراجع المواقف المؤيدة للوحدة .

إن ما طرحه بعض إخوتنا من المحافظات الجنوبية خلال ذلك اللقاء لايمثل إستعداء للوحدة لأن كل منهم أشار إلى علاقاته الأسرية بين صنعاء وعدن وحديثهم كان منطلقاً من الحرص على بقاء الوحدة اليمنية ولكن بصورة عادلة.

أمام تلك الأراء ومع كثير من التحولات التي تشهدها الساحة الوطنية سواء مستوى التحولات في الموقف العسكري وخاصة بأبين أو التحولات في الموقف السياسي ممثلاً بقرار مجلس الأمن الأخير والمحاولات الرامية لعقد مؤتمر الحوار الوطني، نجد أن القضية الجنوبية تعد واحدة من القضايا الهامة المطروحة في مؤتمر الحوار الوطني ، وتعد من القضايا الإستراتيجية التي يجب التعاطي معها بصورة عادلة ، ونقول بصورة عادلة لأن هناك من يستند في مواقفه السياسية لقرارات مجلس الأمن والموقف الدولي الداعم للوحدة اليمنية ، ويعتقد أن قضية الوحدة محسومة ويردد الوحدة خط أحمر والوحدة أو الموت...إلخ.

إن الركون إلى المواقف الدولية قد يساعد على فرض حلول آنية للقضية الجنوبية ، ولكنه وبمنطق الجغرافيا والتأريخ لن يحلها على المدى البعيد ، لذا يجب أن يتحاور اليمنيون كإخوة وبعيداً عن فرض الأمر الواقع وبعيداً عن التدخلات الخارجية، فيحددوا شكل دولتهم ونظامهم السياسي بأنفسهم.

إن منطق التأريخ والجغرافيا يؤكد أن الوحدة اليمنية عام 1990م كانت خياراً سياسياً مسنوداً بإرادة شعبية جنوبية وشمالية ، وللإسناد الشعبي أنذاك مبرراته المنطقية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والأمني ، فعلى المستوى الاجتماعي لم شمل كثير من الأسر الموزعة بين الشطرين ، وعلى المستوى العسكري سيسود السلام بعد حروب شطرية وصراعات بين الشمال والجنوب وسيوفر مليارات الدولات التي كانت تنفق على الحروب الشطرية ، كما أن الوحدة ستستوعب كثير من الجماعات السياسية المعارضة على مستوى الشمال والجنوب ، ومن المبررات أن دولة الوحدة سوف تخفض نفقات التشغيل الإدارية لدولتين وسيحول ذلك الفائض لصالح مشروعات التنمية ، يضاف إلى ذلك إطلاق الحريات والتعددية السياسية ، وطموح بناء دولة حديثة تقوم على الشراكة الوطنية في القوة والثروة والسلطة...إلخ.

إن تلك الطموحات الشعبية للأسف بددتها أطماع من أحسوا بالنصر والنشوة بعد حرب صيف1994م ،وباشروا منذ الوهلة الأولى بنهب مساحات واسعة من أراضي المحافظات الجنوبية وتقرير باصرة هلال يؤكد تلك الواقعة ، وشملت تحولات مابعد 1994م ممارسات خاطئة أخرى تمثلت بتجاهل مصير عشرات الألاف من منتسبي القوات المسلحة المحسوبين على القوات الجنوبية يضاف إليهم مجموعات أخرى من العاملين في القطاع المدني ، إن تلك الممارسات والسلوكيات الخاطئة عدلت من مزاج الشارع المؤيد للوحدة في المحافظات الجنوبية وتطور الأمر حتى إنتفاضة المتقاعدين العسكريين ومن ثم ظهور الحراك الجنوبي والفصائل الأخرى سواء المطالبة بالإنفصال أو المطالبة ببقاء اليمن الموحد ولكن بدولة ذات أسس جديدة.

بعد ما سبق يمكن القول أن أخطاء جسيمة مارسها من أصيبوا بوهم النصرعام 1994م ، تلك الأخطاء يجب الإعتراف بها قبل مؤتمر الحوار الوطني ، وكإثبات لحسن النوايا على رئيس الجمهورية وحكومة الوفاق فتح ملف الأراضي والعقارات المنهوبة وإعادتها إلى مستحقيها سواء كاملاك عامة أو خاصة ، والمهمة الأخرى مراجعة الحقوق الوظيفية لكل من سرحوا من وظائفهم مدنيين وعسكريين ، نعتقد أن مثل تلك المعالجات ستلقى ترحيباً واسعاً في المحافظات الجنوبية ، وستعطي دفعاً قوياً للمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني ، أما أن يطلب المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني ولازال الفاسدون يسيطرون على مساحات بالكيلومترات وعشرات العقارات الخاصة والعامة ، فدون شك أن ذلك الغبن سيفسد أي نجاح لمؤتمر الحوار الوطني.

أخيراً إن القضية الجنوبية هي القضية المحورية في المشهد اليمني الراهن ، ونعتقد أن مؤتمر الحوار الوطني لن يكتب له النجاح إذا لم يتعامل مع هذه القضية برؤية وطنية بعيدة المدى ، لأنه وبدون حلول لاتجبر جراح الماضي ، ولاتحقق مبدأ المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية والشراكة السياسية الحقيقية ، بدون ذلك ستبقى القضية الجنوبية مفتوحة ، نأمل أن يخرج مؤتمر الحوار الوطني المزمع إنعقاده قريباً بمعالجات بعيدة المدى للقضية الجنوبية ، معالجات عادلة تحقق الرضى والقبول لدى غالبية السكان ، فتفتح الأمل لمستقبل زاهر لكل اليمن من شماله إلى جنوبه ومن شرقه على غربه.