الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٥١ صباحاً

مميزات الفساد ...!!

رائد محمد سيف
الاثنين ، ٢٥ يونيو ٢٠١٢ الساعة ١٠:٥٠ صباحاً
كثر الحديث عن الفساد والمفسدين فلم يبقى أحد في يمننا الغالي صغيرا كان او كبيرا ، ذكر او انثى ، من شمال الوطن الى جنوبه ومن شرقه الى غربه ،إلا ويتحدث عن الفساد .... أقول انه لايوجد دولة في العالم الا وفيها فساد ولكن الفساد انواع :مبطن وآخر ظاهر، مبرمج وممنهج وآخر فردي شخصي ...الكل يتحدث عن الفساد ويتهم الاخرين به حتى لو سألنا صاحب بسطة ما هو حلمك وما هي امنياتك سوف يتوجه بقتل الفساد والمفسدين وكذلك لو سألنا نفس السؤال لراعي أغنام في اسفل الوديان لكان الجواب نفسه ...

استغرب من الأصوات التي تطالب بمكافحة الفساد (وأنا واحد منهم ) عدم انتباهنا للخسائر الكبيرة التي سوف نفقدها إذا ما تم القضاء على الفساد في يمننا الغالي ، وتحقيق الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، فمميزات الفساد كثيرة ونسبة المستفيدين منها كبيرة جدا ، وبالتأمل الدقيق في هذه المميزات سينتابنا شعور بالقلق إزاء المطالب الإصلاحية وسيتراجع الكثيرون عن مطالبهم أو يحصرونها بحدود ضيقة تفاديا لفقدان مزايا قد لا نجد لها بديلا مستقبلا .

فبزوال الفساد سينتهي عهد طويل من الواسطة والمحسوبية التي أوصلت الكثير من شباب ( السبايكي ) الذين يتقنون العاب القتال والبلايستيشن وشفط ( الشيشة والمعسل ) والنوم أثناء العمل إلى مناصب حساسة ، وسوف ينتهي نفوذ أصحاب الواسطة والمحسوبية وتقل قيمتهم الاجتماعية لعدم قدرتهم على تقديم خدمات الواسطة والمحسوبة وذلك سينعكس مباشرة على العزائم والمجاملات الاجتماعية وسيقل عدد الولائم إلى درجة خطيرة تؤثر على قطاع اللحامين وبائعي الألبان والفواكه.

ولمكافحة الفساد علاقة وثيقة بالشأن الاقتصادي ، فالفساد من أهم عوامل تحريك السوق وزيادة القدرة الشرائية لأعضائه ومنتسبيه ، فالرشوة وبركة اليد تزيد من دخل المرتشي وترفع من قدرته المالية لمواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة ، فراتب المائة الف ريال بالرشوة يصبح اضعاف راتبه ، فيستطيع من خلالها صاحب اليد الذهبية من شراء سيارة ودفع أقساط بيت جديد وشراء أثاث فخم والسفر في رحلات سياحية وإقامة الولائم الكبيرة مما ينعكس على السوق المحلي ويعمل على تنشيط الحركة التجارية الداخلية .

بمكافحة الفساد يصبح منصب الوزارة وظيفة لا يرغبها الكثيرون ، فهي تفقد المنصب بهجته وتجعل منه مواطنا عاديا يملك بيت متواضعا ويمشي بين الناس لا يلتفت إليه احد ، ويتلاشى عهد القصور والفلل الفخمة والسيارات الفارهة والغنى المفاجئ والسلطة والسطوة والجاه ، مما يؤثر على جودة التصريحات الكاذبة والوعود الخيالية التي يطلقها بعض وزراؤنا الأفاضل ، وتصبح أجواء الوزارة كئيبة ومرهقة فلا سرقات ولا أسفار سياحية بحجة مؤتمرات لا تفيد الدولة بشي .

بظهور الإصلاح ومكافحة الفساد ستؤمم تركات المسئولين وأصحاب النفوذ في توريث المناصب لأبنائهم وأحفادهم وانسباهم لصالح مبدأ الكفاءة الحاضر مصطلحا والغائب تطبيقا ، وسيؤدي ذلك إلى أثار نفسية وخيبة امل على نسبة كبيرة من أبناء المسئولين والمتنفذين ويتسبب لهم بأمراض نفسية واجتماعية تؤدي إلى حقد اجتماعي ، وربما أيضا نخسر كفاءات عظيمة ورثها هؤلاء عن أبائهم وأجدادهم العظماء ، مما قد يسيء مستقبلا لسمعة الوطن بعد أن يخرج عدد منهم لينتقل إلى صفوف المعارضة ويبدأ بتشويه الوطن من خارج أراضيه .

بمكافحة الفساد ستضطرب الطبقة البرجوازية وتفقد بريقها وتبدأ بالرحيل والتنقل ، ونخسر بهذا المناظر الخلابة للقصور والحدائق والسيارات الجميلة وموضات اللبس وقص الشعر ، ويتناقص بذلك عدد مرتادي المولات الضخمة والمحلات الفاخرة للمجوهرات والملابس وتختفي معارض السيارات باهظة الثمن ، وباختفاء وتلاشي الفساد سنشتاق كثيرا لقطاع المنافقين والمتسلقين وسيغيب عنا كلامهم ذو الرونق والقافية الشعرية التي تطرب الأذان وتلهم القلوب وتذهب العقول .

باختفاء الفساد سنضطر لانتظار الدور والوقوف في طوابير طويلة لإكمال معاملاتنا اليومية في الدوائر الحكومية وسينتابنا الشعور بقلة الشأن وضعف التميز عن الآخرين ، ويتساوى الغني مع الفقير والمتعلم مع الجاهل وصاحب البدلة الجديدة مع صاحب القميص القديم وابن الوزير مع ابن الجندي وتسود العدالة الاجتماعية وعندها أخشى أن نقول يا حبذا الفساد وأيام الفساد .