الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٠٥ صباحاً

تبت يدا من سرق التَّبة!

عبدالواسع السقاف
الاربعاء ، ٢٧ يونيو ٢٠١٢ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
مأساة اليمن السعيد أن يدرس أبنائها ويحصدون الشهائد بالعشرات ويعلقونها على جدران بيوت الإيجار، ويتحكم فيهم كل من لديه دكان أو بقالة! يا فرحة أمك عندما تحصل على شهادة الدكتوراة لتعلقها على الحائط، وتسكن في بيت رجل أُمي لا يقرأ ولا يكتب مؤهله الوحيد أنه مالك البيت، يقوم بقرع بابك كل يوم لتخرج وأنت مرعُوب من طلباته: أولادك يلعبوا قيّدهم، زوجتك لم تغسل الدرج، البيت تحتاج صيانة، أين حق ويت الماء، وحق المجاري، وحق الكهرباء والماء، وحق الإيجار، وحق أبن هادي!!

منذ ما يقارب خمس سنوات وأنا أحاول جاهداً أن أشتري أرض لأبني عليها سكناً بعد أن تعبت وضقت ذرعاً بالإيجارات وبلطجة وهمجية المؤجرين الذين لم تستطع الدولة أن تجبرهم على إحترام قانون رقم (22) لسنة 2006م بشأن تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، ولكني أفشل كل مرة فشلاً ذريعاً وذلك لأنه لم تعد في اليمن أرض خالية من المتنفذين الذين سرقوا أراضيها ولم يتركوا شيئاً للبسطاء. منذ خمس سنوات وكلما أخذني دلال الأراضي إلى ضواحي العاصمة صنعاء وجدت تبة فلان وجبل فلان وتبة فلان الآخر، وكلهم مسؤلين أحتلوا بقوة مناصبهم وثراء خزائنهم تلك الأراضي الشاسعة ولم نعد نجد خرم أبرة لنلجأ إليه من جور وظلم المؤجرين! شرق أو غرب لن تجد فضاء يسعك، وأذهب لأرتل والخمسين أو الصُباحة أو مذبح أو سعوان، لن تجد إلا حراس الشيطان ورصاص المتنفذين تلاحق المساكين!

شراء تلك الأراضي عليها ألف إستفهام وإستفهام، وكثير من الذين تعثرت بهم حظوظهم وأقدموا على تلك المغامرة فقدوا أراضيهم وأموالهم بسبب أولئك المتنفذين الذين يشرعون للبيع والشراء والسلب والنهب، ولا دولة ولا قانون يلزمهم أو يجبرهم على إعادة المال لأصحابه! كثير من الخوف يكتنف بيع الأراضي باليمن بسبب النصب وغياب هيبة الدولة، فقد بيعت أراضيها حتى الأوقاف منها للمتنفذين وحُررت ألاف الهكتارات لهم بأبخس الأثمان، ولم يعُد في هذه الأرض مكان للمساكين ولا محدودي الدخل! أما عن الرعية فقد وصل بهم الحال إلى بيع الأرض لأكثر من طرف بسبب غياب الأمانة والقضاء، وعشرات آلاف القضايا مرمية في أدراج الأُمناء (الذين لا أمان لهم فهم كما يُسمى الأعمى بصير وهو لا يرى شيئاً)، وفي أروقة القضاء الفاسد!!

لبنتين أو ثلاث يا عالم نبني بها بيتاً صغيراً يلُم شتات أسرة، أهذا حُلم كبير وصعب!! كيف تستصعب علينا هذه الأمنية ونحن الذين أضعنا وأفنينا حياتنا ندرس ونتعلم ونحقق الإنجازات العلمية والشهادات المحلية والدولية ونجمع القرش فوق القرش ونتغرب ونشقى، وغيرنا ممن لا يُفرقون بين الألف وكوز الذرة (كما يقول أخواننا المصريون)، يستحوذون على تباب مساحاتها بملايين ومئات الآف الأمتار!! من خولهم بأخذ كل تلك الآراضي سواء كانوا سياسيين أو تجار أو مشايخة! سواء معارضين أو موالين! ألسيت اليمن وأراضيها ملك لشعبها!! ألسنا أيضاً جزءاً من هذا الشعب! ألا تكفي بطائقنا الشخصية ومواطنتنا وأجدادنا الذي ماتوا وقبروا في هذه الأرض لتشفع لنا!!

لا نريد أن نأخذ "تبَّة" ولا "مزرعة" ولا "وادي"، كل ما يحلم به أي يمني هو أن تكون له أسرة وبيت ولو على لبنتين أو ثلاث يعيش فيها أمناً على نفسه وأهله وتكون قريبة من محل عمله! صدقوني عندما أقول أن هذا الحلم هو حلم ملايين المواطنين الذين هُم أحق الناس بهذه الأرض والذين يخدمون هذه البلد أكثر من غيرهم، أما عن أولئك الذين يسرقون لقمة الناس ويتنفذون على أراضيهم وأرزاقهم وهوائهم فأنهم سر البلاء وسبب شقاء هذا البلد!! تبت يدا كل من سرق حلم الناس والعامة، وتبت يدا من سرق التبة!!