الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٠٢ مساءً

التعليم العالي .. باب جهنم الثامن ,,معاملة طالب استمرارية

رنا عبدالناصر الحكيمي
الجمعة ، ٢٩ يونيو ٢٠١٢ الساعة ٠٥:٤٠ مساءً
إنّ التعليم العالي .. تلك الوزارة التي ما أصل إلى بابها إلا وأشعر بأن الخطوة تصبح ألف ميل, إنّ رجلاي تتباطئ لا إراديا، وذلك لعلمها مسبقا بما ستعانيه في هذا المكان من جعث وجعيث، ولكن مهما تباطأت فإنّه لا مجال أمامها غير أن تدخل من هذا الباب، وقبل الدخول علي بقراءة كافة أدعية التسهيل والتيسير الواردة في القران والسنة ..قد يظن البعض بأني سأدخل على غرفة عملية لولادة متعسرة ولكن يا ليت الأمر كذلك، إنّ عملية من هذا النوع لا تستغرق أكثر من ساعة زمان، فلو كان حالنا مع التعليم العالي مثل هذا لكنّا نافسنا اليابان، ولكن ما إن تلج باب التعليم العالي.. تشعر وكأنك تزحف إلى باب جهنم الثامن، هذا الباب الذي يصبح كرفيق دائم لك ..يعلم عدد المرات التي دخلت بها إليه ويعلم بأي حالة تستقبله في كل مرة، وكم عدد المرات التي خطوة عتبته برجلك اليمنى وكم عدد المرات التي خطوتها برجلك اليسرى ، رغم إنّك دائما تخطو عتبته برجلك اليمنى استبشارا للخير ولإنجاز ما يعدك به عرقوب ولكن إذا أتيت إليه غفوانَ أسفاً فلا محالة عن طريق الخطأ ستخطو عتبته برجلك اليسرى .

إنّ هذا الباب باب جهنم فقط للطلاب المساكين المغلوب على أمرهم، الذين ليس لديهم شفعاء في ظل فساد أدمت بسببه أرجلهم ورسمت تضاريس الكرة الأرضية على وجوههم. تدخل الباب وأنت تحمل في داخلك بسمة قهر وداخلك ينزف ألم، لابد في هذه الأثناء من الاتصال للوالدة دعواتك يا ست الحبايب "أنا الآن دخلت التعليم العالي" .. في ظل النظام التكتيكي(التكتوكي) الجديد عليك التوجه إلى خدمة الجمهور، نوافذ متعددة أمامك(الاستعلامات .. البعثات.. دراسات عليا .. دراسات جامعية .. التبادل الثقافي .. التصديق والمعادلة) وبما أنك في خدمة الجمهور لابد وان تكون الجماهير غفيرة وفي هذا المكان تشعر فعلا وكأنك في حظيرة .. أعداد مكدسة فوق بعضها البعض أمام كل نافذة.. تسمع صوتا من بين احدهم طابور طابور، لا مجال لعمل طابور لضيق المكان من جهة ولأن كل واحد يريد أن يطمئن على معاملته من جهة أخرى، فتتراكم الأجساد فوق بعضها البعض ولا يسعك إلا أن تبكي إلى الداخل. أقوم بِعَد أوراقي كاملة قبل التوجه إلى النافذة التي أريد أن أقدم أوراقي إليها ..أعد أوراقي مرة ومرتين وثلاث مرات إلى أن أقتنع أخيرا بأني أحضرت جميع الأوراق المطلوبة .

عندما قررت الذهاب إلى نافذة الدراسات العليا سمعت صوتا من الخلف كانت إحدى الطالبات تنجز معاملتها وبعد حديث دام ربع ساعة، فهمت منها بأنها تقوم بتصديق أوراقها ومع أنّ معاملة التصديق تستمر يوما أو يومين بالكثير إلا أنّ أوراقها في التعليم العالي منذ سبعة أشهر ومعاملتها لم تنجز بعد، وكلما أتت لتستفسر عن معاملتها يقال لها "غد أو بعد غد ..الأسبوع هذا ..الأسبوع الجاي ..الخ "من عبارات المماطلة. عباراتها جعلتني أخطو في داخلي خطوة إلى الوراء وأتفائل بنسبة 100%ولكن القراءة بالمقلوب..شعور لحظي سرعان ما برح ليعود عامل التحفيز في داخلي يتوهج بنسبة كبيرة وأيقنت أنّه لابد من الصمود والكفاح ما دمنا نريد أن نأخذ حقنا ونكسب معركة الحياة التي لطالما حاول الآخرون أن يقلبوها مأساة بالنسبة لنا.

ذهبت إلى نافذة الدراسات العليا أنا أمشي بثقة صاحب الحق ..سلمت أوراقي وتم تسجيل بياناتي وتم إعطائي استلام مسجل فيه اسمي ورقمي في الكشف ورقم تلفوني، بصراحة شديدة شعرت بالغبطة عندما شاهدت هذا الاهتمام في ظل النظام التكتيكي(التُكتُوكِي)الجديد وقلت بما أنهم طلبوا رقم تلفون ..الحمد لله.. وأخيرا سنرتاح. فلقد أظهرت أمامي الصورة التالية : وذلك بأني أقوم فقط بتسليم أوراقي للتعليم العالي ومن ثم يقوم التعليم العالي بمتابعة سير أوراقي في الوزارة وعندما يتم إنجاز الأمر ويصدر قرار المنحة يقومون بالاتصال بنا..أخذت الاستلام ولكن بقيت أفكر في الصورة التي وضعتها لنفسي وأقول "معقول تطورنا إلى هذه الدرجة ..لا مش معقول .. أبو يمن المسكين سيظل طول عمه مجعجع ولن يرتاح إلا في قبره ". ذهبت إلى أحد الموظفين في الاستعلامات لأسئله عن الأمر ما إذا كنت أنجزت المعاملة أم علي أن أعود لوجود أشياء أخرى، صدر الجواب المر وذلك علي بمراجعتهم لأعرف إلى أين معاملتي ستصل وبما هي الأوراق التي علي إكمالها .. حمدت الله وشكرته لبلوتي هذه ..وذلك بان المعاملة ستذهب أولا إلى وكيل البعثات وما أن يوافق عليها سيتم نقلها إلى الدراسات العليا وهناك سأكمل بقية الإ
جراءات. عدت إليهم بعد أربعة أيام وذهبت إلى الاستعلامات بعد أن تم الاطلاع على الاسم والرقم، وقيل لي بان المعاملة خرجت من وكيل البعثات إلى الدراسات العليا ذهبت إلى الدراسات العليا قيل لي بأنها ليست عندهم ولو أنها عندهم لكانت رُصدت في الكمبيوتر لابد أنها مازالت في خدمة الجمهور، أذهب إلى خدمة الجمهور ليقال لي بأنها في الدراسات العليا ولكنهم لا يبحثون جيدا، أذهب إلى الدراسات العلياء ليقال لي بأن أذهب وأتأكد في قسم البعثات، أذهب إلى قسم البعثات ..أجد اسمي أسال المسئول عن دائرة البعثات أين ملفي وأوراقي؟ ..ليرد ربما أنها في الدراسات العليا أو في خدمة الجمهور ..قلت له بأنني كنت هناك منذ بضعة دقائق وقيل لي بأنها ليست عندهم ..ليرد بأنه لا دخل له، في هذه اللحظة تذكرت دروس الحج وقسم السعي بين الصفاء والمروة والابتهالات إلى الله سبحانه وتعالى والإجهاش بالبكاء ولكن أي مقارنة مع ذلة الخشوع له سبحانه وشعورك بأنك أعظم العظماء عنده، والاستهانة بك من قبل موظفي الوزارة واللعب بك يمين يسار طلوع نزول ..في هذه اللحظة لا تشعر إلا بتحسرك على ثورة قامت ضد الفساد لينعم الفساد ..ولكن لا مكان للتراجع هيهات منا الذلة..

استجمعت قواي وحمدت الله وعدت إلى البيت .. وهي بيت أحد الأقرباء كوني بالأصل مستقرة في تعز. بعد أسبوع قمت بمراجعة الوزارة، ووجدت بأن الموظفين داخل الوزارة مضربين والوزارة مغلقة ..عدت أدراجي، وبقيت أسبوعا أخرا في البيت ورجوت الله بان تكون المعاملة ظهرت ..ذهبت إليهم" الحمد لله "المبنى مفتوح ولكن نفس الطلوع والنزول الأول..أبحث عن الموظفين في المبنى كافة لأنهم في الغالب لا يقعدوا في مكاتبهم ولا أدري لماذا؟! إذا أردت موظف عليك البحث عنه في جميع الطوابق ولكن لا جدوى من العثور عليه..عدت إلى البيت في هذا اليوم والأسى يعصرني ولكن هيهات من الاستسلام..بقيت أسبوعين في البيت، ثم عدت مرة أخرى إليهم وبعد تشويط في مبنى الوزارة دام حوالي ساعتين من الساعة 9:30 إلى الساعة 11:30 وجدت أخيرا أين ملفي ومعاملتي ألا وهي عند السكرتارية، وهو ليس الوحيد بل له من الرفاق ما يعنيه عن الشعور بالوحشة والملل ..قلت لموظف السكرتارية لماذا لم تقوم بتسليم الملفات إلى الدراسات العليا رغم أنها موجودة عندك.. قال بأنهم غير راضيين على التوقيع على استلام الملفات، فأخذنا الملفات وذهبنا بها إلى الدراسات العليا..ليقول موظف السكرتارية من سيُوقع وأخذ الملفات
وخرج ..قلت له مالك ..لحظة أعطيهم فرصة يتكلموا عادك ما كملت تكملة كلامك وقد أخذت الملفات وخرجت .

قام موظف الدراسات بالتوقيع وطلب مني بعض الأوراق الناقصة وهي ورقة استمرارية كونه قد تم إيفادي مسبقا ضمن منح التبادل الثقافي لدراسة البكالوريوس وذلك لحصولي على معدل امتياز ولا نريد أن نخوض غمار تلك الفترة وما حدث فيها من أشياء ..فانا الآن أريد أن أكمل دراستي بنفس الدولة، فذهبت إلى قسم المالية لأخذ هذه الورقة وأنجزت الحمد لله الأمر بنفس اليوم ..وبعدها طلب مني ورقة من الخدمة المدنية .. وذلك بأنّي لا أعمل في أي وظيفة حكومية..تم إخراج الورقة من الخدمة المدنية والتأكد من أني لا اعمل في أي وظيفة حكومية خلال يومين.

وبعد شهر من العناء أنجزت معاملتي ..وسألت موظفا في الدراسات العليا خلاص كملت ورددتها مرارا وتكرارا فأنا غير مصدقة باني أنجزت المعاملة ..فقال لي نعم ولكن بقي اجتماع اللجنة وسيكون بعد أسبوعين أو ثلاثة أسابيع ..على أساس أنه في شهر ثلاثة سيتم اجتماع اللجنة لتحدد الطلاب الذين تم الموافقة على طلباتم.

وها نحن اليوم في أواخر شهر ستة ..ولم يتم اجتماع اللجنة بعد ولم نعرف ما هو الذي لنا وما هو الذي علينا..فعلى اللجنة أن تجتمع ليعرف الطلاب المتقدمين مصيرهم ؛ لأنه علينا مرة أخرى بإخراج قبول للدراسة على الفصل الدراسي الأول كون القبول الأول بسبب مماطلة اللجنة في اجتماعها يعد غير فعال، وكون الطلاب المتقدمين قد أخرجوا القبول من دول عدة فكل دولة تفتح فترة محددة للحصول على القبول والدفع فبعضها في شهر 6 وأخرى في شهر7 وأخرى في شهر 8، والطالب لا يعرف هل سيكون ضمن الذين تختارهم اللجنة أو لا، ولذلك سيكون محتارا في هل يقوم بالتقديم والدفع للحصول على قبول للفصل الدراسي الأول أم لا..

عمود إنارة يمني..
يا ليتني عشت جمّال أعيش وأرعى جمالي