الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٥٧ مساءً

في اليمن: فقر مدقع وغنى فاحش!

عبدالواسع السقاف
السبت ، ٣٠ يونيو ٢٠١٢ الساعة ٠٤:٤٠ مساءً
هذه الظاهرة ليست حكراً على اليمنيين فقط، بل هي ظاهرة في كثير من دول العالم الثالث، غير أن اليمنيين تميزوا في التفاصيل أكثر من غيرهم من الشعوب، فالفقر في اليمن له نكهته الخاصة والغنى كذلك له علاماته ومظاهره الخاصة، وما بينهما بدأت الطبقة الوسطى تختفي وتتلاشى تدريجياً بسبب الأزمات العديدة التي ظهرت، ومنها أزمة الغلاء والتضخم وضعف القدرات الشرائية للناس، وعدم قدرتهم على توفير أساسيات السكن والمعيشة. وغياب الطبقة الوسطى يُعد كارثة إجتماعية كبيرة لا يُدرك حجمها إلا علماء النفس والاجتماع، حيث تُعد هذه الطبقة صمام أمان الاستقرار الاقتصادي، والتوازن في المجتمع، إذ أن قيادات المجتمع الفاعلة من أطباء ومهندسين ومحامين وغيرهم ينحدرون في الغالب من عائلات تنتمي إلى هذه الطبقة، حيث أمكنهم مواصلة التعليم وتطوير ذواتهم بما يخدم المجتمع. وانهيار الطبقة الوسطى يبدأ بفقدان القدرة على العطاء وتعمق الفقر ولا ينتهي إلا بالفساد والجريمة والمرض!!

أما عن ظاهرة الفقر المدقع والغنى الفاحش التي بدأت تتفشى في المجتمع اليمني منذ عقود، فقد وصلت إلى أعلى مستوياتها هذه الأيام نتيجة للأزمة الإقتصادية التي تعيشها البلاد، وبدأت مظاهر الفقر الشديد تدب في كافة محافظات الجمهورية دون إستثناء جنباً إلى جنب مع مظاهر الغنى الفاحش أيضاً. فقصور المسؤلين والمشايخ تعالت في البنيان لدرجة حجبت فيها أشعة الشمس عن فقراء لم يجدوا إلا الأرصفة والساحات العامة والكباري والجسور ليناموا عليها ويستروا عوراتهم بالكراتين الورقية! عندما تمضي في المدن اليمنية تفاجأ بعدد الفقراء (ليسوا أفرداً فقط بل أُسر وعائلات أحيانا) الذين يمتهنون مهنة السؤال من الناس (الشحاتة) في كل مكان وزمان وهم لا يكادون يجدون ما يسترون به أنفسهم، وبالمقابل تجد السيارات الفارهة والماركات العالمية على نفس الطرق والجولات والتقاطعات التي يكثر فيها هؤلاء المعدمون!! ومن المشاهد التي تحاصر ناظريك في كل مدينة ما يلي:

• فقراء يقطنون في أحياء شعبية عشوائية شاسعة لاتكاد بيتوهم تزيد عن الأمتار ينام في الغرفة الواحدة أكثر من خمسة أشخاص فوق بعض، وبجانب تلك العشوائيات إقطاعيون يعيشون أيضاً في قصور على مساحات شاسعة (تباب كما نسميها بالدارجة) ما بين أسوارها ومنازلها طرقاً تنفع لسباقات الفارميولا والمارثون، ينام كل واحدٍ منهم في منزلٍ مستقل، وغالباً ما تجد تلك القصور خالية من السكان ولا يعيش فيها إلا الشغالين والحراس، ولا يكتفون بأسوارهم بل ويقطعون الشوارع الرئيسية والفرعية بحواجزهم الأسمنتية ومتارس حراساتهم الخاصة والعامة!

• فقراء لا يجدون ما يسترون بها عوراتهم من ثياب ويمشون في عز الحر حفاة على طرق غير معبدة، وأثرياء يلبسون الماركات العالمية ويتباهون بجنابي وساعات لو بيعت أحادها لأطعمت بثمنها عشرات الآلاف من البشر، لا يكادون يتحركون إلا بسيارات فارهة ومرافقين عن يمينٍ وشمال، وكل سيارة لها سائقها الخاص! والأغرب من ذلك أن تُعبَّد الدولة الطريق إلى منازلهم التي غالباً ما تكون في أعالى التلال (التباب)، وتمر تلك الطُرق المعبدة بعيداً عن قُرى وتجمعات الفقراء السكنية في المدن، خوفاً وحرصاً من الدولة أن لا يُصاب هؤلاء المتنفذين بضربة عين أحد الفقراء المعدمين!!!

• فقراء لا يجدون لقمة العيش تجد كثير منهم يتدينون من المحلات المجاورة لهم ويقتاتون على القليل القليل (كمياتهم بالحبة والملعقة والكوب) وقليل منهم يبحثون في فضلات الناس ليل نهار علَّهم يجدون ما ينفع للأكل، وبالمقابل أثرياء يدخلون إلى السوبر ماركتات لشراء كميات مهولة من الأطعمة (كمياتهم بالكرتون والشوال)، وتجدهم يرمون كميات هائلة من فضلات الطعام خلف أسوار منازلهم وكأنهم عن جيرانهم الفقراء عَمُون!!

• فقراء يتمنون ويحلمون بمنحة دراسية واحدة تخفف عنهم مصاريف الدراسة، تجد أولادهم (الأذكياء) يتسربون من المدارس نتيجة لعدم مقدرتهم على الإيفاء بمصروفاتهم وشراء أبسط متطلبات الدراسة، وبالمقابل أولاد الأثرياء (الكسالى) الذين يسرقون منح الدولة الدراسية من الفقراء ليذهبوا للخارج يلعبوا ويشربوا ويمجُنوا ويعدوا بشهادات مشكوك فيها ليتم تنصيبهم على رؤوس الفقراء وزراء ومدارء وفاسدين!

• فقراء يحلمون بقطة أرض مترين × متر يُدفنون فيها عندما يموتون من الفاقة، وأغنياء يملكون أرضي الدولة من الحدود إلى الحدود ويجتثون الفقراء من مدافنهم ليقيموا عليها مشروعاتهم وأعمالهم التجارية!

وهكذا هو الفقر والغني في اليمن نقيضين في غاية التناقض وقريبين من بعض، بل ويتعايشان مع بعض وكأن أحدهما لا يحمل للثاني أي ضغينة، وسبحان من فرّق ووفق بينهما في الرزق والمواطنة! فإلى متى يا وطني نظل في دوامة الجوع والفقر وثرواتنا في بطون قلة قليلة، ومتى سيأتي الفرج ليشعر شعب هذه البلاد بأنهم أدميون كغيرهم من البشر في أصقاع الأرض! ألا لا نامت أعين الجبناء!!