الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٤٤ مساءً

ساعدته؟ يقصد يقول غششته!

عبدالواسع السقاف
الثلاثاء ، ٠٣ يوليو ٢٠١٢ الساعة ٠٦:٤٠ مساءً
لفت أنتباهي صورة بثتها مواقع التواصل الإجتماعي لمجموعة من الشباب يقومون بإيصال أوراق غش وحلول لإمتحانات الطلاب في إحدى أكبر مدارس تعز بوجود حراسات أمنية تشاهد وتساعد في هذه العملية اللا أخلاقية! الغريب في الأمر أن يُصبح الغش ظاهرة نُجاهر بها دون حياء أو خوف، والأغرب أن يتحول الغش من عمل لا أخلاقي إلى عمل أنساني يُطالب به الناس والعامة! قال لي أحد الزملاء أن أحد دكاترة الجامعة سأله عن أحد أقاربه يوم الأختبار بصيغة: ساعدته؟ وكان يقصد بها هل قمت بمساعدته في الغش، فراعني المصطلح بحد ذاته، كيف يتحول الغش إلى مساعدة!! فالمساعدة في اللغة العربية تعني تقديم المعونة في الخير، فهل الغش أصبح خيراً وعملاً إنسانياً ياعالم؟!

لا أدري هل الخلل في رأسي أنا أم في ما يحصل الآن، فأنا من جيل تعلم في ثمانينات القرن الماضي وكان الغش أيامها ظاهرة مقيتة لا يرتكبها إلا القلة القليلة من الطلاب وكان الناس والعامة ينظرون لهم بعين الملامة واللا رضى، ومن أفتضح أمره أنه غش لا يكاد يقوى على مواجهة الناس لا في الشوارع ولا في مجالس المقيل ولا حتى في بيته وبين أقاربه! أما اليوم فتجد غالبية الطلاب يعتمدون على الغش كجانب أساسي في دراستهم كي ينجحوا ويتفاخروا بقدراتهم الخارقة في الغش أمام الكُل، بل وتشجعهم أهاليهم وذويهم على ذلك ويتم الغش في قاعات الامتحانات عياناً جهاراً وكأنها حق مشروع، ولولا الغش لما نجح إلا أقل القليل من الطلاب!! ما الذي تغير ليتبدل الحال من النقيض إلى النقيض بهذه السرعة، ولماذا فسدت أخلاق الناس!

عندما تسأل الطالب، يتهم المدرسة ومؤسسات التعليم بالتقصير وصعوبة المناهج مما جعله يلجأ للغش! وعندما تتكلم مع رجالات التعليم ومؤسساتها، تجدهم يتهمون الطلاب وأسرهم بعدم الرغبة في الدراسة والتهرب من الواجبات وفساد السرائر! والحقيقة أنني عندما أراجع مناهج التعليم لا أجد فروقاً جوهرية بين ما كنا نتعلمه بالماضي وما يتعلمه الطلاب هذه الأيام، فما زالت نفس النصوص ونفس النظريات هي هي!! الفرق أننا تعلمنا على أيادي مدرسين عرب (مصريين وسودانيين وفلسطينيين وعراقيين)، بينما تمت يمننة الكادر التعليمي بالبلد، وعندما تقارن بين كلا الكادرين من نواحي التأهيل والتدريب تجد فروقاً شاسعة! المدرسون العرب كانوا لا يحصلون على الإعارة إلا إذا كانوا من ذوي التأهيل العالي والسجل المشرف، بينما مدرسينا هم من خريجين مدراسنا وجامعاتنا ذوات الفساد العالي والسجل المُخجل! وماذا تتوقع من طالب قضى عمره في الغش وتخرج بمعدل مقبول ودخل كلية التربية مثلاً (أقل الكليات نسبة قبول) ليتخرج مدرساً يتتلمذ على يديه أجيال من شاكلته أو أسوء! أما عن أغلب مدراء ومديرات المدارس فحدث ولا حرج، لا يفهمون ما هي التربية (فهم غالباً يفتقدون لأبسط مقومات الفهم والتربية)، وكثيراً منهم أصبحوا مدراء بالوراثة (كما جسدها الفنان المصري الراحل علاء ولاء الدين في فلم الناظر عاشور)! جرب أن تذهب إلى مدرسة أبنك أو بنتك وتقابل مدير أو مديرة المدرسة وتتحدث إليه\ها، وستفهم ما أقصد!

ومن ناحية أخرى، إذا كانت المدارس لا تقوم بواجبها في التربية والتعليم، فأين يأتي دور الأسرة؟ كثير من الأسر ترمي أولادها في المدارس والجامعات ولا يسألونهم عن شيء وكأنهم نفضوا عن كاهلهم كل ما يتعلق بأبنائهم ورموا بالمسؤلية على تلك المؤسسات! لي صديق ذهب للمدرسة ليسأل عن أبنته ولم يكن يعرف في أي فصل هي، وعندما سألته المديرة ألا تعرف بأي فصل هي، وكم لديك أولاد؟ أجابها أبنتين ودماغي مش دفتر!! أليس من المخجل أن ترمي أولادك دون رعاية وتُحمل المدرسة كل العبء! هناك من سيقول أن ليس كل الأباء والأمهات متعلمين ليقوموا بمراجعة واستذكار الدروس مع أبنائهم، فأرد عندما كُنت في الصفوف الأولى في دراستي الأساسية كانت أمي (غير المتعلمة) تسألني كل يوم عن الدروس التي أخذناها بالمدرسة وتطلب مني أن أشرح لها ماذا أستفدت، فساعدني ذلك كثيراً في فهم ما تحتويه تلك الكُتب! كانت تتفاخر بين الناس بأني أحفظ القرآن والأشعار وأحسب لها مصروف البيت، وكان هذا يُشجعني على إستذكار دروسي لأبهر من حولي! وعليه لا يجب أن نتهرب من المسؤلية لمجرد أننا غير متعلمين لنترك أولادنا في ضياع!

بغض النظر عمن تسبب فيما يحدث، وحتى لا نظل أمةً تبحث عن الأسباب ولا تنظر للحلول، فما يحدث في اليمن يُعتبر كارثة بكل المقاييس، فالعلم هو عماد الأمم، وبدونه لا نهضة لأي أمة! والشباب هو أساس بناء حضارات الشعوب، وإذا كان شبابنا بهذه الكيفية فإننا للأسف سنرثي المستقبل الذي نتطلع إليه من الآن! لا يجب علينا أن نسكت عن هذه الظاهرة، وأن نعود إلى ديننا الذي هو أساس عيشنا ورقينا بين الأمم، وأن نتذكر ونُذكر أبنائنا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى (من غشنا فليس منا)، أي ليس من زمرة المسلمين! كما يجب على رب كل أسرة أن يتقى الله في أبنائه وأن لا يرمي بهم في براثن الفقر والجهل والظروف الصعبة، فمهما أستصعبت الظروف الآن لن تكون بأصعب من الظروف التي واجهوها هم في ماضيهم بأي حال من الأحول. عليهم أن يشجعوا أبناءهم على التعليم والعلم، فالإمام احمد بن حنبل رحمه الله يقول: الناس محتاجون إلى العلم اكثر من حاجتهم إلى الطعام و الشراب، لأن الطعام والشراب يحتاج إليه الناس في اليوم مرة أو مرتين والعلم يحتاجون إليه بعدد الأنفس!

أما عن الدولة ومسؤليتها في هذا الباب، فهي المُلام الأول والأخير عن تردي مستوى التعليم بالبلد! مدرسين دون المستوى ودكاترة مشكوك في مؤهلاتهم، ومدارس وجامعات لا تنفع كحضائر للبهائم! أين الرقابة وأين واجبات وزير التربية والتعليم ووزير التعليم العالي فيما يحصل! كيف يتم الغش بهذه السهولة والأريحية ومن قبل الطلاب والمدرسين والحراسات الأمنية التي كان يفترض أن تحمي عملية الاختبارات!! يا سعادة الوزيرين، لم يتم تعيينكما لهذين المنصبين لتقوما بالظهور في التفاز والإدلاء بالتصريحات، بل كان الهدف هو أن تقوما بواجباتكما في الرقي بمستوى التعليم بالبلد، وإذا لم تكونا عند هذه المسؤلية، فخيراً لكما أن تتركاها لمن يكون قادراً عليها، وتذكراً أن الله سبحانه وتعالى سيسألكما عن رعيتكما (أبنائنا الطلاب والطالبات)، فكيف ستتنصلان من هذه المسؤلية بين يدي الله!