الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٥٢ صباحاً

جنت على نفسها براقش !!!

بشير المصباحي
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
يغلب على الحياة العامه في بلادنا سياسة الفعل وردة الفعل والتعامل العاطفي الذي يبتعد عن التفكير المسئول ولا يصل إلى البعد الإستراتيجي في تحليل الوضع السياسي ، والنظر إلى الجانب الإقتصادي وما يتعلق به من الخطط والبرامج الحياتيه للمواطن كأحد العوامل المساعده في تحقيق الطموح الشخصي لبعض السياسيين والقاده في تنفيذ تحركاتهم وطموحاتهم السياسيه.
وفي الحقيقة إن ذلك الأمر قد سيطر على كل مجريات الأمور والأحداث ، فأصبح كل حدث رهينة لتأويله وفقا لرغباتنا وتوظيفه سياسيا بما يخدم تعزيز الدفاع عن حجتنا التي نحاول إثباتها للأخرين.
فأصبحت السياسة تسيطر على منطقنا وتعاملاتنا اليومية فتدخلت في كل صغيرة وكبيره ولم تتورع عن إستخدام قوت المواطن وإحتياجاته الضرورية للمزايدة عليها من قبل الخصوم التقليديين وإستخدامها كأوراق من قبل كل طرف للضغط من خلالها في الإتجاه الذي يراه صحيحا.
ونظرا لعدم الإعتماد على النفس في اليمن في بناء الموارد الصناعية أو الزراعيه التي لم يحقق البلد منها الإكتفاء الذاتي لإحتياجاته فإن الأوراق المتاحة لإستخدامها من قبل السياسيين أصبحت محدودة جدا وقد تمحورت بشكل أساسي حول مصادر الطاقة الطبيعية.
ففي الأشهر الماضيه ومن أجل تحقيق مكاسب سياسيه وهميه للسلطة قامت بعض القوى النافذه بإخفاء مادة الغاز من السوق وبعدها الديزل ثم البترول وذلك حتى تجعل منها أزمة حقيقيه يبحث عن توفيرها المواطن من السوق السوداء بأسعار مضاعفه أملا في أن يصرفه ذلك عن المطالبة بتغيير النظام وعدم حضوره إلى ساحات التغيير بسبب عاملي الوقت والمال اللذين يجب عليه أن يستغلهما بشكل أولي في توفير إحتياجات أسرته الأساسيه من الطاقه.
وقد دأبت حكوماتنا المتعاقبه على إستخدام هذا النهج في سياساتها منذ زمن بعيد حتى يكون المواطن في شرود دائم من أجل توفير إحتياجات عائلته بدلا من الإنشغال بالأمور العامه ومستقبل بلده والأجيال القادمه.
وبالرغم من ذلك فإن التطورات الأخيره على الساحه قد أثبتت فشل تلك المحاولات اليائسه من قبل السلطات فلم تجد أمامها سوى إستخدام الورقة الإقتصادية الوحيدة المتبقية لديها وتحت إدارتها الكاملة والمتمثلة بالتيار الكهربائي الذي تقوم بقطعه عن الأحياء والمدن لمدد طويلة خلال ساعات الليل والنهار حتى أصبح الأمر شبه معهود لدى المواطنين.
إلا أن الجديد في ذلك أنه وبمجرد أن تم الإعلان عن سفر رئيس الجمهورية للعلاج في الخارج صادف ذلك عودة التيار الكهربائي بدون إنقطاعات في العاصمة صنعاء ومحافظات أخرى ، ولم يكد المواطنون يهنئون بذلك لمدة يومين حتى أخذت التحليلات السياسيه تعتمد على الموضوع كمادة دسمة للصحافة والتقارير الإخباريه وأعتبره البعض بأنه إنتصار كبير للثوره وعلق عليه أخرون أنه نهاية لمرحلة من الظلام الدائم وبداية لبشارات النور التي طال أمدها وإنتظارها وكأن بلادنا لا تعاني من شئ سوى الإنطفاءات الكهربائية المتكرره والتي بتوقفها وعودة التيار الكهربائي لطبيعته تحققت مطالب الثورة وأهدافها كاملة!!!
وبغض النظر عن السبب الحقيقي لعودة التيار الكهربائي في تلك اليومين سواء كان ذلك لدواعي أمنية أو لأسباب سياسيه أو كما يزعم نائب وزير الإعلام / عبده الجندي بأن عودة التيار الكهربائي كانت بسبب إصلاح الأعطال في الشبكة أو توفر مادة الديزل أو إنهاء التقطع أو غيرها من الأسباب.
فإنه ومن بديهيات القول أن تلك العودة إذا ما أستمرت فإنها كانت ستخفف الكثير من المعانات لدى المواطنين لولا التسرع من قبل الكتاب والمحللين والسياسيين المخضرمين الذين يقومون بتسييس كل صغيرة وكبيره في هذا البلد لتعزيز نظرياتهم التي يعمل الطرف الأخر كل ما بوسعه لإثبات عكسها بكل الوسائل والطرق.
ومن المؤسف القول أنه لولا تلك التحليلات لكانت صنعاء والكثير من المحافظات الأخرى تنعم بتيار كهربائي غير منقطع خاصة مع وجود دلائل تؤكد أنه لا توجد أي أسباب فنية أخرى قد تقف عائقا أمام قطع التيار الكهربائي بهذا الشكل العبثي الذي يسئ لرموز النظام وسلطتهم الممتده لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن وحجم الإنجازات الفعلية التي حققوها في خدمة الوطن والمواطن كما أن الأمر يمثل مصدر إدانة لهم مهما كانت المبررات والحجج التي يتباهون بها أمام الرأي العام.
ومع ذلك كله فإننا ندعوا إلى إبعاد إحتياجات المواطن الأساسيه عن الإستخدام السئ والمزايدة عليها من قبل السياسيين ، وتحريم إستخدامها لتبرير نظرية أي طرف كان على الساحه.
وفي الوقت نفسه لا نجد من مواساة لأنفسنا من ثقافة الفرح والإحتفالات اللحظيه المتلاشيه سوى أن نتذكر (ما جنته على نفسها براقش) والله من وراء القصد.