الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١١:٥٩ صباحاً

ثورة الشعب السلمية ستهزم النظام وعنفه

وسيم القرشي
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
وسيم القرشي:
شباب الثورة قرروا الاستمرار في خياراتهم السلمية والتصعيد حتى يسقط نظام صالح وحينها ستسقط معه كل المبادرات الرامية لحمايته.

اليمن السعيدة .. اليمن الخضراء .. أرض خصبة وشواطئ تمتد لأكثر من الف وسبعمائة كيلو فيها أكثر من عشرة ملايين انسان مهددين بالموت جوعا.

آلاف اليمنيين يقضون أعمارهم تسللا وطردا في حدود الجوار بحثاً عن فرص أفضل للحياة.

آلاف الأطفال تنتهك حقوقهم وأعراضهم في أسواق العمل الذي أجبروا عليه ليعيلوا أنفسهم وأسرهم.

أربعة وعشرون مليون يمني أحلامهم أن لا يموتوا بالملاريا أو يصاب أطفالهم بشلل الاطفال في عصر الهندسة الجينية الطبية.

قبل أكثر من أربعين عاماً وصل أول إنسان إلى سطح القمر لكننا في اليمن مازال البعض يحلم في الوصول إلى بيته بسيارة بدلاً عن الحمار.

في عصر تكنولوجيا الاتصال لا يزال يمنيون كثر يحلمون بأن يقرأ رسالة ورقية أرسلها له عزيز ما.

تكونت الثورة اليمنية في أذهان الشباب قبل أن تندلع على الارض.. مؤشرات اقتصادية سيئة للغاية ومعدات نمو متناقصة وحالة امنية متدهورة كانت تحكي واقع الفقر الشديد والجهل والمرض الذي يعيشه معظم اليمنيين والذي حاربته ثورات اليمن السابقة ،وبفساد لا يصدق كان صالح يبيع ثروات اليمن بثمن زهيد ليثري نفسه وأسرته ونخبة من مقربيه.

وبرغم مساؤى الديمقراطية الديكورية التي كانت يمارسها صالح مكرها كإحدى التزامات الوحدة اليمنية وسببا لطلب الدعم الدولي ورغم أنه كان يعيد فيها انتاج فساده الا أن اليمنيين والمعارضة قرروا الاستفادة منها، فمع مال واعلام مكرس لخدمة النظام كانت الانتخابات سبيلا لاقناع اليمنيين بإمكانية تغيير النظام، وفعلا تكونت هذه القناعة لدى اليمنيين وصار طموحا.

تحول هذا الطموح الى أزمة قابلة للانفجار حين بدا صالح ديكتاتوريا ملكيا يسعى للوصول بحكمه الى أكثر من أربعين سنة عبر تمديد فترات حكمه بالتزوير، تم توريث اليمن كجزء من مقتنياته لابنه.

لم يستطع الشباب اليمني ان يكبت رغبته في ان يكون جزءا حقيقيا غير مغيب بفعل نظام صالح من العالم ، ولم يعد يتقبل ان يكون مجرد مساحة مفروضة على جغرافيا العالم ، ولهذا قرر الخروج.

خرج شباب اليمن يحملون أحلامهم إلى ساحات الحرية والتغيير في مختلف محافظات اليمن قائلين لصالح كفى لن تسلبنا مستقبلنا.

حين خرج الشباب اليمني الى الشارع كانوا عزلا لا يحملون سلاحا في بلد يملك شعبه أكثر من ستين مليون قطعة سلاح، لقد كان ذلك إيذانا بعصرجديد لدولة مدنية حديثة في اليمن

اشتعلت الثورة التونسية واشتعلت معها حماستنا لإسقاط النظام في اليمن فقد كانت تونس أفضل إقتصاديا من اليمن ونزل طلاب جامعة صنعاء في 15 يناير يرفعون شعار اسقاط النظام لأول مرة، ومع خروج الشباب المصري لاسقاط نظام مبارك أدركنا أن فرصتنا ستكون أكبر إذا سقط مبارك فقد كان صالح يغش من كتابه.

بعد سقوط مبارك بساعة مساء 11فبراير2011م خرج آلاف الشباب اليمنيين في تعز للاحتفال ليس بسقوط مبارك فقط بل بإعلان بدء الثورة اليمنية فقد تحول شعار حيوا الثورة المصرية فجأة الى الشعب يريد اسقاط النظام.

من ليلتها بدأت اعتصامات تعز وتأخر اعتصام صنعاء بسبب قمع النظام للشباب فيها وبعد جمعة البداية في تعز بدا الشعب اليمني فيها ملتئما متحدا لاسقاط الننظام استطاع الشباب في صنعاء تثبيت اعتصاماتهم أمام جامعة صنعاء في 18 فبراير.

بعد أيام كنا نفكر كيف سيسقط هذا النظام؟ وبانضمام المعارضة في 21 فبراير أدركنا أن صالح فقد شرعيته الشعبية تماما وبقى أن نسقط باقي أوراقه الداعمة لحكمه ؛ القبيلة والجيش والمال والمجتمع الدولي.

إنضمت قبيلتي حاشد وبكيل الى التورة وهما أكبر قبائل اليمن وتلتها جميع القبائل اليمنية لتسقط ورقة القبيلة، وكانتقام قام صالح بتاريخ 18 مارس بإرسال قناصة من الحرس الجمهوري الى ساحة الاعتصام في صنعاء فقتل أكثر من خمسبن شابا وجرح المئات في جمعة دامية اهتز لها الضمير الانساني. لقد أدمى منظر أولئك الشهداء والجرحى من الشباب قلب كل يمني وأبكى الانسانية ،فقد كان أولئك الشباب طلابا يعدون انفسهم في الجامعات لبناء يمن جديد وقد خرجوا يحملون حلمهم الجميل فعادوا محمولين على الاكتاف، وحين غادر هؤلاء الشباب الحياة كانوا يوجهون للعالم سؤالا حيرهم كيف يكون الرئيس الذي خلقوا في عهده هو ذات الرئيس الذي وجه بإنهاء حياتهم بإسم الديمقراطية والشرعية . لقد قتل صالح حتى اليوم حوالي خمسمائة شاب وجرح أكثر من أربعة آلاف

بعد يومين فقط كانت دماء الشباب تدقع بقيادات كبيرة في الجيش الى اعلان تأييد ثورة الشباب السلمية ثم تلتها استقالات كبيرة في الهيئات الادارية والدبلوماسية العليا في الدولة، لتشعر حينها اننا أنجزنا ثورتنا.

بدأ صالح باستخدام المهارات التي يجيدها وهي الكذب والخداع والمراوغة فوافق على التنحي في نفس هذا الأسبوع كنه أنفق اموالا ليجمع من استطاع في ساخة السبعين في صنعاء 25 مارس ويعلن أنه لن يترك الحكم مهما كلف ذلك من دماء.

بدا صالح سيئا ومتشبثا بالسلطة بما يكفي لإدخال بلده في حرب وهو لايزال يسيطر على الحرس الجمهوري الذي يقوده ابنه والامن المركزي الذي يقوده ابن اخيه والقوات الجوية التي يقودها أخوه، لكن المعروف عنه أنه جبان لايستطيع أن يخوض حربا اذا لم تكن محسومة لصالحه ولهذا ظل الوضع يراوح مكانه.

قرر شباب الثورة أن يصعدوا عبر تعطيل الدوائر الحكزمية الهامة لإسقاطه وبدأنا بمسيرات كنا نود من خلالها توجيه رسائل تفيد بقدرتنا على الوصول الى دار الرئاسة لكننا نريد حقن دماء اليمنيين والحفاظ على سلمية الثورة، لم يفهم صالح الرسالة وفي كل مسيرة سلمية كان يقتل المزيد، وإذا كان قدرنا أن نفقد شهداء كل يوم فلماذا لا يكون فعلا على أبواب دار الرئاسة.

شعر صالح بقرب سقوطه فأخذ يرسل إشارات الى الخارج أنه سيفجر حربا سيكون لها أثرها الكارثي ليس فقط على اليمن بل المنطقة والعالم وهنا جاءت المبادرة الخليجية وبدعم أمريكي وطبعا هذه هي آخر أوراق صالح .. المجتمع الدولي.

رغم احتواء المبادرة على بند التنحي الا أنه لم يكن فوريا وهنا كانت أول أسباب رفض شباب الثورة لها فصالح مخادع نكث اتفاقا سابقا بعد يومين فكيف بشهر، انه وقت كاف له لاستعادة انفاسه وضرب الشباب والمعارضة ومن ثم التنصل.

أما السبب الثاني فقد أعطت المبادرة لصالح وأركان حكمه ضمانات لعدم المحاكمة وهذه خيانة لدماء الشهداء وللشعب اليمني الذي يحلم باسترداد ثرواته المنهوبة لدعم متطلبات مرحلة مابعد اسقاط النظام.

ثالثا اقتضت المبادرة بنقل السلطة الى النائب حتى قيام انتخابات رئاسية وهنا تخوفنا من تكوين نظام آخر فاسد بأوجه مختلفة وتكون التضحيات التي قدمها الشباب ذهبت سدى، فمطالبنا كانت ولاتزال نظام قائم على التوازن بين القوى الوطنية يستلم فيه السلطة يضمن الحريات السياسية وحرية الاعلام واحترام حقوق الانسان والاعتماد على قضاء عادل مستقل ونزيه.

رابعا اشترطت المبادرة رفع الاحتجاجات وهو امر يعارض خططنا ببقاء الاعتصامات حتي تحقق اهداف الثورة فضلا على ان هذا الشرط يشعر بسوء نية صالح، فإذا كان قرر التنحي فلماذا يهمه رفع الاعتصامات؟

هكذا شعر الشباب أن المبادرة مثلت مخرجا للنظام وإطالة في عمره وكانت ستؤدي الى خلاف بين الشباب والمعارضة التي وافقت على المبادرة بضغط من المجتمع الدولي وحقنا لدماء اليمنيين بحسب وجهة نظرهم.

بوعي كبير يدرك شباب الثورة أن أي خلاف مع المعارضة سيستخدمه صالح ولهذا قرروا أن يستمروا في خياراتهم الثورية السلمية بعيدا عن خيارات المعارضة والاستمرار بالتصعيد بدأ بالعصيان المدني وانتهاء بالاعتصام أمام دار الرئاسة حتى يسقط نظام صالح وحينها ستسقط معه كل المبادرات.

ويبقى أن يدرك المجتمع الدولي ودول الخليج تحديدا أن صالح وبعد أن فقد شرعيته يسعى لأن يورطهم معه، فشباب الثورة سينهون ثورتهم بدعمهم أو بدونهم لكن رفع الشرعية الدولية عن صالح سيحقق أمرين:

الأول : ستمنع صالح من قتل المزيد من الشباب او ارتكاب حماقات قد تضر بالعالم.

الثاني : أنه سيكون انحيازا الى قيم الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية وهي القيم التي لأجلها يناضل الشباب.

وأخيرا فإن شباب الثورة اليوم يدركون جيدا أن دولتهم المدنية القادمة ستكون جزءا من المجتمع الدولي وسيكون بلا شك لموقف المجتمع الدولي الداعم لثورتهم اليوم أثرا دافعا لهم لتقديم شريكا دوليا مرضيا للعالم ، كما أن تخاذل المجتمع الدولي اليوم تجاه قضيتهم العادلة سيؤتر سلبا على قناعاتهم المستقبلية تجاه هذا المجتمع الدولي.