السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٠٣ مساءً

الحُرية المُطلقة مَفسدةٌ مُطلقة!

حبيب العزي
الخميس ، ١٢ يوليو ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
الحرية مفهوم رائع وجميل ، وهي جوهر ما أتت به الرسل والرسالات وكل شرائع السماء ، كما أنها معاكسة تماماً لمفهوم "العبودية" التي كانت سائدة بين بني البشر لفترات طوال ، حتى جاء رائد الحرية الأول محمد صلى الله عليه وسلم ليُرسِّخ دعائم أول دولة قامت على أساس مفهوم الحرية والشورى "الديمقراطية بلغة اليوم" ، وهي الدولة الإسلامية، إذ أن هذه الدولة أطلقت الحرية للناس في حالهم ومآلهم وحلِّهم وتِرحالهم وفي كل شيء في حياتهم ، لكنها بذات الوقت عمِلت على ضبطها وتهذيبها وفقاً لضوابط محددة أتى بها المُشرِّع الحكيم سبحانه، بما يحفظ للناس دمائهم وأرواحهم وأعراضهم وأموالهم ، فأصبحت بذلك "الحرية المنضبطة" وليست "المقيدة" كما يحلو للبعض أن يصفوها وبخاصة غُلاة الليبراليين ذوو التوجه العلماني، الذين لا يعجبهم العجب في كل شيء ذو صلة بـ"إسلامي".

ووفقاً لما سبق، فنحن – كمسلمون وكعرب- نفهم الحرية على أنها دين ومعتقد ابتداءً، ناهيك عن كونها حق ثابت وأصيل للإنسان المسلم في التشريع الإسلامي ، قبل أن تأتينا بها منظمات حقوق الإنسان، وقبل أن يُعرِّفها لنا أساتذة التغريب وفقهاء العلمانية من أنها "الحرية المُطلقة" ، تلك الحرية التي لا أفهما وفق تعريفهم ذاك إلاً على أنها "المنفلتة" عن الضوابط ، المنسلخة عن القيم ، والمتمردة على الهوية، ثم المتصادمة أصلاً مع مفهوم الحرية الحقة التي جُبل الإنسان عليها، ولذلك فإننا نحاول ترجمتها على أرض الواقع وفقاً لهذا المفهوم الأصيل، المتجذر في تراثنا وحضارتنا ، حتى لا يحدث ذاك التصادم المذموم بينها -أعني الحرية المطلقة بمفهومها الغربي - وبين الحرية المنضبطة بقيم وثقافة وهوية المجتمع ، فتصبح جراء ذلك مفسدة مُطلقة، تطال المجتمع بأسره ، وإذا زاد الشيء عن حده انقلب ضده.

إن القول –مثلاً- بالحرية المُطلقة في صياغة الدساتير ، وفي سن التشريعات والقوانين المنبثقة عنها تُعد "مفسدة كُبرى" على الإطلاق -من وجهة نظري- في حال حدوثها، وهي قد عادت بعواقب وخيمة على الأمة بأسرها طوال العقود الماضية، حينما استطاع الحاكم الفرد أو "الديكتاتور" في عالمنا العربي أن يتصرف بها وفق هواه ، وستعود كذلك بعواقب كارثية على الأمة في المستقبل ، إذا غفل عنها شباب وقادة الثورات في بلدان الربيع العربي ، ولا يعني قولنا ذاك مطلقاً عدم إقرارنا بأن "الأمة هي مصدر السلطات" ، على العكس من ذلك فنحن من المؤيدين والداعين لتطبيق هذا المبدأ ، لأنه أصيل كذلك في ثقافتنا وفي تراثنا وهويتنا ، وذلك من منطلق أن الأمة لا يمكن أن تجتمع على ظلالة.

لقد كان أهم مطلب جاءت لأجله ثورات الربيع العربي هو الحرية ، حرية الرأي والتعبير، وحرية التفكير وليس "التكفير" ، وحرية التظاهر ، والاحتجاج السلمي ، ولدينا هنا في اليمن وبفضل تضحيات ودماء الشهداء استطاعت الثورة اليمنية أن تحصل على بعض مطالبها في الحرية وبمقدمتها حرية الاحتجاج والتظاهر السلمي ، وأرجوا أن تضعوا ثلاثة خطوط تحت مصطلح "السلمي" ، وهنا أسأل دعاة الحرية المطلقة ، هل لفظة "السلمي" في هذا السياق تشكل "قيد" على المتظاهرين، أم أنها "انضباط" يحفظ للمجتمع أمنه من الانفلات ومصالحه من التعطل؟! والجواب -بالنسبة لي على الأقل- معلوم بداهة ،لأن العكس سيعني الانفلات حتماً ، والانفلات إضرار بمصالح البلاد والعباد ، وهو بذلك .. مفسدة مطلقة.
إن التمرد على رئيسك في العمل ، أو مديرك في الشركة أو المؤسسة التي تعمل فيها "بغير وجه حق" ولمجرد خلاف شخصي قد يكون نشب بينك وبينه في قضية ما خارج إطار العمل ، أو لتصفية حسابات قديمة ... أو ... أو الخ ، ثم تقوم إثر ذلك بتحريض مجموعة من زملائك داخل المصلحة وتخلقون نوعاً من البلبلة وترفعون الهتافات بكلمة "ارحل" وما شابه ، كل ذلك .. فقط .. بحجة أنك تعيش أجواء ثورة وأنك بتّ اليوم حُرٌ في تصرفاتك تقول ما تشاء وتهتف بما تشاء!! .. معذرة .. فهمك للحرية هنا وبهذه الطريقة يُعد .. مفسدة مطلقة.
إن رفع مكبرات الصوت في الأعراس ، ووضعها على النوافذ المطلة من البيوت إلى الشوارع بشكل مباشر ، أو على البلكونات ، مسببة بذلك إزعاجاً حاداً للمارة على الطرقات ، وإيذاءً للمرضى داخل البيوت وفي المستشفيات ، وكذا خرقاً صارخاً للأعراف والقيم وأخلاقيات المجتمع، ثم والأدهى من ذلك إطلاق الأعيرة والألعاب النارية التي تشبه أصواتها أصوات تلك القنابل الصوتية المدوية ، التي تفزع الآمنين ، وتحدث الرعب في نفوس الأطفال ، وأعني هنا تحديداً مدينة تعز التي أقطنها وأعايش -مع أطفالي- حالة الرعب "اليومي" التي تنتابنا حتى ساعات متأخرة من الليل جراء تلك الأعمال "الصبيانية والمراهقة" ، ولا أدري فيما إذا كانت بقية المحافظات هي على هذا المنوال ام أنها بحال أفضل أو ربما أسوء لست أدري تماماً، لكن بكل الأحوال فإن كل تلك التصرفات "المقرفة" التي ترافق الأعراس - واعذروني على اللفظ- هي "غير لائقة وغير مسئولة" وخارجة تماماً عن إطار الذوق العام ، وهي تنم عن فهم عقيم ومتردي لدى أصحابها لمفهوم الحرية ، والتي لا يختلف "عاقلان" على أنها.. مفسدة مطلقة.

 واجب العزاء:
أثناء كتابتي لهذه السطور باغتني خبر وفاة الوالد والأستاذ القدير/ أحمد هائل سعيد أنعم ، ورأيت أن من واجبي تقديم العزاء لأسرة الفقيد ولمجموعة هائل سعيد أنعم وشركاه ، كما لمحافظ تعز الأستاذ/ شوقي هائل " نجل الفقيد" ، ولنفسي وعموم الشعب اليمني، في هذا المصاب الجلل ، وأسأل الله العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان .. وإنا لله وإنا إليه راجعون.