الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٥٩ مساءً

خطر التقاسم.. أجعلوا المعايير الأهم

عارف الدوش
السبت ، ١٤ يوليو ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
• كلما قلنا عساها تنجلي قالت الأيام هذا مبتداها، وما أشبه الليلة بالبارحة وديمة خلفنا بابها ورجعت حليمة لعادتها القديمة، مقولات وعبارات وحكم يتم تداولها في اليمن منذ قديم الزمان بصيغ متعددة ومفاهيم واحدة خاصة عندما تتوتر العلاقة بين أصحاب الحكم ومراكز القوى وتبدأ عمليات التهميش والإقصاء والإبعاد لتتطور قليلاً قليلاً لتصبح عمليات تخوين وتكفير وعمالة ثم ترتفع درجة السخونة لتبدأ عملية الاغتيالات ضد الطرف المستهدف إبعاده وإقصاؤه من الحكم أو الشراكة فيه، هذا الأمر يتكرر باستمرار لنتذكر الصراعات الدامية في مرحلة الستينات والسبعينات والثمانيات بين أبناء الوطن الواحد شمالاً وجنوباً فقد جرت التصفيات والاغتيالات وتقاتلت الوحدات العسكرية والأمنية أكثر من مرة واستخدمت الدبابات والأسلحة الثقيلة والخفيفة في أحداث أغسطس 68 في صنعاء وقبلها في مارس في الحديدة وبعدها جرت سلسلة من الاغتيالات والتصفيات شملت قادة عسكريين ومقاتلين أبطالاً أبرزهم النقيب عبد الرقيب عبد الوهاب أحد أهم وأبرز قادة ملحمة فك حصار صنعاء، ولست متحمساً لسرد الأسماء لإنها تنبش الجراح، كما ظلت فترة حكم القاضي عبد الرحمن الإرياني فترة رخوة وفلتاناً امنياً وفوضى وهو الرئيس المدني لكن فترة حكمه اتسمت بالضعف والهزال وكان الانفلات الأمني سيد الموقف والاغتيالات والتصفيات وسيلة الإبعاد ليس من الحكم والمشاركة فيه وإنما من الدنيا كلها والسجون والتهم الجاهزة « تخوين واتهام بالعمالة والتكفير» استخدمت كوسائل تهميش وإقصاء

• ما أشبه الليلة بالبارحة أن ظروف البلد هذه الأيام تتشابه مع أواخر أيام القاضي الإرياني مع بعض الفارق لكن السياق العام واحد فهناك انفلات أمني واغتيالات والوظيفة العامة حولها النظام السابق الى غنائم وزعها بين مراكز القوى والنافذين الكبار فإذا كان الظلم والاستئثار بالسلطة وإلغاء التوريث وانتشار الفساد الإداري والمالي من ضمن دوافع الثورة الشبابية الشعبية فإن ما يجري اليوم ينذر بخلل واضح فعندما اتفقت القوى السياسية والعقلاء في اليمن بضغط اقليمي ودولي قوي على المبادرة الخليجية كان خيار التقاسم والمناصفة على حكومة توافقية بين المعارضة والحزب الحاكم حينها المؤتمر الشعبي العام فتمت المناصفة والتقاسم في الوزراء دون أن تذكر المبادرة أن تتسلسل عملية التقاسم والمناصفة الى المستويات الدنيا وهذه من إيجابية المبادرة والمعارضة والمؤتمر ورعاة المبادرة، فالوظيفة العامة عندما تخضع للتقاسم والمحاصصة تضعف الدولة والحكومة ويسود الاضطراب وتتوسع الخلافات وتنتهي الأمور بحرب طاحنة كما حصل في الفترة الانتقالية بعد تحقيق الوحدة والتقاسم بين الاشتراكي والمؤتمر ثم بين المؤتمر والاشتراكي والإصلاح وانتهت الفترة الانتقالية بحرب صيف 94م المشئومة التي استخدمت فيها الصواريخ والدبابات والطائرات والأسلحة الثقيلة حيث دمرت فيها مدن الجنوب عدن ولحج وأبين والضالع واستبعد الاشتراكي من السلطة ليتم التقاسم بين المؤتمر والإصلاح فتم استبعاد الإصلاح في 97م لينفرد المؤتمر ويسود الطغيان وتبدأ عمليات الإبعاد والإقصاء والتهميش استعداداً للتوريث فكبر الاحتقان بعد انتخابات 2006م الرئاسية التي جرى فيها التهديد باستخدام القوة العسكرية والدبابات ان تم اعلان فوز المهندس فيصل بن شملان رئيساً للجمهورية فزاد الإحتقان وجاءت الثورة الشبابية الشعبية السلمية لتنقسم السلطة والجيش فكان القتل والتعذيب والدمار والمعاناة في كل من صنعاء وتعز وجرى استخدام الدبابات والأسلحة الثقيلة والمدافع لقصف الأحياء والمناطق الآهلة بالسكان في كل من صنعاء وتعز بالتحديد.

• فالتقاسم والمحاصصة في الوظيفة العامة هو عبارة عن فيروس قاتل للثورات والتسويات الكبيرة يبدأ بإضعاف سيرها نحو التغيير وانجاز أهدافها وقد أثبتت التجارب السابقة ان التقاسم ينتهي بأزمة وصراع بين المتقاسمين ثم حرب فهل تستفيد القوى السياسية والأحزاب وقادة الدولة والحكومة من تجارب التقاسم السابقة سواء بين الاشتراكي والمؤتمر أو بين المؤتمر والإصلاح بعد إقصاء الاشتراكي بحرب 94م ويعلمون على ترك الوظيفة العامة لمبدأ معيار النزاهة الكفاءة ورضا الناس بعيداً عن الولاء الحزبي المخادع في كثير من الأحيان وتطبيق معيار النزاهة والكفاءة ورضا الناس يتم من خلال الالتزام بمعايير التعيين والترقية وفقاً لشروط شغل الوظائف في الخدمة المدنية وجعل المناصب القيادية تخضع للتنافس بين المعايير، فمن تنطبق عليه المعايير يتم ترشيحه للمناصب ويتم المفاضلة ومن أهم شروط المفاضلة التأهيل ونظافة اليد ورضا الناس الذين سيقودهم أو يديرهم القائد أو الإرداي المعين وهو رضا نابع من معرفة ويقين المجموع وليس الشلة أو المنطقة أو القبيلة أو الطائفة أو الحزب فكل هذه تكوينات أصغر من الوطن وهي التي أفشلت كل الثورات والتسويات.

• إذن المعايير هي الأهم والتقدم والتطوير والعدالة والتوازن هي في الأخير معايير فالمفروض أن يتم اعتماد التدوير الوظيفي على المعايير وليس الانتماء الحزبي ولو تمعنا في التعيينات الجديدة التي تمت حتى الآن سنجد موضوع المعايير غائباً والمعيار المعتمد هو الانتماء والولاء الحزبي والشخصي والمعرفة والصداقات والارتياح ولا تطالبوني بأدلة وأسماء فكل الناس يعرفون بعضهم ويعرفون دائرة الأصدقاء وكيف تعين فلان وكيف ترقى علان وكيف تم اختيار زيد أو عمرو لشغل هذه الوظيفة أو تلك ومن اختاره وعلى أي أساس تم اختياره فقد فكنا نسمع خلال الفترة الماضية أن الرئيس السابق صالح كان يمنح المؤسسات لأشخاص مقربين منه ومن تم تربيتهم من خلال الأجهزة الأمنية التابعة له وهم كانوا يتباهون بذلك فمعيار الولاء لرأس النظام وما يريده والقيام بخدمته كان الشرط الوحيد للتعيين والاختيار فلا نريد أن نسمع اليوم بعد الثورة الشبابية أن الأحزاب منحت المؤسسات أعضاءها فيأتون يتباهون مثل من سبقهم بمعايير الولاء للأحزاب وقادتها وأعضاء أحزابهم فالأمور تغيرت والناس عرفت طريق الثورة ولن تقبل وسوف تبحث لها عن أساليب نضالية جديدة إن أغلقتم الساحات ومارستم القمع والتهميش والإقصاء والتجويع وستقعون بما وقع به من سبقكم. فهل من معتبر.

ـــــــــــــــــــــ
صحيفة الثورة :الخميس, 12-يوليو-2012