السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٠٦ صباحاً

أحلام مشروعة في زمن الثورة

موسى العيزقي
الاربعاء ، ١٨ يوليو ٢٠١٢ الساعة ٠٦:٠٢ مساءً
الجميع يطلق أحلامه ويرفع سقف خيالاته إلى أبعد مدى.. الكل يريد الاستحواذ على السلطة والتهام المشروع السياسي باليمن بأي صورة وتحت أي ظرف.. الحالمون الجدد يجدون الفرصة مواتية للابتزاز السياسي والمراوغة بكل الأدوات المتاحة وبجميع الوسائل الموجودة داخلياً وخارجياً لكن تبدو فكرة الاستحواذ على السلطة في اليمن شبه مستحيلة لاسيما بوجود قطبين كبيرين يسيطران على المشهد ويسيرانه وفق حساباتهم الخاصة، وهذا يدركه جميع اللاعبون لكنهم يحلمون حتى باجتزاء شي من السلطة تمكنهم فيما بعد من إنجاح مشاريعهم الكبيرة، وعلى إيقاع وصخب الأحلام السياسية تزداد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية تفاقماً وسوءاً.. فاليمن من البلدان الفقيرة في المنطقة وتعاني من ارتفاع معدل البطالة، وتفشي الجهل والأمية واتساع دائرة الإرهاب وزيادة في معدل النمو السكاني وتفاقم بالأوضاع الأمنية ..سواءً على مستوى الجنوب الذي تلعب بعض الأقطاب هناك على وتر ( المشروع الانفصالي) الذي تغذيه أطراف من الداخل والخارج، أو على مستوى ( صعدة) الذي يتصدر المشهد هناك ( عبد الملك الحوثي) الطامح للتوسع والنفوذ والسيطرة، ويحضى هو الأخر بدعم داخلي وخارجي، أو على مستوى (الاشتراكيين) والحنين إلى الجارف للزمن الجميل.. الأحلام كثيرة والحالمون كثر وهذا ما سوف نسلط الضوء عليه في هذه التناولة السريعة..

• المؤتمرون وهوس السلطة..!
سيطر المؤتمر الشعبي العام على السلطة منذ عقود ولكنه انفرد بالسلطة بشكل كامل منذ العام 1997م، وبدأ منذ ذاك يمارس سلطته المطلقة من خلال قياداته وأعضاءه الذين أطبقوا السيطرة على مفاصل القرار والتحكم في كل المجريات.. بيد أنهم اليوم في وضع لا يحسدون عليه .. فهوسهم الشديد في التشبث بالسلطة أوصلهم لمرحلة السخرية بالزمن فلم يكن يتوقع هؤلاء أن يأتي يوم ويكونوا خارج المعادلة السياسية أو حتى شركاء في نصف سلطة على الأقل، بل لقد وصلوا في مرحلة معينة إلى تسمية حزبهم ( بالحزب القائد) على غرار ( حزب البعث) في سوريا والعراق، لقد هيمن المؤتمر الشعبي العام على ثروات البلاد وخيراته ومقدراته طوال فترة حكمه التي امتدت لعقود لكنه اليوم شبه اعزل في مواجهة حلم العودة للحكم باليمن ولم يبقى لديه سوى بعض التحركات الفردية التي سرعان ما تتلاشى.

• الجنوبيون وحلم الانفصال..
الجنوبيون يحلمون بالسلطة لكن ليست سلطة صنعاء وإنما سلطة ( عدن)، وحلم العودة إلى دولة الجنوب العربي ومهما استحوذ أبناء الجنوب كافة المناصب القيادية التي وصلت إلى رأس الهرم السياسي بالبلاد في دولة الوحدة فلن يعجبهم ذلك.. فيوماً بعد يوم تزداد حدة المواقف بالجنوب ويرتفع معها الأصوات المنادية بالانفصال.. الجنوبيون ينقسمون إلى تيارات عدة- وهذا ما يضعف تحركهم- فتيار يرى الفيدرالية الحل على الأقل آنياً على أن يكون هناك استفتاء لأبناء الجنوب بعد(5) سنوات، لتقرير المصير، وتيار آخر متشدد يطالب بفك الارتباك أو الانفصال بشكل واضح، والأخير يتزعمه علي سالم البيض- الرئيس الأسبق للجنوب- والذي تفيد معلومات خاصة للصحيفة أن صحته تدهورت في الآونة الأخيرة.. كما أن هناك تيار أخر يصنف بأنه التيار ( الصالحي) المدعوم من النظام السابق.. وهذا تيار يطالب بالانفصال لغرض فرض ضغوطات على حكومة الوفاق والرئيس ( هادي) ويرى كثير من المراقبين انه وسط كل الضجيج الصادر من الجميع وحجم الأحلام السياسية التي يشرعن كل طرف لنفسه تبقى القضية الجنوبية هي المؤرقة والمهددة للسلم الاجتماعي باعتبارها تهدد مستقبل الوطن وسلامته ووحدة أراضيه.

• الحوثيون وطموح التوسع
توسع ملحوظ وامتداد واضح في المشروع الحوثي في اليمن.. شيئاً فشيئاً بدء الحوثيين بمد سيطرة نفوذهم على أراضي ومناطق واسعة من الدولة.. فبعد سيطرتهم شبه التامة على محافظة ( صعدة) أمتد نفوذهم إلى المحافظات المجاورة لصعدة.. ( الجوف، حجة، عمران) ...
يعد السيد عبد الملك الحوثي- زعيم الحوثيين- واحد من الحالمين في حكم اليمن، بل يعده أمر الهي وحق رباني وهذا سبب اختلافه مع ( صالح) بعد أن كان شريكه في إدارة تلك المناطق، يرى محللون إن قضية صعدة من أهم القضايا التي قد تعيق تحقق الدولة المدنية الحديثة، نظراً للترويع الطائفي التوسعي المرتبط بدولة إيران، الأمر الذي قد ينذر بتجدد المواجهات بين السلطة المركزية وجماعة الحوثي في حال استمر الحوثيين بالتوسع وحمل السلاح وتجاهل تام للحكومة والمؤسسات الأمنية .


• الإسلاميون .. حلم أزلي بالسلطة
يعمل الأخوان المسلمين ( حزب الإصلاح) بكل طاقته وإمكانياته من اجل الضفر بحكم اليمن.. أقام التحالفات مع نظام صالح وشاركه في الحكم ولو بمساحة ليست كافية لكنه أصر على الوصول بأي وسيلة وعلى أي طريق.. يمتلك تنظيم ( الإصلاح) مرونة سياسية مهولة .. فله القدرة على إزاحة الجميع لصالح هدف وضمهم مرة أخرى ضد نفس الهدف.. يمتلك ( الإصلاح) خبرة سياسية طويلة وله علاقات داخلية وخارجية ولديه مؤسسات واستثمارات في الداخل والخارج لكن سياسيون أكدوا أن نقطة ضعف هذا الحزب العتيد ( عقدة الإقصاء).. والتي باتت مصدر قلق حتى لشركائه في العمل السياسي المتمثل بتكتل ( اللقاء المشترك.. ويعد فوز الأخوان في رئاسة مصر بقيادة الرائع الدكتور/ محمد مرسي بمثابة الرافد اللوجستي للجماعة في اليمن.. الأخوان يحلمون بالسلطة وهذا حقهم كونهم مؤسسة مدنية لكن عليهم أن يتعلموا من أخطاء الماضي وان يكونوا أكثر انفتاح ومرونة..

• الاشتراكيون والحنين للماضي.
كان الحزب الاشتراكي اليمني هو الحاكم الفعلي لجنوب الوطن قبل الوحدة، وكانت كوادره وقياداته تحضى بامتيازات مهولة وبعد دخوله في وحدة اندماجية مع شمال الوطن ضل محتفظاً بنصف السلطة بعموم الوطن اليمني ولكنه فيما بعد أقصي عن السلطة وحصل له نهب منظم لجميع مؤسساته ومقراته لاسيما بعد أحداث (94م) التي ذهبت فيها حتى معظم قياداته ما بين النفي والتصفية الجسدية.
الاشتراكيون اليوم يحنون للزمن الجميل، ويحلمون بتقاسم عادل للسلطة وفق حساباتهم القديمة، لكن مراقبون أكدوا أن الحزب بحاجة ماسة لسنوات طويلة لإعادة بنيانه والوقوف على أقدامه من جديد خاصة بعد أن افلتت القضية الجنوبية من يده ولم يعد هو الحاضن الشرعي لها.. فقد تعددت القيادات وكثر المتحدثون وضاعت لقضية الجنوبية وسط الأصوات الناعقة.

• الليبراليون .. حلم جميل
يمكن أن يحلم الليبراليون كيفما يشاءون فلهم القدرة على ترجمة أحلامهم على ارض الواقع.. لكن المجتمعات العربية وبالتحديد المجتمع اليمني لم يصل لمرحلة النضج المدني حتى يتفهم تلك الأحلام الجميلة.

• العسكر.. ماكينة صدئة
يبقى مجرد التفكير بعودة الحكم العسكري في البلدان العربية التي ثارت على حكوماتها العسكرية بمثابة الاستحالة لاسيما وان الحكم العسكري لم ينتج سوى الظلم والاستبداد والقهر وما جاءت الثورات إلا لانتشال المجتمعات العربية من قبضة العسكر وتحريرهم لحكم مدني، ويرى مراقبون أن الشخصيات الكاريزمية العسكرية الحالية محسوبة على نظام ( صالح) وبالتالي لا يزال الوقت مبكراً للعودة إلى مرحلة الصفر.

• المستقلون.. مفاجأة الحالمون الجدد
بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها اليمن فضل العديد من الكوادر والقيادات الجنوح في خانة المستقلين وهؤلاء لديهم رؤاهم وأفكارهم وأحلامهم المدنية في حكم اليمن، ومن يدري لعل الرئيس القادم سيكون منهم لاسيما وهم يمثلون اغلب فئات وشرائح المجتمع.

ختاماً.. وسط زحمة الأحلام السياسية ثمة وطن يقبع اسيراً للتدخلات الإقليمية والدولية وهذا ما يضعف القادم مهما بدأ مخلصاً لهذا الوطن لذا على الجميع تحكيم ضميره والعودة إلى حضن الوطن الدافئ والانطلاق من نقطة بناء اليمن لحكم اليمن وليس لشيء أخر.