الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٥٨ صباحاً

مكانني ظمآن ،،،، وسيارة المدير

عباس القاضي
السبت ، ٢١ يوليو ٢٠١٢ الساعة ٠٢:١٥ مساءً
قالها وهو يتصنع الاعتزاز بالنفس : أنا الذي أغسل سيارة المدير ، لا يثق إلا بي ، وسط دهشة زملائه الذين وجدوا رائحة الطبقية حتى في مهنتهم البسيطة .

يا علي قوبه هي مسحة سيارة كانت حق مدير ، أو موظف ، صفعه أحدهم بهذه العبارة ، أنا داري يا صالح ، إنك كنت تتمنى أن يكلفك المدير بمسح سيارته ، لكنه رفض وقال : لا يمسح سيارتي إلا علي قوبه ، مش قلت لكم إنه ما يثق إلا بي ، رد عليه علي قوبه .

اقترب من السيارة وسطل الماء المخلوط بمسحوق الصابون المصحوبة برغوة فيري ، يرفع قدمه اليسرى إلى مداسة مدخل السيارة ، وبدء يمسح السيارة برفق كأنه يدلكها و وأحيانا يقوم بحركات بلهوانية ، وهو يصدح بصوته الجميل : " مكانني ظمآن شق الظما قلبي وأشعل في عروقي الدما,,,والشوق لا يرويه شلال ماء ،،، والحب لا يرويه ماء السماء ".

وعندما يغني على قوبه ،،أصحاب المحلات تفتح أبوابها ليتسلل إليهم صوت هذا الفنان المنسي ، حتى زملاؤه يتركون ما بأيديهم ، ليسمعوه وهو يغني ، فهذه الشريحة لها حس مرهف نتيجة لبساطة همومهم كبساطة حياتهم ، " كا كا سمعنا يا بنات في الحوية " صاح ، أحمد جمنه .

لفت إليهم لا تشغلوني دعوني أمسح سيارة المدير ، روحوا اطلبوا الله على بطونكم ، تحسبوني آلة تسجيل : ركب شريط ،، أقلب شريط ، هو هاجس تعرفون إيش معنى هاجس , اليوم طلعت معي أغنية مكانني ظمآن ،،،وواصل غناءه " أقاسم الطير في الأعشاش ضوء البكور ,, واشرب كؤوسي من الإصباح إشعاع نور ,,, وألفّ بالأنداء روحي وكم ,,, كم نمت في أحضان الغمام إنما ,,,,مكانني ظمآن ".

انتهى من المسح الخارجي , فتح باب السيارة ينفض ما بداخلها ويكنس ويلمع ويعطر.

هاهو المدير يقترب من السيارة ليدخل يده في جيبه فتخرج بما يسره , فيفتح باب السيارة للمدير ليصعد ثم يغلق الباب خلفه .

وقبل أن يدخل المبلغ جيبه ، أراد أن يستعرض أمامهم فقال لهم : كم حصلتم اليوم ؟ أدخلوا أياديهم في جيوبهم ليحصوا ما كسبوه منذ الصباح ,,ها ,,, كم طلعت ؟ ردوا عليه بصوت واحد : ثمانمائة ريال ،، أشار إليهم وهو ممسك بطرف ومطلق الطرف الآخر في الهواء : ألف ريال.

وواصل غناءه " خمائل الورد ، كم يا ورد ، كم يا ندى ،،، أعطيت قلبي ، ولكن ما ارتوى لي صدى ...." لكن أحمد جمنه ، مسك بتلابيب قميصه ، وهو يهزه قائلا : من صباح الصبح وأنت تمكنا مكانني ظمآن معك أكثر منا كلنا , قلت لك : غني لنا : يا بنات في الحوية ،،، تلك اليوم التي غنيتها حصلت ألف وخمسمائة ريال ، رغم هذا واصل علي قوبة المقطع السابق " ما زلت أنا عطشان ظامي ، وقد شربت حتى الظل ’ لكنما مكانني ظمآن " ومن فرط جمال صوته أفلته .