الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٤٢ صباحاً

مُتْ مَرِيضاً لأنَكَ مُبْدِعٌ!!

د . محمد حسين النظاري
الاثنين ، ٠٦ أغسطس ٢٠١٢ الساعة ١٠:٥٠ مساءً
يوماً تلو آخر يفقد يمننا -موتاً- أحد مبدعيه، في شتى المجالات العلمية والأدبية والصحفية والرياضية والغنائية، صحيح بأن الموت حق على كل ابن آدم، وأنه لن نفر منه ولو كنا في بروج مشيدة، ولن يعصمنا منه عاصم.. ولكن كما أن لكل أجل كتاب، أيضاً لكل موت سبب، وغالباً ما يكون السبب الرئيسي إهمال الجهات المختصة في حومتنا تجاه رجال قدموا زهرة حياتهم في خدمة الوطن كل في مجاله وإذا ما مرضوا واحتاج أحدهم الى معونة الحكومة تدير له ظهرها، وتتركه يعاني سكرات الموت البطيئ.

أخونا محمد الجبلي لفظ أنفاسه في خيمته بساحة التغيير تلك الساحة التي خرج إليها مؤمناً بقضيته، وإذا به يسقط في شراك المرض الخبيث –عافانا وعافاكم الله منه- وغيره من الذين ركبوا موجة الشباب أصبحوا وزراء وحازوا على الجوائز النوبلية وغنموا من وراء الشباب، فيما ظل الشباب كما هم، وهذا ما قلناه في بداية الأزمة ولم يصدقنا حينها أحد.

رحل الجبلي –غير مأسوف عليه من جهات ناضل من أجلها- ولكنه لم يرحل من قلوبنا ولا عقولنا، لأنه صاحب قضية، فهو شاب اجتهد في ظل الحكومات السابقة ونجح في دراسته، ولكنه بقيّ -كغيره- خارج نطاق الوظيفة الحكومية، التي تعرف اصحابها من على بعد ألف ميل، ومع أنه كاتب وشاعر وصحفي ظل هكذا حاله، وهنا نتسائل كيف هو حال غير المتعلمين من الشباب إذا كان صفوتهم لا يجدون عملاً رغم شهاداتهم؟؟.

عندما قيل بأن مستشفيات قطر وتركيا فتحت أبوابها لجرحى ومرضى الساحات، فرحت حينها لأنني أعتقدت بأن أخي محمد الجبلي بينهم، فكلاننا من مسقط رأس واحد -تهامة- ولكنه ظل يعاني فيما غيره يجوب العالم بأفخم الطائرات، ويستقبله الرؤساء والملوك، وهو ظل حبيس خيمته، فبعد أن أخذوه لحماً رموه لا أقول عظما بل جثته هامدة، لا لشيئ إلا لأنه من تهامة، التي يفترض أن يموت أهلها غرباء في وطنهم، مقهورون فيه، حتى في الموت ينبغي أن يبقوا أذلاء، والله إني لأذرف الدمع وأنا أكتب، لأنني عرفت وأيقنت أن هذه هي قيمتنا لديهم، حتى وإن تقدمنا صفوف التغيير، فنحن في نظرهم من تهامة.

رحمك الله أخي محمد ورحم الله كل مبدع أسلم روحه الطاهرة لبارئها، من دون أن يذرف قاتلوه دمعة واحدة عليه، أين هو التغيير الذي خرج ينشده الجبلي من حاله يوم وفاته؟ هل يعني التغيير في نظر البعض أن تعلوَ وتصغر أخرى. ألم يخرج من أجل المساواة، فأين هي المساواة من شاب –يتبع احزاباً معينه- ينزف اصبعه فينقل الى أنقرة، وآخر يصاب بالزكام فيطير الى الدوحة، أما الشاب الذي حزبه الوطن، فلا يستحق في نظرهم سوى الموت في خيمته، فهو ليس ابن الحزب الفلاني، ولا العائلة العلانية، وليست هناك قبيلة تمنعه وتقف الى جواره، إنه –من وجهة نظرهم- إبن تهامة وليس غيرها

الى جوار محمد يرقد الكثير من مبدعينا على فراش المرض العضال –المرشدي، أيوب ، دحان، ...- وغيرهم كثيرون منهم من عرفناه به، ومن لم نعرف بمرضه أكثر بكثير، والحكومة لا تحرك ساكناً، وإن حركت فتذكرة سفر وألف دولار، وهي قيمة مصروف جيب لأبناء المسؤولين، وتظن الحكومة أنها بذلك قد أدت واجبها، وهي بصنيعها هذا تكون قد أودت بحياة مبدعينا .

الفنان عبد الكريم الأشموري، رجل وهب حياته من أجل خدمة وطنه في مجال التمثيل، ومع هذا مرض ولم يسأل عليه أحد -لا ما يسميهم البعض بالنظام السابق ولا من يسميهم الآخرون بالنظام الجديد- ظل مدافعاً عن الشرعية الدستورية، وعندما احتاج الى يد العون لم يجد إلا اليد التي تتفنن في صياغة برقيات العزاء والمواساة، والغريب أننا نقرأ العجب في برقيان لأناس لا عمل لهم وقال فيها: قضّى معظمه في خدمة الوطن، مع أن عمره عشرون عاماً!.

نعم فحظ مبدعينا –قبل التغيير وبعده- برقية عزاء تذاع في التلفزيون، ولا يصل من قيمتها الى أهل المبدع شيئ -حتى كيس رز ليوم الدفن- فهل دماء المبدع اليمني رخيصة لدى حكومته، حتى لا تتذكره إلا في برقية نعي مستنسخة من آلاف البرقيات التي حظيّ بها من سبقوه من اقرانه المبدعين.

لن ندرك حجم التغيير إلا إذا شعرت الحكومة بقيمة مبدعيها، وسارعت الى رعايتهم قبل موتهم، وإلا فلتنشئ وزارة لتعزية الموتى، ويعيّن وكيل لقطاع المبدعين وآخر للشباب، يكفينا استهتار بقيمة الإبداع، من خلال تهميش أصحابها، وكيف لبلد يريد أن يرتقي، وما من حكومة فيه إلا وتُعنى بالأحياء من ذوي الوجاهات، أما غيرهم فلهم الله، وأنعم به من ولي.