الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:١٠ مساءً

كوميديا البهذلة

عباس الضالعي
الثلاثاء ، ٠٧ أغسطس ٢٠١٢ الساعة ٠٢:٤٠ مساءً
مسلسل همي همك للمبدع الحر فهد القرني صاحب الرؤية الفنية التي تسعى لتسخير الفن في تغيير الواقع ، وهو – القرني – مخزون إبداعي يفترض استغلاله وتشجيعه فهو موهوب وصادق ويمتلك حس فني ناقد ، أيقض مشاكل كانت خط احمر ولا يمكن الاقتراب منها ، أحببناه وأحبته الجماهير الصغار والكبار بمختلف شرائحهم ومستوياتهم الاجتماعية ، حاز على اهتمام البسطاء والنخبة معا ، همي همك المسلسل قدم عرضا فنيا لبعض مشكلاتنا في اليمن ، ومشكلات اليمن كثيرة أينما " اتجهت " فثمة مشكلة ، فالدولة المفقودة مشكلة وغياب القانون مشكلة والثأر مشكلة والفساد والرشوة والمحسوبية وتردي التعليم والأمية والغش التجاري والنهب والسلب كلها مشاكل وجميعها تحتاج إلى إعادة هيكلة ، وهيكلتها لا تتم إلا بوجود قانون ودولة وإدارة جديدة وإرادة قوية .

وهمي همك 3 الذي تزامن مع ثورة الشباب الشعبية السلمية حين توافق الوضع القائم في اليمن حينها مع الرمزية التي جاءت في المسلسل من خلال دور الشيخ " طفاح " وسجلت نهايته دراميا كأمر حتمي وطبيعي لكل مستبد ، فالرسالة التي حملها المسلسل في جزئه الثالث كانت مناسبة وكان يجب أن تكون النهاية – دراميا – لتلك المشكلة التي عالجها المسلسل ، ولثقتنا الفنية بالمبدع فهد القرني كنا ننتظر أن يظهر " همي همك4" برائعة فنية جديدة وشكل آخر واسلون أكثر إبداعا ، لكن ما صدمني في همي همك 4 انه جاء بنفس الشكل وبمضمون أقل ، والأسوأ من هذا انه يعتمد على التكرار ويأخذ منحنى دعائي وتجاري أكثر من المعالجة الدرامية للفكرة ، مع الاعتماد على تكرار الشخصيات التي تلعب دور الكوميديا وتجيد البهلوانية في الحركات وإتقان الغباء والبلاهة والسذاجة ، وتحاكي واقعا سطحيا مع هبوط إلى حد ما في تقديم مضمون أكثر واقعية ، فالمسلسل في نسخته الثالثة قدم لنا عرضا لا بأس به عن مشكلة موجودة في تهامة ولو انه بالغ في بعض جوانبها حين تناول عامة أبناء تهامة وصورهم على أنهم سذج وأغبياء ، هذه حالة موجودة لكن أبناء تهامة هم غير ذلك ، هم " ارق قلوبا والين أفئدة " ويمتازون بالذكاء والفطنة وطيبة القلب ومنبع الخلق ، ومنبت للشعر والأدب والفقه ، وبحكم معرفتي بكثير من مناطق تهامة ومعرفتي بعاداتها وتقاليدها ومعرفتي أيضا بمشاكلهم ومستويات الظلم التي يعانون منها ، لم يكن التصور الدرامي منصفا لهم ، وكان ظالما لهم حين غيب عن التهامي الصفات الايجابية والسلوكية ، وحصرهم في عشة ومزرعة لم تكن أصلا على أرضهم بل كانت في مزرعة استثمارية قريبة من مدينة الراهدة بمحافظة تعز .

كم كان جميلا من فنان الشعب الملهم فهد القرني لو تناول مشكلة أخرى ضمن همي همك 4 كمشكلة الظلم الذي وقع على أبناء الجنوب مثلا ، وهي مشكلة تستحق أن تتناولها البرامج الفنية والمسرحية ، أو مشكلة صعده ، أو أي مشكلة فمجتمعنا يعيش على كم هائل من المشاكل التراكمية ، وكنت أتمنى أن يتخلى الأخ فهد القرني عن الصورة التي تشوه المواطن اليمني من خلال " المدلازة " و " الاستهبال " و " الغباء " الذي يرافق شخصيات " زمبقة وشوتر " وهبالة جعفر وسذاجة سخيم وغيرها ، والفنان فهد القرني باعتباره صاحب الفكرة ومؤلف النص وكونه يمتلك حسا فنيا كان الأحرى به أن يتجنب تعميق التشويه والتركيز عليه بصورة مستمرة ، ويكفينا نحن في اليمن الوصمة التي خلفها مسلسل ( دحباش ) الذي يعاني منه غالبية أبناء اليمن لأكثر من عقدين والصورة المشوهة التي علقت بالأذهان وانعكست سلبيا على أغلبية المواطنين ، ومثلها تنعكس وتترسخ صورة زمبقة وشوتر وبقية المهابيل في المسلسل همي همك4.

قد يكون الأخ فهد القرني واعيا لهذه السلبية لكنه لم يستطيع تجاوزها بسبب ضغط الالتزامات أو الوقت أو شروط التمويل ، لان الظروف الزمنية يمكن لا تسعفهم للبحث عن تمويلات أخرى أكثر حرية وأقل تحكما وسيطرة ، لان الدراما في حال غياب الدعم الرسمي وهذا مستبعد يجب أن تخضع لإملاءات الممول ، مثلها مثل التمويل الحكومي الذي يشترط خفض سقف الحرية وحصر الإبداع وتحجيم النص وقولبته لخدمته أولا ، مع الإشادة بسقف الحرية التي كانت متوفرة لمسلسل همي همك ، الذي كان رائعا في أجزائه الأول والثاني والثالث حين عالج مشاكل كالقرصنة والعبودية وغيرها

لكن المعالجة في جزئه الرابع كانت تكرار وهبوط درامي وتلفيق يمكن تحت ضغط عامل الوقت وضغط الوفاء بالالتزام وهو ما ظهر واضحا في تركيزه على جوانب تجارية ودعائية ، أفقدت المسلسل المضمون في المعالجة .

الإخوان اليمنيين في الاغتراب وهم سفراء اليمن الحقيقيين يلاقون غمزات ولمزات في مواطن اغترابهم وقد تلقيت رسائل من بعضهم وسألت آخرين عن المسلسل ودوره في تشويه صورة اليمني ثقافة وحضارة ، مع الايجابية التي قدمها وهي اللهجة التهامية التي كادت أن تنسى وعالج جوانبا هامة واخفق في الاستمرارية والتقليد والتكرار .

أتمنى أن لا يفهم من تناولي هذا ونقدي للمسلسل أن يوظف ضد الإبداع والحرية والأسلوب الفني الذي يمتاز به طاقم المسلسل مؤلفين وممثلين فهم نوعية محترمة ولحبنا لهم يتوجب علينا نقدهم لأنهم ثروة وملك عام للشعب ، وهم بداية مشجعة لرسم مستقبل فني يعتمد على الحرية نصا ومضمونا ، لهم كل التوفيق وتمنياتي أن يقدموا عملا فنيا بصورة تسند اليمني أينما كان وان لا تكون عبئا وحرجا عليه ... والعاقبة للمتقين

*نشر بالاتفاق مع " صحيفة ايلاف اليمنية "