الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٢٨ صباحاً

توحيد عقيدة الجيش تسرِّع وتيرة التغيير

عبدالاله تقي
الاربعاء ، ٠٨ أغسطس ٢٠١٢ الساعة ٠٣:٠٩ مساءً
أخيراً وبعد طول انتظار وصبر وتضحيات شعبية كبيرة، أضاف قرارا رئيس الجمهورية الأخيرين بإعادة الهيكلة الجزئية الفاعلة لأعتى مراكز القوة العسكرية في البلاد أضاف إرهاصاً جديداً على أن من يجلس على كرسي الرئاسة عقلية حاذقة لا يستهان بها ولا ترتهن لعائلة إلا عائلته الكبيرة "اليمن"، وإثباتاً أكبر بأن الأمور تسير في طريق التغيير المتفق عليه، غير تلك الطريق التي بدأ كثيرون من ضعاف النفوس يشككون الناس بجديته، وزرع الشكوك فيهم حول "المؤامرة"، حتى بدا اليأس يتخلل نفوس الكثير من أقوى مناصري الثورة الشبابية والشباب الطامح بالتغيير القائم على الطريقة السلمية والممنهجة، في خطوة مميزة تضيف برهاناً ملفتاً على إعجاز الثورة اليمنية وتميزها عن غيرها بالرغم من خصوصيات هذه البلاد وتعقيداتها غير المعقولة.

كان من الارهاصات الإضافية أيضاً مبادرة اللواء علي محسن الفورية بإصدار بيان يجسد فيه وعوده المتكررة السابقة بالترحيب بالقرارين وإعلان دعمه لهما ليزيد من ثقة الناس والشباب بأن الجيش اليمني أصبح رويداً رويداً يدخل حظيرة الوطن. ولم يعد يستكمل اطمئنان الناس إلا بيان مماثل يعلن حسن النوايا من قبل الطرف المقابل بقيادة العميد أحمد علي صالح الذي، وفي حال تأخره، سيتسبب في حشره في الزاوية وتولد الشكوك والجدل حول قبوله التحدي الوطني الأهم في هذه المرحلة والسماح باستمرار خطة الاصلاح الوطنية وتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي لمجتمع متسامح أصبح من أفقر فقراء العالم.

يعزو كثير من المحللين الدوليين سر عدم حدوث انقلابات عسكرية في الدول الديمقراطية لوحدة ووضوح العقيدة القتالية للجيش الذي يولد حياداً للمؤسسة العسكرية في مواقفها واتجاهاتها حيث تتحرك تلك المؤسسة بمجرد تضرر الدولة وسيادتها ولا تميل بميل الأفراد ونوازعهم الشخصية. واليوم، جاء الإجراء الاستراتيجي المذكور للرئيس هادي من أجل دعم استراتيجية أكثر أهمية وهي توحيد العقيدة القتالية لوحدات الجيش التي تمزقت منذ أمد متوسط في بين ولاءات شخصية ضيقة كانت السبب الأهم ويكاد يكون الوحيد وراء انحدار وضع البلاد إلى هاوية اللااستقرار والفوضى والثورة. لا ينكر أحد أن أهم مهمات الجيش بسط سيادة الدولة وحماية الشعب من تجاوزات العدو الخارجي والداخلي، إذ يمثل الجيش درع الوطن المضاد للتهديدات الخارجية.

لقد كانت مشكلة الجيش في فترة النظام السابق هو ضعفه القتالي وتغلغل القبلية واللامؤسسية في صفوفه وقياداته وانقسامه ما بين مؤيد للثورة ومناصر للنظام, ناهيك عن استشراء الفساد المالي حيث كان هذا القطاع يلتهم حوالي 60% من الموازنة العامة للدولة تنفق جميعها في مشتروات غير مؤسسة على قواعد الشفافية والمناقصات والرقابة، ناهيك عن التهام القادة لعوائد أموال عشرات آلاف المجندين الوهميين والمنازل. من ناحية أخرى تتأثر عقيدة الجيش القتالية بالظلم الكبير الذي يلحق بالجندي ومعنوياته إثر نهب مخصصات التموين العسكري, فأصبح الجيش قوة ذابلة وجائعة وأصبحت جل قياداته منتمية لقبيلة الحاكم وأسرته الصغيرة لتتحول إلى قوى تجارية استثمارية استهلاكية. إلى ذلك، ظهرت مشكلة أخرى وهي إنشاء جيش موازٍ لحجم الجيش بل يفوقه عدداً وعتاداً وهو قوات الحرس الجمهوري الذي لم يحسم معركة وطنية واحدة بل انبرى معظمه داخل المدن للدفاع عن الحكام والقصور الرئاسية والتي لا تحتاج إلى ترسانات وألوية جيش بدلاً من المرابطة في الثغور للدفاع مثلاً عن البلاد من التهديدات الخطيرة التي تسببت بها قوى التطرف والرجعية بسبب غياب الأمن والجيش.

لكل ذلك، كان الطرح الأولي الوحيد لإصلاح كل ذلك هو إعادة هيكلة الجيش وتنويعه وانعاش عقيدته القتالية بغرض بناء جيش وطني قوي حر ومستقل يحمي الوطن والشعب وليس أسرة بعينها. لقد تسبب تشوه هيكل الجيش ومحتواه بعدم دقة أولويات دعم الدفاع عن اليمن بعيداً عن أولويات الأسرة. ففي أقصى الشمال تقبع إحدى أضعف قواتنا المسلحة وهي قوات حرس الحدود الذين يضطرون الى رفع براميلهم ومعسكراتهم دوماً إثر تآكل أراضينا يوماً بعد يوم من قوات الجيران ولو بعد الترسيم الرسمي للحدود، وفي وراء البحار تنام أضعف قواتنا العسكرية وهي القوات البحرية التي تُسرق ثرواتنا السمكية وجزرنا أمام أعينهم العاجزة والصامتة، ويتم التحكم في مياهنا الإقليمية من قبل دول وعصابات وقراصنة بينما يعوز الحارس اليمني العتاد والزاد والزناد؟ ولماذا لا تصبح اليمن دولة قوية إقليمية بحرية بدعم من الجوار الخليجي بحكم موقعها الاستراتيجي على باب المندب؟ ويمكن لليمن بذلك تحقيق عائدات مالية ضخمة مقابل حمايتها للممر المائي في باب المندب علاوة على حسن إدارة ميناء عدن الاستراتيجي.

وإبان النظام السابق، انحرف مسار عقيدة الجيش القتالية نحو مصالح ورؤى أجنبية خارجية نحو مقاتلة عدو داخلي يمكن حله منذ بداية ظهوره بقوات الأمن المختلفة. ولمواجهة مثل هذه التهديدات المتفاقمة يجب بسط سيطرة الجيش على جميع تراب الوطن, دون اقتطاع منطقة دون أخرى ومن دون أملاءات خارجية تغير الأولويات الأكثر أهمية والأكثر استحقاقاً وذلك عقب الانتهاء من توحيد القيادة العامة للجيش وتوحيد أهدافه التي من آثارها الجانبية أن تضع أي جماعة مسلحة السلاح جانباً وتذهب تلقائياً للحوار وحل المشاكل في إطارها الشرعي والقانوني من دون ارتكاب حماقات أمنية قد تضر البنية التحتية والاقتصاد والاستثمار. وأما تشويه عقيدة الجيش بالانحراف عن مسار مهامه وفق الضغوط الخارجية ,فستدخل اليمن في حلقة مفرغة من الصراعات الداخلية الطويلة والمعقدة!

اليوم اتضحت الرؤية وسهل طريق التغيير، فلم يعد اليمن الفقير يتحمل وجود أكثر من قائد في وطن واحد, فليست اليمن ملكاً لأحد، وليمتثل جميع قادة الجيش والمشائخ للقرارات الرئاسية التي لا ينبغي أن يتطلب تنفيذها حشر السفير الأجنبي أو مبعوث الأمم المتحدة بيننا لأن من ردها كان متمرداً على الشرعية وفق عرف المحاكم العسكرية، فليسو أشرف ولا أكبر منزلة من القائد التاريخي العالمي الفذ "خالد بن الوليد" جهاداً وقيادةً للجيش الإسلامي الذي فتح الكثير من البلدان وكان في ذروة مجده,عندما جاءه كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتسليم قيادة الجيش لأبي عبيدة بن الجراح دون أن يكون قد ارتكب خطئاً أو جريمة وقال لزعيمه برضا كامل "سمعاً وطاعة، وما ضرني أن أكون جندياً من جنود الإسلام" وقاتل كجندي تحت قيادة ابي عبيدة الذي كان جندياً تحت إمرته!