الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٣٠ مساءً

لا أعداء لإماراتك يا (زايد الخير)

أحمد إبراهيم
الاربعاء ، ٠٨ أغسطس ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٥٠ مساءً
شجرة "الإتّحاد" (السُباعية الأغصان) اليوم في "الإمارات" بذكرياتها (الثُّمانية الأعوام) .. ذكرياتٌ أليمة على رحيل غارسها زارعها وساقيها (زايد الخير)، الذي إستخاره الله قبل ثمانية أعوام في مثل هذه الأيام المباركة من الشهر المبارك.. حياته كانت مملوءة بالخير وعُرف بزايد الخير، ومماته جاءت في العشرة الأخيرة من شهر الخير، فلنسأل الله أن يزيد ميزان حسناته، إنه سميعُ مجيب.

كان يوما أقبل على الدنيا قبل 94 عاما في 1918م، ويوما ودّعها قبل ثمانية أعوام في 2004م، عندما نعي ديوان شؤون الرئاسة (الثلاثاء التاسع عشر من رمضان) الموافق (02 نوفمبر (2004) نبأ وفاته عن عمر يناهز الـ 86 .. يومان عاش بينهما الرجل رمزا للسلام والعطاء في زمن يصعب فيه السلام ويندر فيه العطاء، ومهما كانت الطرق وعرة، صمد الشيخ زايد رحمه الله للصلح وللسلام.

وكما كان يحلم سموه بالوطن الكبير يسوده السلام يُجنّبه الظلام، فواجه رحمه الله جروحا وآلاما في أعضاء الوطن الكبير من الشقاق بين الأشقاء بالمنطقة والأقاليم والقارات وهو يسعى الى توسيع رقعة حلمه (الاتحادي) من أبوظبي الى وحدة عربية شاملة، بدءا بما أراد تطبيقه على اتحاد (تُساعي خليجي) بشمول قطر والبحرين فتحقق بولادة (السباعي الإماراتي) .. كذلك واجه المرحوم مشاكل صحية في السنوات الأخيرة من عمره، حيث أجريت له عملية جراحية في اكتوبر 2003 لاستئصال حصى من المرارة ثم أجريت له عملية جراحية بالعنق في سبتمبر 1996 قبل ان تزرع له كلية عام 2000، لكنه وكعادته كان سباقاً لمعالجة أعضاء الوطن قبل أعضاء البدن.

صادف انه وُلد مع نهاية الحرب العالمية الأولى في الجزيرة المطلة على الخليج العربي (أبوظبي) إسمٌ تقول الروايات أنه بسبب كثرة الظباء فيها .. وفي حين كانت تدور حلقات لعبة الضباء في المنطقة على البقاء للأقوى، وعلى الجانب الآخر من الوادي من نفس العام كان قد وُلد نيلسون مانديلا وجمال عبدالناصر وتشاوشيسكو وستالين، كان قد وٌلد بنفس الوقت بالجانب الداخلي من الوادي زايد بن سلطان آل النهيان في أبوظبي.

إذاً كان عاما أنجب رجالا غيروا مجرى التاريخ بمجرى شعوبهم وأوطانهم ولكن .. لم تجتمع فيهم تلك الصفات التي امتاز بها زايد في حياته، والذي كان يمتطي صهوة جواده ليقهر الصحراء بالإخضرار من جانب، ثم يعود من جانب آخر يفترش الأرض ليسجد لله على الرمال، ويساوي الفارس بالراكب، والراكب بالجالس، والجالس بالنائم، والنائم بالقعيد على أنهم رعيته الإماراتيون بالسواسية.

كان صادقا متواضعا بين أبنائه وإخوانه وجيرانه، معطآءا بالجود والكرم والنبل والحكمة والفراسة والشجاعة، يرتقي قمم الجبال والرمال بكبرياء وشموخ، ثم يعود ويعرج لسهول الوديان بتواضع ودموع، تحدّى سياج "حظيرة" الظباء إلاّ أن يتجاوزها..! فتجاوزها في السابعة من عمره من مجلس والده في مدينة العين، وفي الثامنة من عمره بدأ بحفظ القرآن الكريم، وتلقى منه تعاليمه التاريخية التراثية العريقة.

وحين توفي والده عام 1927، انتقل إلى واحة العين التي قضى فيها السنوات الأولى من فجر شبابه، وإستمدّ من بين جبالها وتلالها خلقه وفكره وطموحه متنقلا بين السواحل والشطآن والجزر والسواحل، فصقلته حياة الصحراء فارسا من فرسانها الشجعان يجيد ركوب الخيل والجمال بهواية البدوىّ القنّاص، فجمع بين أخلاقيات البدو وصلابة القاضي وقوة الصياد وحكمة القائد وحساسية الشاعر.

وكان يشاطر مواطنيه بذراعه حفر الآبار وتحسين مياه الافلاج وإنشاء المباني والطرقات، والجلوس معهم، ومعايشتهم على السواحل والأرصفة والخيم بقواميس لا مفردات فيها للتكبّر والغطرسة، وبعد ان حفر الآبار بيده لأبناء وطنه وامّن لهم الماء تحت الرمال والاخضرار فوق الرمال، بدأ يلامس بإصبعه مياه شطآن الخليج ويسائل نفسه: (ترى ماذا يوجد وراء البحار..؟) وأجاب عليه بنفسه عام1953 برحلته الأولى إلى بريطانيا ثم الولايات المتحدة وسويسرا ولبنان والعراق ومصر وسوريا وإيران والهند وباكستان وفرنسا، كان يذهب بثوبه العربي البسيط ليأتي لشعبه وبلاده آخر ما توصلت له الشعوب من الرقى والحضارة.

وعلى يده كانت الشمعة الأولى للإمارات في السادس من أغسطس عام 1966، حين تولى مقاليد الحكم لإمارة ابوظبي فأنعشها نهضة شاملة، ثم تتطلع بفكره الوحدوي إلى اخوانه بالمنطقة، ذلك الشعار الوحدوي الناجح الوحيد بين (ما أكثرها رُفعت وما اقلها طُبّقت من شعارات) .. سعى في البدء ـ وكما اسلفنا ـ لاتحاد (تُساعي) بشمول قطر والبحرين، لكنه دون طموحه توفق بسُباعية الإمارات العربية المتحدة، وبالتنسيق والتشاور مع اخيه المرحوم الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي في فبراير 1968، إجتمعا بمنطقة السمحة (سيح الشعيب) التي تقع بين ابوظبي ودبي، وأسفر الاجتماع عن ولادة الإتحاد الإماراتي برموز هجائية حفظها المكان وفسّرها الزمان في سيمفونية تاريخية.

سيمفونيتة الإمارت قد يجور لنا ان نفسرها على أن : (أبوظبي) أبو الاتحاد، (دبي) دانته الإقتصادية، (الشارقة) إشراقاته الثقافية، (الفجيرة)، فجر ينابيعها النهرية، (رأس الخيمة) بخيمة العروبة والضيافة، (عجمان) بمعاجم العلم والجامعات، (وأم القيوين) بما احتضنتها تلك الامارة من قوتين البرية والبحرية يومذاك.

وفي الختام نقولها : (إن مات زايد الأب قبل ثمانية أعوام في مثل هذا الشهر، فإنه يعود ويلد كل عام بأبنائه في كل شهر ديسمبرالتاريخي لعام 1971، وتلد معه على كل غصن من أغصان تلك الشجرة الإتحادية ثمارها، الشجرة التي إن كان زايد غارسها وزارعها، فأبنائه الشرعيون اليوم ليسوا لتلك الشجرة بالحصاد فحسب، بل هم لها أيضا بالسقاية والحماية ولو بالرماية، فبالروح والدم نفديك يا وطن.

ونسأل الله في هذا الشهر الفضيل ان يجعل هذا البلد آمنا ويحفظ حكامه وأبناءه وضيوفه من كيد الحاقدين والحاسدين والجائرين، انه لشهرٌ الكريم، وإنه لسميعٌ مجيب.