الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٤٣ مساءً

عيدالفطر بفطريات الحذاء والقلم

أحمد إبراهيم
السبت ، ١٨ أغسطس ٢٠١٢ الساعة ٠٥:٢٨ صباحاً
(الحذاء) جنب (العيد) كلمةٌ إن أزعجتكم على هذه الصفحة، فتذكّروا بيوتنا، سفرة العيد فيها تجاورها الأحذية الجديدة، بيت بيت، زنقة زنقة ..!

العيدين الفطر والإضحى تراثا وتاريخا في العالمين العربي والإسلامي، طفل الحارة في صباحهما (العيديّةُ لسانه والحذاءُ بُرهانه) وهو يتهلهل وزملائه في الأزقّة والسكيك بتراتيل اللهجة المحلية والشعبية لكل بلد، مثلا قد تكون في مصر ترتيلتهم: (أيّامك سعيدة "جزمتك" جديدة، في الخليج أيامك سعيدة "جوتيتك" جديدة)، وفي العراق الذي كثيرا ما إنفردت اللهجة العراقية بمفرداتها النادرة على دور الجوار، مثلا الشخّاطة (الكبريت) والقُندرة (الحذاء) .. إذن أطفال العراق صباح اليوم (بأيّامك سعيدة وقُندرتك جديدة)، خاصة والقُندرة العراقية القديمة لايُخشى عليها قدرما يُخشى منها بمخلفات القنابل ومسامير وقاذورات الألغام..!

عراقُ المتنبىّ الذي زعم يوما ان الليل يعرفه والخيل والبيداء والسيف والقرطاس والقلم، إنتهج فيه صحفي عراقي لاحقا فنون الكتابة بفردي الحذاء، واحدا تلو الآخر في وجه رئيس أكبر واقوى دولة في العالم، هو العراق ذاته الذي كانت تُداس فيه رؤوس ذوي الأقلام بالأحذية والأقدام في الظلام، فعاد وتنفس الحذاء في الأضواء جنب القلم وتحت العلم .!

بجوار أحذية العيد الجديدة لأطفالي، كدت اخفي وجهي بينهم وبين أحذيتهم، وانا أتذكر وجوه أطفال سورية تحت الأنقاذ والقنابل والدبابات والصواريخ، ناهيك عن غرف التعذيب الجنسي والجسمي التي قد تكشف لاحقا، آخ عواصم الكلمة المضيئة في الوطن الحبيب تُشعل فيها هذه الأيام فقط أضواء القنابل والمتفجرات، من في جيبه القلم ولم يكتب فليكتب، ان القارئ العربي مدانٌ في علمه وقراءاته لعواصم أربعة: بغداد، دمشق، بيروت والقاهرة، ما من كتاب في المكتبات العربية الا وطُبع في إحداها، وما من كلمة يلفظها قلم الكاتب العربي على الورق والا وتُقرأ في إحداها، واليوم يسأل القلم قبل الكلمة، في أي طابور تقف تلك العواصم: دمشق وبغداد وبيروت؟ وهل ستلحقها القاهرة عن قصد او دون قصد..!

يا ترى من يدير هذ السباق الإنتحاري من وراء الكواليس، ونحن نذبح بعضنا بعضا وهو يمسح على شاربيه بإبتسامة صفراء..! عندما قرأت فوز بطل سباق الجري بأولمبياد 2012 بجائزة دعائية 25 مليون دولار، تذكرت جري أطفال سورية والعراق على مدافع الفطور والسحور، طبعا ما تبقى منهم أحياء وهم يجرون بين المخابز والبيوت، وسباقهم من شارع لشارع ومن سكة لسكة، لينالوا جائزة دقائق وساعات إضافية من الحياة، ولعلّ الكثير ممن اشترت لهم أمهاتهم أحذية العيد، تنتظرهم الأمهات على الأبواب بالأحذية، وهم تأخروا، قد يعودون او لايعودون..!

في العيد مهما إزداد النظر وتكرر السؤال عن الحذاء الجديد، لا أحد يسأل الكاتب إن كان قلمه جديدا، ولا هو يجدّده، وإن جددت له زوجته حذائه، لأنه يدرك أولا انه يجري بالقلم القديم بشكل أفضل على الشارع الجديد، ويدرك ثانيا، أنه من مُصلّى العيد الى غرفة نومه، الكلّ سيركّز على دشداشته ويشماغه وسترته ثم حذائه، بل وأحيانا على سيارته وطول قامته، ولا أحد سيسأله عن قلمه .. فلا داعي للتجديد في العيد ولابعد العيد..!

على سفرة العيد ابحث عن قلم راوي صديق أثق بصدق روايته، عن الكلمة العربية غير المحررة والتي بدونها ستبقى بقية الكلمات محكومة بالإعدام او المؤبّد، انا واثقٌ انه موجود لكنه مخبوءٌ بين كبار أصحاب القلم، يراقب انواع الأحذية الجديدة التي يلبسها أولاده وأحفاده، ثم يراقب أحذية أبناء الجيران ثم أبناء الحارة ثم أبناء المدينة، ليصنف تلك الأحذية الملبوسة في العيد من الشباشب والقباقب والزنوبات، بين الجديدة اللامعة منها والقديمة المصبوغة عليها..!

أطلبه هذا الراوي الموثوق والمخبوء، ان يترك الأحذية ويعود للقلم، وان الخلود للقلم لا للحذاء ولا للغذاء، ان الفراعنة ان خلدوا بتماثيلهم، فإن كبار الكتاب الأحرار كذلك سيخلدون على مرّ الزمن بمخلّفات أحبارهم، اليوم قد لايتذكر الإنجليز إسم رئيس الوزراء الأسبق ولا نوع الكرفتّة الذي يلبسها معالي الوزير الحالي، ولكن لم ينس الإنجليز وغير الإنجليز قلم شكسبير وإسمه ورسمه، فليشهد معي الرواي ان إحترام أمة يُعرف من قيمة الكاتب فيها، فإن وجدت الكاتب في آخر الصفوف، فأعلم ان تلك الأمة في مؤخرة العالم..!

في العيد نخلع الحذاء ونرفع القلم للعلم، نتذكر مجد أمّة لم يكن مجدها مجرد أناشيد وموسيقى إذاعية (هكذا كان أبي)، إنها حقائق وأرقام (ها آنذا).

وعساكم من عواده بالقرطاس والقلم...